Wednesday, December 27, 2006

وقاحة

يرمي بطرفه إلى عقارب الساعة
وبطرفه الآخر نحو الساحة
حشود جاثمة على قلبه
فيتمنى لو يتخلّص من نبضه
وخزٌ كالإبر تحت جلده
يكاد يفقده رشده
فهو ليس منهم، وهم ليسوا منه
فهل تصلح فيه صفة الحاكم؟
أهم جاثمون على صدره؟!
أم هو على قلوبهم جاثم؟!
يتعلّق بوفد ذاهب ووفد قادم!
فيستلهم منهم ما في الكون من وقاحة
ويعلن أنه ليس هناك للدستور
أو الميثاق أي استباحة!
وأن حكومته لا تكترث لما يجري
وهي جدٌ مرتاحة!
فهل هناك بعد هذه الوقاحة وقاحة؟!
فيا من جلست في سرايا الشعب
متجاهلاً كل هذا الغضب
وظننتَ أنك امتلكت ما أُعطيت من لقب
ماذا عساي أقول إلاّ
يا عجبي من هذا يا عجبي
ألا تخشى أنك بهذ الغضب ستُحرق؟
أوترتاح عندما هذا البلد بالدماء يغرق؟
ألا تعرف أن السفينة بكل من فيها تغرق؟!
أم تنتظر وأتباعك من أميركا قوارب النجاة؟
صدّق..
أنه لا نجاة
للظالمين العتاة.
ماجدة ريا

Tuesday, December 12, 2006

المشهد الآن!

لايصدّقون
أن عطاءنا ليس له حدود
أننا نحن من يخط رسم الوجود
فالريشة بيدنا
الأرض أرضنا
والسماء سماؤنا
وكل الأدوات في تصرّفنا
لكن ليس هذا ما لم يصدّقوه!
وإنما أدهشهم الإبداع الذي يغمر أرواحنا
وهو هبة من رب العباد
كريم، وعلى من استعطاه جواد
تمنّوا أن لا يرَوا ما يرون
وأن يختـفي هذا الأمر من حياتهم
دون كيف أو لماذا!
ولكن هيهات، هيهات
فالدنيا لا تصنعها الأمنيات
بل هي مع الزمن وقفات
فهلاّ أرشدتمونا إلى وقفة لكم؟
بلى تذكرت....
وقفة الذّل والعار في ثكنة مرجعيون
والإنحناء أمام بني صهيون!
ياه!... يا لها من وقفة لا تنسى
طعمها مر كالعلقم
فأين نحن؟
وأين هو صاحب الطرح المستسلم؟!
وبعد كل هذا لا عجب إن دهشوا!
فأنىّ لهم أن يدركوا ما ندرك؟
وأنى لهم أن يشعروا بما يجري؟!
فقد تبلّد فيهم الشعور
لا بل قد مات
داسته أميركا بنعلها
ووضعت شخوصهم في جيبها
وأقفلت عليهم الرباط
فلا هم يستطيعون من قبضتها الإنعتاق
ولا يستطيعون مع شعبهم الإلتصاق
حفظوا كلمة: رئيس الحكومة باق باق
ليرددوها أمام الأجنبي وفي كل رواق
والأروقة غصّت بشعب ملّ سلطة الإرتزاق
شعب يصرخ في هذه الحكومة ارحلي
كفاكِ ظلماً وتبجّحاً وعن شعبك لم تسألي؟
أما آن لك عن العرش المسروق أن تنزلي؟!
إذا كنت قد أضعت طريق النزول
فهذا الشعب قال كلمته وسيقول
سنرميكِ في غياهب المجهول
لستِ حكومتنا!
لسنا منكِ ولست منا!
فلسنا شعب يرضى بالخضوع
ولو تحوّلنا جميعاً إلى شموع
فنحن شعب يصنع التاريخ.
ماجدة ريا

Sunday, November 26, 2006

الواقع العجوز

تتدافع الأفكار في رأسها كما الريح العاصفة، تُقلّب هذه، وتنظر في تلك، وترى طموحها يتجسّد أمامها عملاقاً مارداً، لكنه ليس المارد الذي يقول " شبّيك لبيك، عبدك بين يديك!..."
وإنما مارد يزمجر، أن "ساعديني كي أكون.." ردّدي العبارة التي علي أن أقولها، فتحقّقي إمكانية وجودي.
تجلس هادئة لهنيهات، تحسبها دهراً تعدّ فيه أنفاسها اللاهثة، تفكّر في الواقع الذي يحيط بها، وتتوقف طويلاً... فهو ليس واقعها وحدها، إنه واقع جيل الشباب.
وتجول في مخيّلتها، تتأمّل صور الواقع وقدراته العجيبة في تأثيره على البشر، وهي في تأمّلها، تسمع دقّات يد مرتجفة على بابها، وتتساءل في نفسها:
" من تراه يكون؟!"
نهضت من مكانها، مستجمعة جرأتها وثباتها، فتحت... وتسمّرت عيناها على الماثل أمامها.
عجوز متعب، يتّكأ على عصاه، ويرمقها بنظرات استجداء ورحمة، وبينما هي تقرأ ملامح وجهه، قرأت اسمه الذي حفر على جبينه "الواقع"...
للحظات دبّ الرعب في قلبها اليانع، وحارت فيما تراه، عادت آلاف الأفكار تتقافز إلى رأسها " أيمكن أن يكون هذا هو الواقع؟ عجباً!..."
وبصوته المرتجف ذكّرها بوجوده قائلاً:
"" ألا تسمحين لي بالدخول يا صغيرتي؟! إنني متعب."
" عفواً تفضّل..."
افسحت له المجال متراجعة إلى الوراء، فدخل وألقى بنفسه على أول مقعد صادفه، ولبث ينظر إليها ويتأملها وقد ظهر على ملامحها مزيج من الأحاسيس المكلّلة بالخوف والحزن معاً، وما لبست أن حرّكت شفتاها ببضع كلمات:
"كنت أسمع عنك أشياء كثيرة، ولم أتصوّرك هكذا؟!"
" صحيح يا صغيرتي، فقد أرهقتني الحرب، واستنفدت مني كل ما أملك، ولم يبقى بحوزتي ما أقدّمه لكم أنتم الشباب، ولشدّة همي وحزني شخت باكراً".
" ماذا تعني أيها الواقع؟!"
" لا أريد أن أصدمك، ولكن..."
" ولكن ماذا؟!"
كانت تترقب خروج الكلمات من شفتيه المرتجفتين، وكأنها تنتظر ولادة خبر مبشّر، أو على الأقل خبراً يزيل قلقها وخوفها منه...
" عليك أن تخدميني كثيراً، قبل أن تصلي إلى ما تريدين."
" وإذا لم أفعل؟!"
" مع كل أسف، لن تحقّقي شيئاً بدون مساعدتي، وأنا أحتاج لمن يساعدني كما ترين!"
كانت نظراتها الحائرة تلاحق قسماته بكل أسى وهو يستطرد قائلاً:
" الحياة سيوفها حادة، والصراع معها عنيف، وتحتاجين للمواجهة لدرع واق، وإلا فلن تصمدي أمامها طويلاً... وعندما تساعدينني، سأوأمّن لك هذا الدرع."
أعطته إشارة الموافقة، وشرعت تتأمله بهدوء، لترى ما يمكن أن تصلح فيه... عصرت أفكارها، واتخذت قرارها بأن تبذل جهدها إذ لم يكن لديها الخيار، سوى الإهتمام بهذا الواقع العجوز كي تعيده فتياً، فهل تفلح؟ .
ماجدة ريا

Sunday, November 19, 2006

النصر آت ثانية

سيد المقاومة، أنهى بهذه الكلمات، وبصدقيته المعهودة، وثقة لا يصل إليها أحد غيره: " كما وعدتكم سابقاً بالنصر، أقول النصر آت"
ها هي يا سيدي أصوات المفرقعات ترتفع عالياً ابتهاجاً بوعد يدرك الجميع أنك إن تلفظت به سيكون...
نعم... قلت سابقاً "ما عجز الصهاينة عن أخذه في الحرب والله لن يأخذوه بالسياسة" قلت وأنت الصادق في قولك دائماً، والجميع يعرف ذلك.
نحن جميعاً رهن إشارتك سيدي، إلى التغيير الذي لا بد منه، إلى إحقاق الحق، إلى إسقاط حكومة السفير فيلتمان في لبنان...
لبنان المقاومة، كما انتصر في الحرب، سينتصر في السياسة، نعم سينتصر.
دائماً، يأتي كلامك بلسماً لجراح هذا الشعب الذي تمعن قوى السلطة في إيذائه، وإيلامه دون تهيب..
يأتي كلامك درراً يخرس الأعداء، ويبرّد قلوب الأصدقاء.
يأتي كلامك سيدي حِكَماً وعقلانية ووطنية ، فلا تغيب عنه شاردة ولا واردة إلا ويجلي حقيقتها، ويرد غيّ الباغين على أنفسهم، ليرتدّ مكرهم على أنفسهم الضعيفة، المؤتمرة بأوامر السفارات الأجنبية، والمنحنية عند أعتاب الولايات المتحدة الأميركية.
نعم لقد آن أوان التغيير ... ونحن جميعاً تحت رايتك، ليبقى اسم لبنان برّاقاً مشرقاً ، عنواناً للمقاومين والأباة والأحرار في العالم.
كتبت هذه الكلمات ولا تزال أصوات المفرقعات تدوي ابتهاجاً لسماع صوتك الغالي وقراراتك التي تسمو دائماً فوق كل الجراح، وتسعى دائماً لردم صدع ابتدعته قوى السلطة ولا تزال بأيادً لبنانية وسياسات أميركية.
رسمت خطوطاً للمرحلة المقبلة وللتحرك الذي لا بد منه، فكانت خطوطاً من نور، وأنت تطلب من الناس الصبر على الأذى كي لا ندخل البلد في دوامة يريدها له هؤلاء الضعفاء.
انشاء الله نكون عند حسن ظنك سيدي كما كنا دائماً..
فهكذا هو شعب المقاومة، شهم، محب، صبور وغيور على مصلحة الوطن، ومستعد لتلبية نداءات الشرف التي تطلقها ولسان حال الجميع "لبيك يا نصرالله
ماجدة ريا".

Thursday, November 16, 2006

الفقير والقدر

أنا أريد أن أكون
نفض عنه غبار آلامه، ورمى بطرفه إلى تلك الأوراق المرمية أمامه على الطاولة.. الخشبية الصغيرة، جمّعها، ثم بعثرها من جديد وهو يقرأ إمضاءه في أسفل كل منها " أنا أريد أن أكون.."
جملة لم تغب عن أوراقه...أبداً. وبينما تلك الأوراق تترجرج بين يديه، تناول من بينها ورقة غريبة عن أقرانها، لكنها ليست غريبة عنه أبداً... فهو من رسمها، وحدّدها بأدق تفاصيلها... بعناوينها الكبيرة والصغيرة، رسمها بريشته المكسورة، وأوراقه المجموعة من هنا وهناك... بيديه الباردتين كجليد أيامه التي يعدّها يوماً بعد يوم... رسمها بنيران فكره المتوّقد الذي لم تهدأ حرارته يوماً..
تأمّلها، إنها شخصيته، أشار إليها بسبابته، وبنظرات ثاقبة كالصقر كأنه في تحدّ مرير "نعم، هكذا أريد أن أكون..."
شيء كالبرق يلمع أمام وجهه، يبهره، يغمض عينيه بشدة كحركة تلقائية لذلك اللمعان المفاجىء، ويفتحهما مسرعاً ليستكشف مصدر تلك القهقهات العنيفة، ولكن قبل أن يتسنّى له رؤية أي شيء، يشعر بسخونة الدماء تسيل منه... كتم في قلبه صرخة ألم حادة لأنه لو أطلقها لأذهلت كل أثرياء الأرض فمادت بهم، لكنه لم يستطع أن يمسك دموعاً غزيرة انهمرت في صمت، رفع عينيه في الماثل أمامه ليتعرّف على غريمه، وما لبث أن تساءل بذهول
" أيمكن لنا أن نرى القدر؟"
ويجيبه الماثل أمامه مستهزئاً
" نعم، أنا قدرك هل تراني؟"
ضمّ جرحه بيده، ورفع في وجهه نظرات ملؤها التحدّي، هزّ رأسه وهو يقول
"لا أحد يفرض عليّ قدري، أنا أصنع قدري بيدي.."
" ماذا قلت؟!"
" قلت أن ضرباتك لا تخيفني، ولا تثبط عزيمتي، ومهما حاربتني، أنا سأكون أنا، كما أريد أن أكون..."
"خذ إذاً.."
وانهال عليه ضرباً بسيفه، فكان يتّقي الضربات العنيفة بصدره ومرفقيه، يصارع نوبات الألم في تحدّ رهيب، إلى أن شعر أنه في غيبوبة كالحلم، استفاق بعدها على هدوء أشبه بالسكون الذي يلي عاصفة مليئة بالعويل... نظر إلى جراحاته العميقة، فإذا بها قد اندملت، تحت عضلات صلبة، متينة، لا تخترقها السيوف، ها هو قوياً كما أراد أن يكون، ابتسم في سرّه وهو يردد
" أجل نحن من يصنع القدر."
ماجدة ريا

أين أصبحنا؟

استقال الوزراء المنتمون إلى خط المقاومة، واستمرّ فريق الأكثرية في اتخاذ قراراته وكأن شيئاً لم يك
وبعد جلسة خائبة، وصفها رئيس الحكومة بالتاريخية، بدت الأمور أكثر وضوحاً، وأن الآتي يجب أن يكون بمستوى الحدث. ولا بد أن تكون هذه الجلسة تاريخية لكن لكل بمفهومه ومنطقه للأمور...
كان من الواضح ومنذ البداية ما يريد فريق الرابع عشر من آذار، وأن التوصيات الأمريكو صهيونية لا تنازل عنها حتى آخر رمق، لكن جميل أن يلفظوا رمقهم الأخير وهم يبتسمون... نعم ترى ابتساماتهم العريضة فتدرك أنهم يضحكون على أنفسهم، ويظنون أنهم سيطروا أو يستطيعون السيطرة!
ويتشدّق أحد قادتهم بالقول أن الربح في الحرب هين أما في السياسة فهو غير ممكن! ونسي بإنه هو إبن البارحة بالسياسة، وأن باعه فيها قصير جداً... وأن من يلقّنه ذلك والذي فشل في الحرب هو أعجز من أن يملي شروطه على أحد.
المقاومة!.... انتصرت... وهي تتلقى في قلبها النصال ممن تخاف عليهم وتريد لهم الخير، ولا زالت، تمد يدها لأبناء الوطن الواحد، وتفتح قلبها المطعون، وصدرها برحابة إلى هؤلاء الذين لا ينفكون يبحثون في كل لحظة عن أي شيء يمكن أن يحقق لهم مكسباً... يظنون أن التواضع ضعف، أبداً لم ولن يكون ضعفاً... إنما يحتاج للظلم الضعيف، والمقاومة ليست ضعيفة أبداً وقد هزمت أعتى قوة على وجه الأرض، وإن كانت قد صبرت على هؤلاء، فإنه الصبر الجميل على أناس لا زالت تعتبرهم من أهلها رغم كل الطعنات القاتلة التي يوجّهونها إليها ولا زالوا... ومع ذلك لا زالت تصبر لكن هذا لا يعني أبداً أنه يمكن تمرير أي مخطط أميركي أو غربي من خلال لبنان مهما فعل هؤلاء ، مهما قرروا قرارات باطلة، مهما استأثروا بسلطة لم يستحقّوها يوماً، بل سيسجل التاريخ أسماءهم على صفحات سوداء مليئة بالعار... إذ لم يشهد لبنان حكومة متسلطة ومتآمرة أكثر من هذه الحكومة، وقد بلغ بها الغي أن تعلن مؤامراتها دون خجل!
بعد كل المآسي التي تعرّض لها شعب المقاومة، بعد كل تضحياتهم، نرى ان البعض يريد أن ينقضّ على كل ذلك، غير آبه بشيء سوى بمصالحه الضيقة الآنية، لكننا نبشرهم بأن أحلامهم واهية، وأن ذلك لن يكون، وأن ما يحصل منهم الآن ليس سوى حشرجات الموت القاسي، لأنهم ربما لا يستحقون الفرصة التي أتيحت لهم للبقاء والتوافق مع الآخرين لما يحمي البلد ويؤمن مصلحته، لأنهم تسببوا بالأذى المادي والمعنوي للكثير من الناس الشرفاء ، ووزر ذلك باق في رقابهم ، يثقل أعناقهم المغلولة للغرب، ويمنعهم من فرص الخير التي لا يستحقونها. وليأتِ التغيير الذي طالما انتظرناه، وليعد لبنان كل لبنان مقاومة، ولتقبع تلك الشرذمة في غياهب التاريخ، هناك حيث كانت قبل أن تستولدها أمريكا وتضخ فيها دورة من الدم الفاسد الذي يبدو أن مفعوله قد انتهى، وآن للحق أن يظهر، وأن يأخذ كل امرىء ما يستحق من هذا الوطن، فلبنان كل لبنان يأبى إلا أن يكون وجه العروبة المشرق، وعاصمته ستبقى عاصمة المقاومة الأبية.
ماجدة ريا

Sunday, November 05, 2006

الغريب

رفعت وجهي إليه، أحدّق بالشحوب الذي اعتراه، وتكوينات وجهه التي تقلّصت، ما الذي حدث في القرية يا ترى؟! ما الخبر الذي يحمله؟ ضاقت عيناي وأنا أعدّ أنفاسي بانتظار ما سأسمع، واستعجلته في الحديث "ما الأمر؟!"
كان من عادته أن يبقى في زيارته لوالده الكبير في قريتنا البعيدة حتى الظهر، ولكن أن يصل في هذه الساعة المتأخرة، فلا بد أن شيئاً ما قد حصل.
انفلتت الكلمات من بين شفتيه بكل ما يمكن أن يحمل الهدوء من ألم: "عاطف أصيب بحادث"
"عاطف؟! وهل الأمر خطير؟"
صمت ثقيل ساد للحظات، ولا زالت نظراتي تلاحق تقاسيم وجهه المتجهّم "ماذا أصابه؟!"
"لقد... مات"
وكأني بي قد تجمّدت، فلا أقوى على الحراك، لحظات ثقيلة أخرى، تبعها انفجار في البكاء..
سرعان ما برزت صورته في مخيّلتي.
إنه ابن عمي، وابن عم زوجي، غاب سنوات طويلة في "بوسطن" في أمريكا قبل أن يعود إلى أحضان الوطن، ما زلت أذكر بوضوح ابتسامته العريضة التي لم تكن تفارق ثغره، وعينيه الحالمتين اللتين ترى فيهما حلم الكبار وبراءة الصغار رغم أنه ناهز التاسعة والأربعين من عمره، أما عطفه وحنانه على الجميع فلا ينضبان، وكأنه استمدّ من اسمه كلّ عطف الكون، وتردّد صدى كلماته في أذني "سأعود إلى لبنان لأستقرّ فيه بقية عمري، وأفتح شركة تأمين هنا، يكفي غربة، أريد لابني أن يعيش في وطنه..."
" يا الله!... كم كان مزهواً بنفسه، مقبلاً على الحياة..."
" إنه قدره!"
" كان سيعود من أمريكا في 5 تموز أليس كذلك؟"
" فعلاً كان قد حجز لعودته..."
" سبحان الله!... أي حادث هذا ؟"
" كان في حفلة توديع مع رفاقه هناك في مزرعة لصديقه، وأثناء تحليقه بطائرة شراعية وقع منها نتيجة عطل فني."
" يا إلهي!"...
كانت أمه موجودة معه في الحفل، وزوجته الأميركية وابنه، لكن أمه لم تستطع تحمل الأمر، ونُقلت فوراً إلى المستشفى. إنها صدمة قوية بعد حياة مليئة بالمتاعب، أما هنا فقد كانت صدمة الناس فيه كبيرة، بعد أن أعدّوا العدّة لانتظاره، ولسان حالهم يقول "ليتنا لم نُعد التعرّف عليه!... كان مميزاً في سفرته الأخيرة إلى الوطن في طريقة تعاطيه مع الجميع".
سريعاً كانت العودة إلى القرية، الوجوم على الوجوه، والحرقة في قلوب كانت تنتظر الحيوية التي رسمت صورته في أذهانهم، فإذا بالجمع يستعد لتلقي الصدمة تلو الصدمة.
كان إعلان الوفاة في الصحيفة الرئيسية في البلد يقول إن موعد الدفن يحدد بعد عودة الجثمان، ولكن ما حصل كان يكفي ليجعل من هذا الإعلان.. مجرد حبر على ورق.
الجثمان الذي ذهب أخواه إلى هناك من أجل إحضاره.. لم يعد.
لقد رفضت الزوجة أن تتخلى عما بقي لها من الشخص الذي أحبته بصدق: أنتم لديكم ذكرياتكم معه، ولديكم أهله وصوره، أما أنا فماذا سيبقى لي إن أخذتم جثمانه؟ اتركوه لي، فأنا سأزور الضريح لأضع عليه الورود كل يوم..."
هو يحمل الجنسية الأميركية ومتزوّج من أميركية وبالتالي يطبّق عليه قانون تلك البلاد فكان لا بد من الإنصياع لرغبتها تلك.
وكانت الجملة الأكثر ترداداً على الشفاه: "مات في الغربة، ودفن في الغربة..."
كان الجمع المنتظر في قريته يتساءل: "كيف سيدفن هناك؟ هذا ظلم! يجب أن يعاد إلى مسقط رأسه ويدفن بين أهله!...من سيقيم عزاءه هناك؟!"
والجواب جاءهم سريعاً عبر الصحف الصادرة في مدينته، والتي لم تتأخر في تخصيص مقالات عديدة عنه وعن مآثره...
لم يكن غريباً! لم يمت غريباً!...
"رجل الخير" كان لقبه، كل يوم كنا نكتشف باباً من أبواب الخير التي كان يقوم بها.. كنا نعرفه طيباً، محباً، عطوفاً، خيّراً... أما صدقات السر، والمشاريع التي كان يعد لها، فقد فاجأت الجميع.
المساجد التي شارك في بنائها، وكان آخرها مبنى كاملاً اشتراه على حسابه ودفع من ثمنه الدفعة الأولى ليكون مسجداً، والمساهمة في جمعيات لدعم المشرّدين وإطعام الجائعين.. هي بعض إنجازاته، حتى قيل عنه إنه لم يترك متشرداً واحداً إلا وسعى لتأمين مسكن له في مدينته تلك.
لم يكن غريباً، ولا وحيداً، فقد أتى إلى جنازته القاصي والداني من تلك البلاد، وفوداً وعائلات، وأمه وأخوته وحتى زوجته فوجئوا بهذا الحشد من البشر، وبهذا الكم من الفجيعة لدى هؤلاء الناس الذين أسهبوا في ذكر مساعداته وتقديماته، والجميع يبكيه ويطلب له الرحمة.
لم يمت غريباً، وإن كان قد دفن في بلاد الغربة، فروحه ترفرف في كل مكان.
ومع كل ذلك، يوم العيد كنت أنظر بألم إلى أمه التي وقفت عند مدافن العائلة، لم تجد قبراً تركع عنده لتبكيه بقربه، وضعت صورته على قبر أبيه وهي تقول: "يا ابني، يا غريب!"
ماجدة ريا

Monday, October 16, 2006

محمد والعصافير الصغيرة

تصحو أم محمد كل صباح على زقزقة تشعر معها أنها داخل مزرعة للعصافير لكثرتها، تذكر تماماً اليوم الأول الذي استوطنت فيه تلك المجموعة الكبيرة من العصافير الصغيرة الحجم في الشجرة الضخمة التي تنتصب بالقرب من منزلها. في ذلك الصباح الباكر، عندما هبّت من فراشها إثر سماعها تلك الزقزقة التي، وإن بدت كسمفونية جميلة، تعلو وتحتدّ من وقت لآخر، خرجت إلى الشرفة تتلفّت إلى مصدر الصوت، ورأت ذلك المنظر... العصافير الصغيرة تتطاير في كل اتجاه، تدور، تطير، تعود... كانت تحاول أن تستجمع ذلك المشهد في صورة تحفظها لتنشط بها ذاكرتها من وقت لآخر.
رأت محمد ابن التسع سنوات وقد صحا ، وهرع ليقف إلى جانبها، يراقب معها ذلك المشهد، ويسمعها وهي تتمتم "سبحان الله الخلاّق العظيم!"
" سبحان الله يا أمي ما أجملها... أصواتها قوية جداً؟ لعلّها تسبّح الله مثلنا؟!"
" كل شيء يسبّح الله يا بني!"
وبعد ذلك، دأبت كل صباح على الاستمتاع بهذا المشهد إلى أن كان ذات يوم، وعت على صمت رهيب، شعرت أنها تفتقد شيئاً ما، أصغت بأذنيها علّها تسمع ما تسمع كل صباح... إنه الهدوء التام! لم تدرِ ما الذي أخافها في ذلك الهدوء، خرجت إلى الشرفة، ركّزت في الشجرة وانتظرت أن ترى أي عصفور يطير هنا أو يحط هناك!.. دون جدوى..
وتساءلت في سرها، أين ذهبت كل تلك العصافير؟ ولمَ أشعر بكل هذا الإنقباض لفقدانها؟
حتى محمد الذي بدا حائراً وهو يقف إلى جانبها، سألها وقد ترقرقت عيناه بلمعة الدموع "أين ذهبت العصافير يا أمي؟"
" لا أعرف يا بني! لكن ربما تعود"
مرّ ذلك النهار متثاقلاً، ولم تستطع أم محمد أن تتخلص من شعورها بالانقباض الذي سيطر عليها منذ الصباح، أما محمد فقد خرج ليلهو مع أقرانه أمام المنزل، وكان الوقت عصراً.
وفجأة، علا ضجيج في الحي، فاقترب محمد ورفيقاه من مصدر الصوت، حيث توقّفت آلية تابعة لقوى الأمن جاء عناصرها لهدم بعض مخالفات البناء، وقف محمد مذهولاً وهو يرى أن الشجار يتطور بين جيرانه، ورجال قوى الأمن، ولم ينتبه للهرب، بل كان ينظر إلى ما يجري حوله بغرابة ودهشة، وسرعان ما بدأ الرصاص يتطاير في الهواء ويختار بعض منه أن يرسو في جسده البريء، واحدة في الأذن وأخرى في الظهر...
نقل إلى مستشفى قريب على وجه السرعة، لكن عمره لم يمهله سوى دقائق قليلة، استذكر فيها عصافيره الجميلة، وشعر بروحه تتحوّل إلى عصفور صغير تلحق بها... لكنه عصفور حر طليق في جنّات واسعة.
وأدركت أم محمد عندها أن كل ذلك الإنقباض الذي شعرت به ما هو سوى مقدّمة بسيطة لما هي مقدمة عليه، وأن ذلك الفراغ والافتقاد لتلك العصافير هو افتقاد يسير أمام افتقادها لمحمد، فلا الألم يكفيها، ولا الدموع ولا أي شيء يمكن أن يطفىء تلك الجمرة التي سقطت في القلب، سوى ذكر الله وصبر منه يتحنن بهم عليها، لكن هذه الجمرة باقية في الأعماق كلما خطر في بالها طيف محمد.
وأدركت أن تلك العصافير لن تعود ، كما محمد.
ماجدة ريا

من يحمي الطفولة

الضحية الأولى للحروب: من يحمي الطفولة؟

تَذكُر الطفولة، فتَذكُر معها الرقّة والمحبة والبراءة وغيرها من المشاعر الإنسانية النبيلة التي تغذّي روح الإنسان. الطفل، هذا المخلوق الضعيف، يحتاجنا في كل شيء، لذا ما أن يولد حتى تتلقّفه رعاية أبويه أولاً، ومن ثم مجتمعه ووطنه. نعم إنه يحتاج إلى الرعاية فهو لا يستطيع أن يتدبّر أموره، فأي نوع من الرعاية هذه التي يحتاجها الأطفال؟ وهل نال الأطفال حقوقهم؟
تبرز هنا اتفاقية حقوق الطفل الدولية التي تعتبر من الأمور المهمة في مجال إنجازات حقوق الإنسان والتي وضعت في 20 نوفمبر/ت2 1989 ودخلت حيّز التنفيذ عام 1990 بمصادقة الكثير من دول العالم، ومن بينهم لبنان الذي وقع على هذه الإتفاقية عام 1991.
تضم هذه الإتفاقية 41 مادة ـ إضافة إلى مواد أخرى تتحدّث عن كيفية تطبيق هذه الإتفاقية ـ وقد سعت إلى حفظ حقوق الطفل، بدءاً من حقه في الحياة وضرورة المحافظة على حياته، وضمان كافة حقوقه التي يحتاجها للإستمرار في حياة كريمة، فتوجب تأمين الرعاية بشتى أنواعها الجسدية، الروحية والفكرية والإجتماعية والقانونية... وحمايته من أي تعسّف يمكن أن يقع عليه، كما أعطته الحق في التعبير عن نفسه، واحترامه ومنع تعرّضه للأذى.
ومن أجل متابعة تنفيذ هذه الإتفاقية، ألزمت الحكومات التي صادقت عليها بتقديم تقارير عن تنفيذها لها مرة كل خمس سنوات، وتنظر في هذه التقارير لجنة حقوق الطفل، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين أوضاع الأطفال المنتمين إلى هذه الدول مع تنفيذ بنود الإتفاقية.
وعملاً بمتابعة تنفيذ هذه الإتفاقية شُكِّل في لبنان المجلس الأعلى للطفولة عام 1994 من مُمثّلين عن القطاعين الحكومي والأهلي للسهر على آلية التطبيق.
وقد أعلن لبنان في التقرير المقدّم للجنة حقوق الطفل أنه حقق الأهداف الموضوعة في القمم العالمية للعام 2000 ، لكن لا تزال هناك ثغرات في بعض الميادين ولا سيما غير القطاعية منها، ولكن بشكل عام حقّق تقدّم فعلي في ميادين أساسية مقارنة بالدول ذات الأوضاع المشابهة، واعتبر التعاون بين القطاعين الحكومي والأهلي من العلامات المميّزة.
ويمكن القول أنه تمّ تسجيل تقدّم ملحوظ بإعطاء أولوية للإهتمام بقضايا الطفولة في القطاعين العام والأهلي وتوفير البيانات الإحصائية من أجل وضع خطة استراتيجية وطنية شاملة للطفولة.
وهنا لا بد من التوقّف طويلاً أمام الحروب التي شنّتها "إسرائيل" على لبنان خاصة القوية منها كالذي حدث عام 1975، 1982،1993، 1996، والحرب الأخيرة في شهر تموز/ يوليو الماضي والتي تعتبر من أعنف وأشرس الحروب التي خيضت ضد لبنان من قبل العدو الإسرائيلي.
هذا العدو لا يحترم عهوداً ولا مواثيق، ولا يكترث لحق الطفولة في الحياة، وعن أي حقوق يمكن الحديث بعد أن ينتزع حق الحياة من الطفل؟! وماذا تنفع اتفاقية الطفولة عندها؟!
هذا العدو تعمّد قتل الأطفال وأمهاتهم دون رحمة، ودون أن يستوقفه مثل هذا الإنتهاك الصارخ لحقوق الطفولة، ولحقوق الإنسان، والشواهد على ذلك كثيرة ومثبتة، حتى في مجزرة قانا عام 1996 التي ذهب ضحيتها العشرات جلّهم من الأطفال والنساء، كان العدو يعلم بوجود هؤلاء في المكان الذي تعرض للقصف، وفي حربه الأخيرة كان استهداف المدنيين ـ وخاصة الأطفال ـ ثابتة واضحة في سياسته الإجرامية، فأين هو حق الطفل؟ ومن الذي يحمي الطفولة من مثل هذه الإنتهاكات الفاضحة؟!
وأنتقل هنا إلى نقطة لا تقل أهمية عن قتل الأطفال أثناء الحرب، وهي مسألة الألغام والقنابل العنقودية ( المحرمة دولياً أيضاً) التي نشرها العدو في أرض جنوب لبنان، والتي كانت ـ قبل الحرب الأخيرة وازدادت بشكل خطير بعدها ـ تحصد أرواح الكثيرين من الأبرياء، جلّهم من الأطفال، ومن لا يستشهد منهم بفعل هذه الألغام والقنابل فإنه يتعرض للإصابة بالإعاقة.
وإذا كان التقرير الذي قُدّم للجنة حقوق الطفل قد أشار قبل حرب تموز/ يوليو إلى أن لبنان لم يجتز بالكامل تأثيرات الحرب السلبية على مستوى المعيشة، وعلى توازن الموازنة العامة وأولويات إعادة الإعمار وهذا كله من شأنه أن يترك بالغ الأثر على أوضاع الأطفال بشكل كبير من حيث مستوى الموارد المتاحة، بأولويات تخصيصها وتناسبها مع حجم الإحتياجات، فكيف هو الوضع بعد هذا العدوان السافر والذي تركز من أيامه الأولى وحتى النهاية على استهداف المدنيين والأطفال وبيوتهم ؟ ماذا نقول عن طفل يبحث في ركام منزله عن صورة له، أو عن لعبة، أو عن كتاب؟ أو ذكرى حميمة؟!!
إذا كانت الأمم المتحدة ـ المفوضية السامية لحقوق الإنسان وصندوق الأمم المتحدة للطفولة ( اليونيسيف) ومنظمة الصحة العالمية ـ تسعى لوضع دراسة تطلب فيها من الحكومات وضع استراتيجيات ترمي إلى الوقاية من جميع اشكال العنف ضد الأطفال، ومكافحتها بصورة فعّالة، وإبراز الخطوات الواجب اتخاذها على المستوى الدولي من أجل توفير الوقاية والحماية والتدخّل والتأهيل وإعادة الإدماج، فهل سيكون هناك ما يحمي الطفولة من العنف الذي يقع عليها جرّاء الحروب؟ وهل تستطيع هذه الدول أن تفرض في المستقبل على دول لا تحترم المعايير الإنسانية كـ "إسرائيل" ما يحمي الطفولة ـ اللبنانية والفلسطينية أيضاً ـ من الأذى؟
وهل تستطيع هذه الدول أن تمنع "إسرائيل" من استعمال الألغام الأرضية والقنابل العنقودية والتي هي محرّمة دولياً أصلاً والتي غالباً ما يكون ضحيّتها الأطفال؟
أم أن حقوق الطفل ستبقى مهدورة، بالرغم من وجود كل تلك الإتفاقيات الدولية، وبالرغم من بلوغ العالم هذه الدرجة من التحضر، فلا يحول ذلك دون أن نرى المجازر والإنتهاكات ترتكب بحق الأطفال في أكثر من مكان، وليس في لبنان وحسب؟
من يحمي الطفولة؟

ماجدة ريا ـ لبنان
هذا المقال نشر في مجلة "المسار" التي تصدر عن جامعة السلطان قابوس ـ عمان
العدد (88) 20 سبتمبر 2006

Thursday, October 12, 2006

الألم المؤذي

لكم أحببت هذا الوطن... إنه لبنان
وأحببته أكثر وأكثر لأنه مساحة صغيرة، جمعت الكثير من الأديان والإتجاهات، ومكّنت لنا أن نتعرّف على كل ذلك، ونتعايش معهم في حب وأخلاق.
القلوب المفتوحة تبقى مفتوحة للجميع وإلى الأبد.
إذا كنا نحب أخوتنا في الإنسانية، في أي مكان كانوا، وإلى أي بلد انتموا، فلنتلاقَ معهم على أننا بشر، نحترم انتماءاتهم ووجودهم، وليكن الحوار معهم على أساس القاعدة القرآنية: "وجادلهم بالتي هي أحسن".
ويصبح لدينا قاعدة مشتركة، فنتحابب كأخوة في الدين، كمسلمين في كل مكان، تجمعنا رسالة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام، فإذا كان علينا أن نراعي الناس لإنسانيتهم، فكيف عندما يصبحون إخواناً لنا في الدين الحنيف؟
وتزداد قاعدة الإشتراك اتساعاً، عندما نشترك في الدين، وفي التارخ واللغة فنسمّى عرباً، ليكون هذا حافزاً أكبر لنجتمع عنده، ونتّحد، ونتحابب في الإنسانية أولاً، وفي الدين، وفي الأمة..
ونحصر أنفسنا أخيراً في وطن صغير، له علينا حقوق الوطن، ولنا منه رعاية المواطن، ولا بدّ هنا أن تكون مساحة الحب والأخوة قد ازدادت اتساعاً، والمصالح المشتركة التي تجمع أبناء الوطن الواحد...
ولكن... الويل، ثم الويل لنا عندما نحصر أنفسنا في دواخلنا وذاتيتنا الضيقة، والمصالح الشخصية الأضيق، فلا نرى كل تلك الأشياء الجميلة التي تجمعنا بالآخر.
الويل ، ثم الويل لنا عندما تنقسم المصالح المشتركة لتتحوّل إلى انقسام فظيع، أقل ما يمكن أن نقول فيه هو انقسام بين شرق وغرب!
نعم... شرق وغرب في وطن صغير، فكم سيحتمل؟!

أحببت وطني بكل أطيافه... ولكن...
أوجعني الألم الأخير إلى حد الأذى، نعم إنه الألم المؤذي.
أيام الحرب، كنت أرى صور الأطفال وهي تنتشل من بين الركام، ولكم أن تتخيلوا منظر طفل مزقه حقد طائرة حربية، الأمر مؤلم، لكنه الألم المتوقّع، الألم الذي جهّزت نفسك له وأعددت له كل العدة من صبر وإيمان...
أما الألم المؤذي، إنه ظلم ذوي القربى، وظلم ذوي القربى أشد مضاضة، لأنه يحوي في داخله آلاماً وآلاما...
ان أرى الأطفال يقتلون برصاص رجال هم من عليهم أن يوفّروا لهم الأمن؟!!
فأتألّم لحال الطفل، وأتألّم لحال البلد، وأتألم للمستقبل... وأقف حائرة بدمع ساجم، أمام واقع مرّ لا أدري كيف سنتجاوزه!
وتزداد حيرتي من هؤلاء الذين يصرّون على فهم الواقع كما يشاؤون، ويصورون الأمور بدم بارد، بينما الناس لا تزال تعيش غليان آثار الحرب المدمرة التي شنها العدو الإسرائيلي على لبنان، ولا تزال الناس في حالة من الذهول والوقوف على ما جرى، والبحث عن مستقبل جديد بعد نصر كلّف الكثير من التضحيات ...
والآخرون لا يريدون أن يروا إلا ذواتهم، ومصالهم الضيقة ومكاسبهم الآتية على صهوة تهديد وطن بأكمله.
فإلى أين المصير؟
ماجدة ريا

وفي السجود شفاء

هي الصلاة، تنادينا، ليلاً نهاراً، لنغسل أرواحنا من صخب الحياة، ونتقرّب أكثر وأكثر من خالقنا.
ربما هذا ما يحدث على مدار العام، ونشعر به أكثر عند اشتداد المصاعب علينا، سيما وأن الله سبحانه وتعالى نبّهنا لذلك بقوله تعالى "واستعينوا بالصبر والصلاة إنها لكبيرة إلا على الخاشعين"
من الضرورة أن نذكر الله سبحانه وتعالى في الفرح والرخاء، كما في الشدة والعناء، فنشكره في كل حال على نعمه علينا التي لا تعد ولا تحصى.
ولعل الرغبة في الصلاة تزداد في هذا الشهر الكريم، شهر رمضان المبارك، كما الرغبة في الدعاء، وأداء كل العبادات التي تقربنا من الله سبحانه وتعالى، ولعلنا نستريح أكثر وأكثر عندما نطيل السجود لرب العالمين.
وهنا استوقفتني إحدى الدراسات المصرية الحديثة التي أجريت في مركز تكنولوجيا الإشعاع القومي والتي تشير إلى أن السجود يخلّص الإنسان من الآلام الجسدية والتوتّر النفسي وغيرها من الأمراض العصبية والعضوية.
وقد اكتشف أخصّائيو العلوم البيولوجية وتشعيع الأغذية في المركز برئاسة الدكتور محمد ضياء حامد هذا الأمر معللين ذلك بأن السجود لله يساعد الجسم في تفريغ الشحنات الزائدة من الإشعاع التي يتعرّض لها الإنسان من أوساط ومجالات كهرمغناطيسية والتي تؤثر سلباً على خلاياه وترهقها وتسبب لها تشويشاً أو حتى في بعض الأحيان تعطيلاً في عملها، فيأتي السجود ليخلّصها من كل ذلك بمجرّد اتصال الجبهة والأعضاء الأخرى التي تشارك في عملية السجود (الكفان، الركبتان، القدمان) بالأرض حيث يأخذ الجسم بتفريغ كل الشحنات السالبة منه.
والملاحظة الأخرى التي أشارت إليها الدراسة هي أنه لا بد من التوجّه أثناء السجود نحو مكة المكرمة وقد أرجعوا ذلك إلى أن مكة المكرمة هي مركز اليابسة في العالم، وتقع في منتصف الكرة الأرضية، والإتجاه إلى مركز الأرض هو أفضل الأوضاع لتفريغ الشحنات، وهذا يعني أن الإنسان يجب أن يتّخذ وضعية الصلاة بالإتجاه نحو القبلة، وهي الصلاة التي يؤديها المسلمون.
فإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أوصانا باللجوء إلى الصلاة وقت الشدائد وهو العليم بخلقه وبكل شيء، وكنا نفعل ذلك لنستشعر الراحة والأمان بارتباطنا به، فها هو العلم يثبت لها الجانب العلمي والصحي الذي يؤثر أيضاً بأجسامنا، فسبحان الله الذي هدانا إلى كل ذلك وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا.
والعلم يثبت يوماً بعد يوم الأهمية، ليست فقط الروحانية، وإنما العلمية لقرآننا الكريم الذي كان الأساس والمنطلق لكل العلوم.
اللهم أعنّا لنكون من الساجدين، الذاكرين، الخاشعين لك يا أرحم الراحمين، وأعنّا على تلاوة كتابك، والتفكّر الدائم بمضامينه ومعانيه، وتقبّل من الجميع ومنا أعمالنا بأحسن القبول، إنك الغفور الرحيم.
ماجدة ريا

Saturday, October 07, 2006

قسم

أقسم... ومن هو المقسم
بالدماء الزاكية، بأنّات الثكالى
وعذابات كل من يتألّم
بالجراحات المحفورة على باب الشوق
بحق أسير يهتضم
بأحرف النور التي تضيء دربنا
وحبل الله الذي به نعتصم
وإسلامنا راية عز نرفعها
تشهد بذلك الأمم
يقسم بالصدق وهو الصادق
هكذا الكل عنه يتكلّم
ما همّ أن ينفي الآخر حقيقة
أدركها من نحن معه نختصم
فتظهر للعالم جلية
موجعة، تقهر وتُؤلم
عدواً طالما تبختر وتجبّر
بعرش قوة يتحطّم
على يد أبطال أشاوس
قدوة لكل مسلم هم
******
هي مقاومةٌ
لا تتوقّف وفي الوجود عدو مجرم
إن نسب لنفسه مجد حرب
يبقى لنا الإنتصار مبرم
سلوا التلال في جنوب لبنان
سلوا الحدود إن هي تتكلّم
سلوا الرعب القاطن قلوب جنودهم
يتحدّث عن جبنهم ويترجم
وجنود يقعون في الأسر
وكلمات على شفاههم تتلعثم
سلوا عدواً مربكاً
تارة يتهدّد وأخرى ينهزم
فلا التهديد يجدي نفعاً
ويبقى في انهزامه منصدم
يجرجر أذيال خيبته
يعلّق الآمال ويتوهّم
حتى إذا ما قضي الأمر
تحدث التراب بعزّنا
ونصرنا يترنّم.
******
أقم الصلاة في الأقصى وتهجّد
في جوف الليل
وعند أطراف الصباح لله، تعبّد
ها هو صوت الباري يتناهى
هتافاً في قلب كل مؤمن، إن الدين مهدّد
هبّوا إلى الجهاد براكين تقذف الحمم
في وجه العدو العابث حتى يترمّد
وكلما استكانت نيران عزيمتها
أحيوا الصرخة فيها كيما تتجدّد
أخي في الجهاد
لا تخشَ بطش عدو... لا تتردّد
إحمل بعزيمة الإفتخار سلاحك
حجراً
سكيناً في صدر عدوّك يغمد
إنه واه كبيت العنكبوت
مهما أرغى وأزبد
مهما صال وجال
ومهما تهدّد وتوعّد
إضربه في العمق ولا تخف
فإن ربيع الشهادة
هو درب كل أمجد.
******
أيا شهيداً حلّق عالياً
قل للعالم انتفض
إن مضيت تبقى حاضراً
رمزاً لكل مضطهد
دمك يترجم حكاياته
كيف نتغلّب على المستبد
يؤجج المشاعر، يحرك القلوب
يقول لكل أبي استعد
لا تقف مكتوف الأيدي
وتترك الظالم يطغى ويستبد
كن عوناً للحق
إذا ما ناداك كن قربه ولا تبتعد
لنقتل الطاغي بطغيانه
ونحصد الحرية والمجد.
ماجدة ر
يا

Thursday, September 28, 2006

معتقل الخيام



معتقل الخيام
يا حاملاً غربة الأيام
جدرانك لطالما شكت
لعنة الظالمين والظلام
غرفك لطالما بكت
في صمت واعتصام
حُرّر منك الأسرى
لكنك آثرت الكلام
وأن تروي الأحداث والمجرى
لما ارتكب فيك من آثام
فتبكي، وتُبكي
ويبقى اسمك معتقل الخيام
وها هو اليوم العدو يُعاوِد
من شكواك الإنتقام
فلا يبقي منك جداراً ولا حجر
ولا ذكرى أو حتى خبر
ومع ذلك صوتك لم يخمد
بل ارتفع مجللاً من تحت الركام
كنت وسأبقى معتقل الخيام
لن أُنسى وإن دمّروني
ولن تكفَ عن ذرف الدموع عيوني
وسأروي للأجيال القادمة شجوني
هنا عذبوا، وهنا قتلوا
ومن هنا خرج الرجال العِظام
هذه هي قصّتي يا أيها الكرام.
ماجدة ريا
16/9/2006

مشاهدات من الأرض المحررة


جلست شذا في الحديقة المتواضعة أمام منزلها القروي المؤلّف من طابق واحد ،تستنشق هواءً نقياً مشبعاً بأشعّة شمس أيار الساطعة ، ومثقلاً بأحلام الأيام القادمة ، عبق الإنتصار ينشر عبيره في كل مكان ، يبهج النفس ويهزّ الأشجان ، فيعتمل في ذاتها مزيج من المشاعر، ولا زالت ترمي بأطراف بصرها باتجاه الحقل الواسع الممتد أمامها بما فيه من عرائش بدأت تتفتّح براعمها، وأزهار برّية صغيرة افترشت الأرض هنا وهناك، وشجيرات السرو التي بدأ اخضرارها يتوهّج بعد انصرام فصل الشتاء، تاركاً لها مخزوناً كافياً من المياه التي تنعشها وتعيد إليها اخضرار الحياة، وما يلبث بصرها أن يرتفع ليحدّق بزرقة السماء وقد توشّحت ببعض الغُييمات البيضاء التي تمدّ خطوطها طويلة شمالاً وجنوباً، وكأنّي بها تريد أن تربط لبنان كلّه من أوله حتى آخره برباط الوحدة المقدّس ، وتقصّر المسافات بين مناطقه..
"ما أروع هذه الأيام .."
رفعت نظرها بالرجل الواقف خلفها الذي خرج ليشاركها روعة المنظر والمشاعر ، وهي تبتسم باطمئنان:
"نعم ، بعد حبس الشتاء الطويل هي رائعة"
"وبعد زوال الأحتلال هي أروع!"
أحضر حسن كرسياً وجلس قبالتها وقد ارتسم على وجهه صوراً من الكلام الذي يختزنه فبادرته شذا بالسؤال:
"عيناك تحدثان عن مشروع ما ؟"
"صدقت."
"خير إن شاء الله"
"هو خير ، لقد اتصل بي صديقي محمد يدعونا لقضاء ليلة في منزله في الجنوب ، على أن نذهب في اليوم التالي إلى المناطق التي كانت تحت الإحتلال وزيارة بوابة فاطمة والمعتقل..."
لم يكد ينهي كلامه حتى ظهرت إمارات الفرح والسرور على وجهها، ووقفت وهي تفتح ذراعيها وكأنّها تريد أن تحتضن هذا الخبر :
" يا الله! كم أتوق للذهاب إلى تلك المناطق."
"وها نحن سنذهب إن شاء الله السبت ظهراً وسنبقى حتى الأحد مساء".
كانت فرصة لهما للتعرف عن قرب على تلك المناطق الجميلة ، حسن كان يقود سيارته ومعه عائلته، ومحمد مع عائلته في سيارة أخرى، تسير في الأمام لأنه من أهل المنطقة ولديه خبرة بحكم عمله الصحفي، بأسماء المواقع وأماكنها، والأماكن التي نفذت فيها بعض العمليات الكبيرة والنوعية .
وكانوا في كل مكان من هذه الأمكنة يتوقّفون قليلاً ليحدثهم محمد وحسن: "هنا فجر المجاهدون قافلة للعدو، وهنا فجروا سيارة، وهذا الموقع يسمى كذا" وهكذا حتى امتلأ رأس شذا بالكثير من المعلومات التي كانت تثير فضولها وحشريتها في السابق.
وكان لسان حالها يقول: "الحمد لله الذي أعانهم وأهدانا هذا النصر الكريم بفضلهم وفضل إيمانهم وثباتهم وتضحياتهم".
وصلوا إلى معتقل الخيام الذي كان يعجّ بالزائرين، واستوقفهم المكان ..
صيحات الألم التي كان يطلقها فيه المعذّبون من قبل العملاء والإسرائيليين لا زالت تملأ المكان، لا تبرحه، فتحسّ وأنت تدخل تلك الممرّات الضيقة بأوجاع العالم تسري في عروقك، أما الغرف الصغيرة، الضيقة، المعتمة التي ما كانت ترى النور، كانت تنبض بألم، وتهمس في آذان القادمين "إنها مرحلة لا تنسى، يجب أن تحفر في الذاكرة والوجدان، وفي قلب كل إنسان، إنها دفعة ثمينة من ثمن التحرير الغالي".
كل ما في المعتقل يتحدّث، إنها البصمات التي تركت على تلك الآثار ولن تمحى، إنها ثقل الأغلال التي قضّت مضاجع الكثير من الشرفاء الأبطال الذين حملوا همّ القضية والأم، وجيء بهم إلى هذا المكان، ليقضوا أوقاتهم في غصة وحرقة، وعذاب وخنقة، يشجيهم ألم الوحشة، الفراق، التعذيب، لكنهم ما فقدوا الأمل أبداً بمن سار على خطاهم حتى أهداهم الحرية لهم وللوطن ، ليخرجوهم من زنزاناتهم، مرفوعي الرأس، معزّزين مكرّمين.
إنها القصة المثيرة التي سيرويها الكبار للصغار، والأجداد للأحفاد، قصة التضحية والوفاء والإيثار، والطريق التي تكسر الأغلال والأصفاد.
كانت الدموع تغرورق في عيني حسن وتسيل على خدي شذا ..
والجميع في ذهول ينظرون الماضي، ويتفاءلون في المستقبل طالما أن هنالك أبطالاً شجعاناً في هذا الوطن.
وسار يهم الركب من جديد، على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، وحط بهم الرحال عصراً في استراحة أقيمت عند نبع الوزاني ليتناولوا الغداء هناك.
كان المشهد رائعاً عند تلك المياه الصافية العذبة المحاطة بالأشجار المعمّرة على ضفّتي النهر، والتي ترى فيها، بهاء لبنان، جماله، عزّته وإباءه وعزيمة البقاء حراً.

Monday, August 28, 2006

نظرة طفل

الثاني عشر من تموز ليلاً، الصواريخ تتساقط على أرض مطار بيروت الدولي منطلقة من الطائرات الحربية ومن البوارج البحرية الإسرائيلية، في إشارة لبدء العدوان على لبنان، فتلهب آذاننا بدويّها الصاعق، ونشعر أن البناء يرتج بنا رغم وجودنا في الملجأ، فأخذت بقراءة بعض الآيات القرآنية والأدعية لإدخال الطمأنينة إلى نفوسنا ونفوس الأطفال من حولنا.
بعد ليلة حامية ألهبت فيها أرض المطار بهذه الإنتهاكات العدائية، هدأ القصف صباحأ، صعدت إلى شقتي، تسمّرت أمام التلفاز أتابع الأحداث وأولادي من حولي.جلس إبني وعمره تسع سنوات بالقرب مني، وأخذ يمارس هوايته المفضلة، وهي صناعة أشكال من المعجون المخصص للإطفال، أشكال من الطائرات والدبابات والجنود... وأشياء كثيرة غيرها.
وبينما أنا منشغلة بمتابعة الأحداث، شدّني صوته وهو يقول لي "ماما أنظري ماذا صنعت"
التفت نحوه وأخذ يشرح لي فرحاً ما رأيته واضحاً "رجل من رجال المقاومة يقف وقفة مارد، وأمامه يسجد رجل آخر رسم على ظهره علم إسرائيل وقد جاء رأسه عند أقدام المقاوم"
حضنته، وربّتّ على كتفه وانفلتت من فمي ضحكة فرح غامر وأنا أقول في نفسي "هذه هي روح أطفالنا، وهذه هي معنوياتهم بعد ليل من الأصوات المرعبة، فهل يمكن لإسرائيل أن تهزم هذه الروح؟!"
بعد ذلك قلت له: "ان شاء الله هذا ما سيحدث يا بني"
طوال فترة الحرب، وهذا المشهد يراود مخيلتي وابتسم له، إلى أن ضحكت ملياً عند الكثير من المشاهد الأكثر إذلالاً لجنود العدو والتي شعر بها طفلي منذ بداية العدوان وأصبحت حقيقة مؤكدة مع توالي هزائم هؤلاء الجنود عند كل مواجهة.
وضحكت أكثر عند إعلان الإنتصار.
ماجدة ريا
24/آب/2006

Tuesday, August 22, 2006

عندما يبكي القمر


ليل الحرب رعب...
عندما يهدأ كل شيء ويستكين، ليزمجر صوت الطائرات وانفجارات صواريخها، يصبح الصوت أكثر إرعاباً.
القمر يتوسّط السماء، يصغي لما يجري، يسمع بعض الوشوشات، يصغي أكثر ليعرف ما الذي يدور تحت سقف ذلك البناء، وما الذي يحضنه، فقد تهادى إليه من داخله همهمات محببة، تذكّره بدفء ليالي الأحبة التي يحن إليها.
يسترق السمع أكثر وأكثر من بين أزيز الرصاص، وهدير المدافع، وصدى الصواريخ... فيتناهى إلى سمعه حنين أمهات يناغين أطفالهن، عسى أن يسكنوا، وقد أرعبتهم تلك الأصوات... وبعض العجائز يتقوقعن في الزوايا، يتساءلن هل من نجاة!...
ذلك البناء في قانا، كان يحضنهم، يحاول أن يدرأ عنهم ما يخافون... أن يهدّئ من روعهم... لكنّ الأصوات وأصداءها كانت أقوى منه، تبث الرعب في المكان.
ويهتزّ القمر في مكانه، وتتأرجح نظراته بين أمهات خائفات على أولادهن، وأطفال يختبئودن في أحضانهن، وعجائز لا يعرفن ماذا يفعلن..
لحظات سكون نزلت، آلة الرعب تنحسر لسبب ما لم يعرفه أحد، لم يكن الجمع المحتشد في ذلك المكان يعرف ماذا ينتظره، فاستغل الأطفال اللحظات الهادئة كي يتركوا لجفونهم فرصة الانطباق بعدما حرمتها أصوات القذائف من ذلك على مدى ساعات.
وفجأة.. انكسر جدار الرعب، وتجسّد دماراً مزلزلاً على رؤوسهم، فتشظّت الأجساد، وتهاوى الأطفال، وسالت الدماء...
وتململ القمر في السماء، يتساءل عن حقيقة ما جرى!
هل ما زلت أنير أرض البشر؟ أم أنني نُقلت على حين غفلة إلى بلاد طغى فيها الشر وعربد، حتى عرّش بعربدته على جثث الأطفال وتفرعن حتى قتل ودمّر...
أما زلت أنا القمر!...
ويسمع ضجة ملائكة السماء... بأي ذنب يقتل هؤلاء الأبرياء؟
أفقط لأنهم جاوروا أهل التلمود؟!!!...
أو لأنهم أرادوا أن يعيشوا على أرضهم بسلام!...
وينوء الليل بحمله الثقيل، ويتشقق فجر يوم جديد، محاصر بالنار والحديد، وترتفع الشمس بخجل في السماء، ترسل أشعتها لتحتضن هؤلاء، تدثّرهم بها، وتحوّلهم إلى نور...
نور يضيء العالم ويسطّر فيه العِبَر...
نور يرسم طريق الحرية مزدانة بالعزّة والكرامة.
ولا زال القمر في عليائه، يبحث عن الدفء والحنين، أين يجدهما؟ لقد توزّعا في عيون الأمهات والأطفال والعجائز... لكنه بات يخاف أن يراقب أو يسمع، بعد أن تتالت المجازر، وتوالت الآهات والأنّات فبات لا يطيق ما يرى...
في ليلته الخامسة عشرة، ظهر بكامل وجهه، لكنه وعلى غير عادته، اختفى بياضه الناصع، وامتقع لونه، حتى غدا وردياً بلون الدماء نورُه وهالته التي تلفّه...
فهل كان يبكي دماً لأولئك الأبرياء؟ ومناظر الأطفال تتوالى عليه تترى من تحت الركام؟!
ربما!!!!!
لكن، لم تطل فترة الحداد..
سرعان ما استعاد القمر لونه، وتلألأ ببياض الإنتصار، وهو يرصد ضحكات المقاومين عند الثغور وهم يهزؤون من جنود الأعداء، وينتقمون لدماء الأبرياء...
وعاد لينير دروب الأباة، ويروي للتاريخ ما يرى.

ماجدة ريا
21/8/2006

Monday, August 21, 2006

راية النصر


ها أنا ذا أخوتي وأخواتي أعود إليكم، وفي فمي البشرى، ومن روحي زغردات الإنتصار.
وها هو شعب المقاومة في لبنان، يخرج من تحت الركام، ينفض عنه غبار حرب شعواء، يخرج مارداً أقوى وأصلب مما كان، مارداً يملأ صدى خطواته كل الدنيا!
وها أنا أخرج مع شعبي حاملة الراية الصفراء...
هذه الراية التي أرّق وجودها العدو، فجاء بكلّ عديده وعتاده، بكل تعنته وتجبره، بكل عنفه وقسوته، جاء إلى لبنان ليزيلها من الوجود، لكنّها أبت إلاّ أن ترتفع حتى من تحت الركام، من تحت الأبنية المدمّرة، ولم يستطع حقد طائرات العدو أن يمزّقها، رغم أنه كان يغير على ذات المكان مرّات ومرّات... وفي كل مرة يعود لينظر إليها بجنون فيراها لا زالت عالية، عالية، فترعبه ليعود ويغير على المكان ذاته من جديد..
وها هي الراية الصفراء تلوّن أهداب الكون، وتنشر عبق أريجها في أرجائه.
نعم، لقد ارتفعت لترفرف في كل مكان من هذا العالم ولتصبح رمزاً للمجد والعنفوان، رمزاً للمقاومة.
ها أنا أعود وكلّي فخر وعزّ بأنني فرد من أبناء هذه المقاومة الرافضة للذل والخنوع والإستسلام...
ها أنا أعود وكلّي نصر ، ليس كأي نصر!
رغم كلّ آلام الجراح... خاصة من أولئك الذين كان لهم النصيب الأكبر من العطاء...
الشهداء في المواجهة، الشهداء الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء ... إنما أجرهم على الله، ومثواهم جنان الخلد.
والجرحى الذين ما زالوا يعانون، ومنهم من سيحمل معاناته مدى الحياة، كذلك أجرهم على الله ولهم جزيل الثواب، هؤلاء يدركون أن من هذه التضحية قطفنا ثمرة النصر العزيز، ومن هذا الشعور يتحوّل الألم إلى الألم الأجمل والأبهى... سيكون ألماً جميلاً ولا شك مهما اشتدّ وعظم...
ولئن دمعت العيون، وبكت القلوب، لكننا في نشوة عز وفخر وقوة في البقاء، فبكل هذه التضحيات انتصرنا، فانتصر الدم على السيف، وانتصر الصمود على البربرية الهمجية للعدو الغاشم، وأجمل ما في هذا الإنتصار، هو ترسيخ هزيمة الجيش الذي لا يقهر، فذُل وقُهر وتهشّمت صورته، وتهاوى جبروته، وأثبت أنه ليس سوى نمر من ورق... وبرزت أسطورة الأساطير، سطّرها رجال المقاومة بدمائهم الزكية، وشعبهم بصموده الأبي... فاستحقوا الخلود.
رجال نصروا الله فنصرهم، وأعزّهم فهنيئاً لهم، وهنيئاً لنا بهم، وبانتمائنا إليهم، وهنيئاً لكل الأمة بنصرهم.
ماجدة ريا ـ 21/آب/ 2006

Friday, June 09, 2006

الوقت وسياسيونا

نحن في لبنان ندرك أهمية الوقت جيداً، والسياسيون القدماء الجدد يعلّموننا كيف ندرك هذه الأهمية ساعة بعد ساعة، ولحظة بعد لحظة. ننظر في مفكرة أيامنا، ونحسب التاريخ يوماً بعد يوم وننتظر... ويا لأهمّية الوقت مع الإنتظار!
.بلد بكامله ينتظر، مع ما للإنتظار من دغدغات للأعصاب
وأنا يمكن أن أشهد لأعصاب اللبنانيين بأنها من أقوى الأعصاب التي يمكن أن تتمتع بها الشعوب... لشدّة ما تحمّلت منذ وقوع الزلزال الكبير( المتمثّل باستشهاد الرئيس رفيق الحريري) والذي قوّض الأرواح وترك أجساداً هائمة على مذبح شعار الحرية والسيادة والإستقلال!
يقطّعون الوقت، يحتاجونه، يشعرون بأهميته إلى درجة أنه أصبح هو الروح الذي يعيشون من خلالها، بانتظار أن يستكمل الزلزال فعلته ويدمّر ما تبقى من شيء اسمه "لبنان".
ولا زال لدى اللبنانيين أعصاب تنتظر!
ولا زال التشنّج يولّد التشنج، والألم يتفاقم بألم أعظم منه، وعيون أطفال شاخصة إلى صراع مجهول، وشباب قوتُهم غليان الدم، ورجال ونساء ينظرون نحو السماء "رحمتك يا الله!"
منذ الزلزال والمتحكمّون في البلد، يعيشون على الأمل الزائف، بقلب وجه لبنان وتغيير هويته، ويطالبون الآخرين بالانتظار...
مؤيّدوهم ينتظرون حدوث معجزة، فينقلب البلد رأساً على عقب، وخصومهم ينتظرون انتهاء المهزلة السخيفة، والحلم الزائف..
مؤيّدون يؤججون نار الفتن ويشحنون النفوس بشتى أنواع التفرقة والعنصرية، وخصوم ينظرون إلى حال البلد المتردي فيتحسّرون على هذا الوقت المهدور من حياة بلد حقّق أعظم انتصار في تاريخ العرب المعاصر، وكيف أن البعض يمعن تجريحاً في هذه العزّة وهذه الكرامة... لأنه لا يدرك قيمة لعزة أو لكرامة!
وعلى أمل أن يتحول الوقت إلى صالحهم، يطالبون بالإنتظار.
انتظروا... انتظروا نتيجة التحقيق!... انتظروا تقرير ممثل الأمم المتحدة... تارة في التحقيق، وطوراً في القرارات الجائرة من الراعية لمجلس الأمن "الولايات المتحدة الإمركية"...
انتظروا أيها اللبنانيون... الوقت مهم جداً، فاسمحوا لنا بتقطيعه!...
حتى الآن ... لا أعرف ماذا ينتظر هؤلاء؟ وهل هم حقاً موقنون أنه يمكنهم قلب الأمور رأساً على عقب؟ وبتغيير مسار بوصلة لبنان المثقلة بدماء الشهداء وآلام الجرحى وعذابات الأسرى... والتي يحملها لبنانيون لطالموا ضحوا في سبيل عزة هذا الوطن، ولا زالوا مستعدّين للتضحية؟
فهل هم حقاً قادرون على تغيير المسار؟ أم أنهم يقتطعون فترة من زمان حياة لبنان ويطلونها باللون الأسود الذي يناسب مزاجية بعضهم السوداوية؟
نعم... في بلدي سياسيون.. هكذا يتعاملون مع الوقت!
ماجدة ريا ـ 9/6/2006

Thursday, June 08, 2006

مدينة الوقت

شارع عريض، أشجّار باسقة تظلّله، ينعكس من اخضرارها ألوان بيضاء وزّعت بشكل متباعد ومتواز، جعلها تتدرّج من اللون الأبيض المبهر، إلى بياض رائق يتسلّل منه الضوء ليترك مكاناً للأخضر الغامض الذي يفصلك عن ضوء مبهر جديد...
أسير في ذلك الشارع وروحي تلاحق تلك الأضواء المتناغمة كما لوحة الحياة، عندما لفتني وجود بوّابة كبيرة تدعو المار من جانبها للولوج في داخلها.
"يا لها من بوابة غريبة كما الإسم الذي نحت في لوحة علّقت فوقها لتعرّف عمّا في داخلها".
ردّدت ذلك مع نفسي وأنا أقرأ تلك اللوحة " مدينة الوقت".
وأخذتني التساؤلات على حين غرّة: "مدينة الوقت؟! أي مدينة هذه؟ هل أجد فيها ما أبحث عنه، وما شغل الناس كثيراً؟... لا بد أن أدخل وأتأكّد بنفسي، ماذا يوجد داخل هذه المدينة الغريبة!".
دنوت من البوابة، وقلبي يخفق بوجل لغرابة ما يرى، وسرعان ما لمحت ذلك الحارس الفارع الطول، القوي البنية، المتناسق الملامح. لكنها ملامح جامدة، لا توحي بأي شيء، كما لو أنها ملامح تمثال لا يبشّرك بحزن أو بفرح، حتى عيناه، جامدتان لا تتحرّكان، وأنا في حيرتي من أمر حارس لا يرى ولا يسمع ولا يتحرّك. انتبهت إلى يده المرفوعة، التي تحمل سيفاً طويلاً مقوّساً ينزل ويرتفع دون توقّف وبسرعة هائلة، على عرض تلك البوّابة.
" هكذا إذاً؟! الأمر في غاية الخطورة!"
وردت إلى ذهني مباشرة عبارة "الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك!" تردد صدى هذا المثل في قلبي وعقلي معاً ولكن بوتيرة تتناغم مع حركة سيف مسلّط على الرقبة، ورغبة جامحة في دخول هذه المدينة الغريبة! وأخذني التفكير... والقرار هو أنه لا بد من الدخول، ففي هذه المدينة ما أبحث عنه ولن أضيّع الفرصة!
وجاءني هاتف كما لو أنه صادر عن هذا الجماد الذي لا يتحرّك ليضعني أمام حقيقة لا جدال فيها: "حذار للمرور، الدقيقة لها ثمنها، والثانية أيضاً، بل ربما الجزء من الثانية يكون له كلمة فصل بين حياة أو موت!".
***
"إذن هذا الحارس لا شأن له بأية حسابات، علي أن أحسب حساب الدقيقة والثانية..."
حدّقت بالسيف كي أضمن لنفسي سرعة المرور في اللحظة المناسبة قبل نزوله، راقبته حتى بدأ بالارتفاع إلى أعلى، وما إن وصل إلى أعلى نقطة يصلها، حتى كنت، كسرعة البرق وولوج الريح، من الباب دخلت.
وعندما أصبحت في مأمن من ذلك السيف، أخذت نفساً عميقاً، وسرّحت ناظري في تلك المدينة، قبل أن أشرع في البحث عن طلبي.
صادفت أول ساكن من سكان هذه المدينة، وسألته:
"هنا في مدينة الوقت، ما أهمية الوقت لديك؟"
وقف، أمعن النظر إلى وجهي كأنه يريد أن يتعرّف إلي وقد استغرب سؤالي، ثم ما لبث أن أجاب:
" امنحيني وقتاً لأفكّر." ثم استطرد مبتسماً "هذا هو"
"ماذا؟!"
"أهمية الوقت من أهمية ما نفكّر فيه."
تابعت طريقي، مررت بآخر، كان رجلاً متقدما في السن، ولا زال يعمل بجد، وسألته السؤال ذاته، فكان جوابه:
" الوقت يا ابنتي هو في أهمية ما نقدمه من أعمال".
تابع عمله، فيما أنا تابعت طريقي، التقيت بثالث جالساً في أحد المقاهي يتناول قهوته بهدوء غير عابىء بشيء, فسألته.. وكان الجواب:
" أهمية الوقت في أن أقضيه كما أحب وأرغب!"
تركته ومضيت وأنا أسأل نفسي "أين أجد ضالتي؟ ومن سيعطيني الجواب الشافي؟!"
وبينما أنا في حيرتي، اقتربت مني طفلة صغيرة، وبدلال الأطفال سألتني "هل تبحثين عن شيء سيدتي؟"
ابتسمت لها وأنا أجيبها: "أبحث عن جواب لسؤال يحيرني!"
" ما رأيك لو تأتين معي لتسألي أبي، فهو حكيم هذه المدينة".
"ولمَ لا يا عزيزتي، سآتي معك."
عندما دخلت إلى حيث يجلس ذلك الرجل الذي بدا عليه الوقار، استبشرت خيراً، وازدادت فرحتي عندما سمعت كلماته التي قضت على حيرتي وجعلتني أهز رأسي موافقة:
"أهمية الوقت يا ابنتي هو في أن ندرك أنه مهم".
ماجدة ريا

Monday, May 22, 2006

كيف نربي أطفالنا ؟


الطفل هو تلك الهبة الإلهية التي تزين حياة الأسرة ، وهي هبة توجب على المرء أن يعرف كيف يحافظ عليها ويصقلها فيحسن التربية والأداء تجاه الأطفال الذين هم نواة المجتمع ، ورجال المستقبل .
من أين تبدأ تربية الطفل ؟ هل منذ الولادة ؟ أم في مراحل متقدّمة من عمر الطفل ؟
تعتبر الدكتورة مريم سليم الأستاذة الحالية في كلية التربية والمديرة السابقة لها ، مستشارة وخبيرة في الشؤون التربوية والنفسية في المنظمات الدولية " أن تربية الطفل تحتاج إلى إعداد مسبق من قبل الوالدين ، بحيث أنه عندما يقرر أي شخصين الزواج ، يجب أن يعدّا نفسيهما لطبيعة المرحلة المقبلة ، وهي ليست مرحلة سهلة أبداً ولا ترتكز فقط على التصرف الفطري كأم أو كأب ، لأن الأمومة والأبوة ليستا وظيفتين بيولوجيتين، وإنما يجب أن يتحضّر الوالدان لهذه المرحلة قبل استقبال المولود فيبحثان عن كل ما من شأنه أن يدعم معرفتهما بالأمور التربوية والإطّلاع عليها من مصادرها لأن هذه المرحلة تحتاج إلى كثير من الوعي والإدراك للمسؤولية الجديدة الملقاة على عاتقهما وكيفية تحمّلها ، فيعدّان نفسيهما لتقبّل هذا المحبوب الصغير والتضحية من أجله ."
أما الدكتورة كرستين نصار فتقول : " تنطلق مقومات الأمومة من حدس الأم التي تعرف ، بالفطرة ، الكثير مما يحتاج إليه طفلها منها ، ومع ذلك ، تحتاج لأن تتعلم الكثير كي تكون على مستوى ما يتوقعه منها" ، وتعتبر " أن أحد أول وأهم مقومات دور الأم إلى جانب الطفل يكمن في الحب ، وهو أحد ركائز الطمأنينة الثلاث : الحب والثبات والتقبل ، وهي الركائز الضرورية لنمو الطفل العاطفي والنفسي . "
فالأم الناجحة هي التي تقبل التضحيات على حساب وقتها وصحّتها من أجل أطفالها ، فكثير من النساء الناجحات في أعمالهن والرائدات في المجتمع يعترفن بأن هناك مرحلة ما من نمو أطفالهن كنّ يضحين بكثير من الأوقات والأعمال من أجل أطفالهن وبعد ذلك حققن النجاح الذي يصبين إليه . فمن الخطأ الفادح أن تترك أمور تربية الطفل للخادمات ، أو حتى مسألة الاهتمام بهم ، فالخادمة ـ إذا كانت موجـودة ـ يجب أن يقتصر دورها على الأعمال المنزلية فقط ، حتى وإن كانت الأم عاملة فعليها أن تضحي ببعض الوقت من أجل الإهتمام بولدها وتلبية حاجاته بنفسها ، وبمحادثته والتقرب منه ، فكثير من الأطفال الذين تترك رعايتهم للخادمة ، يتأثرون سلباً بها ، بحديثها وعاداتها وأسلوبها في الحياة ويبتعدون عن التأثر بأهلهم مما يسبب لهم الضرر الكبير . ولا يجوز إهمال الطفل لأن الابتعاد عنه سيشعره بالحرمان العاطفي وهو كما تقول الدكتورة نانسي الموسوي " يؤدي إلى تأخير نمو الذكاء على الأقل ثلاث سنوات عند هذا الطفل " ، والأطفال الذين لا يحظون بالعاطفة الكاملة يشعرون بفقدان الثقة أولاً بأنفسهم ومن ثم بالآخرين .
إن إشباع عاطفة الطفل لا يعني الإفراط في تدليله دون أي حساب ، فالدراسات التربوية والنفسية تظهر أن نسبة كبيرة من الجانحين ينتمون إلى أسر دلّلتهم دون أن تربي فيهم الإرادة ، لذلك هنالك معايير للتعاطي مع الطفل يجب الإلتفات إليها .
من الضروري إقامة علاقة مع الطفل والتحدّث إليه منذ ولادته ، فهو وإن كان لا يستطيع التجاوب في المراحل الأولى من عمره إلا إنه يرى، يسمع ويسجل كل ما يدور حوله .
ولا بد من تنظيم حياة الطفل دون أن يفسح له المجال بالسيطرة على الأهل كأن يستخدم أي وسيلة كالبكاء أو الصراخ من أجل تلبية رغباته، مع الأخذ بعين الاعتبار تلبية حاجاته على أكمل وجه من الناحية الجسدية أو العاطفية كأن نشعره بعاطفتنا نحوه ، وأن نجيبه على مختلف أنواع الأسئلة التي يطرحها علينا كي نساعده على التعرف على أمور الحياة ، كما أنه علينا أن نربي في نفسه الإرادة فنأخذ رأيه مثلاً في بعض الأمور من أجل تعزيز شخصيته وتجنب الصدام معه ، وأن نترك له فرصة الخيار في بعض الأمور المتعلقة به مثلاً كأن يختار بين صنفين أو ثلاثة من الطعام بدلاً من إلزامه بصنف واحد قد لا يعجبه فلا نكسر إرادته ولا يلزمنا برأيه ، ومن الضروري التحدث إليه بصوت هادئ لأن الصراخ قد ينفره من تنفيذ الأوامر .
يجب أن يتعلم الولد تنفيذ أوامر والديه ، وتدعو الكاتبة سعاد حسين إلى تدريب الطفل على تنفيذ الأوامر بدءاً من الأمور الصغيرة وصولاً إلى الأصعب منها وفقاً لقدرات الولد ، وتشجيع الطفل عند تنفيذه للأوامر والثناء عليه من أجل تحفيزه لإعادة الكرّة . ويعطي الدكتور صالح الرفاعي بعض الإرشادات التي يمكن الاعتماد عليها مثل : العمل على فتح باب التحاور مع الطفل واستطلاع آرائه بالأمور التي تواجهه، الملاحظة اليومية لمتغيرات السلوك التي يمارسها الطفل ، تهيئة الأنماط السلوكية المرغوبة ودراسة مدى تقبل الطفل لها مع مراعاة أهمية تحليل ومعرفة أي عزوف عنها أحياناً ، معرفة العوامل الداخلية المؤثرة سلباً على سلوك الطفل والعمل على تحييدها ، العمل بواقعية الملاحظة والابتعاد كلياً عن الظن الذي يخلق لنا صوراً وهمية لا تتفق مع الإرشاد.
ويجمع الخبراء على ضرورة وجود لغة حوار بين الطفل وأمه ، على أن يبدأ هذا الحوار منذ الولادة ويستمر في تطور مطّرد تتابع فيه الأم نمو ولدها الفكري وتبني معه صلة وصل للمستقبل ، لأن الطفل الذي لا يعتاد الحديث إلى أهله قد يجد صعوبة بالغة في سن المراهقة بالتعبير عن تساؤلاته وعن مشاعره التي ستتكاثر عليه في مثل هذا السن وسيكون من المفيد له أن يكون مرتبطاً بأهله بشكل وثيق خاصة عن طريق الحوار .
من الضروري الالتفات إلى أمور تربية أطفالنا فهم محور سعادتنا ، ونتاج آمالنا وعالم مستقبلنا .
ماجدة ريا

Friday, April 21, 2006

المواقع الإلكترونية الثقافية: نوافذ إلى عالم الكلمة

تعتبر المواقع الإلكترونية العربية ذات الطابع الثقافي، والتي يمكن اعتبارها ذات قيمة قليلة مقارنة بالمواقع الأجنبية ذات التخصص ذاته، أو المواقع العربية الترفيهية البعيدة عن الثقافة.

إنه عصر الإنترنت، عصر السرعة وثورة المعلومات، كما لو كان الكون علبة صغيرة، مختزلة في صندوق سحري، يوصلك، حيثما تشاء في لحظات، دون أدنى عناء.
وهذه التقنية التي باتت غاية التطور في العالم، والتي اجتازت مراحل عديدة، لا تزال في عالمنا العربي في طور الإكتشاف، والبناء، وببطء لا يواكب التطورالحاصل في العالم الحديث. ولعلّ من أكثر الأسباب تأثيراً في ذلك هو أن أسعار الإتصالات في الدول العربية هي الأكثر ارتفاعاً على مستوى العالم، رغم أن معدلات الدخل الفردي فيها هو الأقل، مما يجعل الأمر غير متاح لشريحة كبيرة من المجتمع العربي، أضف إلى ذلك أن الإهتمام الرسمي من قبل هذه الدول لم يرقَ بعد إلى المستوى المطلوب، في تشجيع الناس ومساعدتهم في الإنضمام إلى هذا العالم الرقمي.
تطالعك المواقع الإلكترونية الثقافية على الشبكة العنكبوتية بأشكال لا عدّ لها ولا حصر، فهي موجودة بكثافة في عالمنا العربي، رغم أننا لا زلنا في البدايات، إذا ما أجريت مقارنة مع المواقع الأجنبية من حيث الكم والنوع.
المواقع الثقافية أنواع ، منها المواقع الثقافية الرسمية الخاصة بدوائر الدولة، مثل دائرة التربية والتعليم، أو المواقع التي تهتم بالآثار في كل بلد، أو المواقع التي تخضع للإدارات الرسمية في الدولة، وهناك المواقع الثقافية التي تعنى بشتى أنواع الثقافة، ويقول فيها الكاتب رجب أبو سرّية (1) " إن غالبية المواقع الثقافية هي إما صفحات إلكترونية أشبه بالمكتبات، تتكدّس فيها النصوص، من غير تنظيم، ولا تعاد قراءتها وفق أصول معرفية أو منهجية، أو هي مكتبات ينخرط في إطارها مبدعون برسم التحقق، هي أشبه بغرف الدردشة العامة، ولا تختلف عنها سوى بطبيعة أعضائها الذين يعدّون أنفسهم مثقّفين."
هذه المواقع الثقافية تقوم إما بجهد الجماعة وإما بجهد فردي، وأحياناً يتفوّق الموقع الذي ينشأ بجهد فردي على غيره من المواقع كما هو الحال مع "موقع القصة العربية" وهو موقع قام بجهد فردي أنشأه الأديب والكاتب جبير المليحان من السعودية، هذا الموقع يضم مئات الكتاب العرب، من مختلف أقطار الدول العربية، والذين يهتمّون بكتابة القصة القصيرة، وهو من المواقع الثقافية الناجحة جداً في العالم العربي. وعن سبب إنشاء هذا الموقع يقول مؤسسه الكاتب جبير المليحان "إن المواقع الثقافية على الإنترنت تشكّل مهرباً من قيود الصحافة على الرغم من أنني لا أتعدى الخطوط الحمراء في كتاباتي إلاّ أن بيروقراطية بعض الصحف جعلتني أتّجه للإنترنت عبر موقع القصة العربية" (2).
ولمثل هذا الموقع حسنات كثيرة، فهي تقرّب الكتّاب العرب بعضهم من بعض، وتعرّفهم على بعضهم البعض، ويتبادلون الخبرات والآراء في المساحة المتروكة للتعليق وراء كل عمل، فيتوحّد الجميع تحت راية العروبة.
والمواقع الثقافية التي تنشأ بمجهود فردي، قد تُنشأ للعامة كما الموقع المذكور، وقد تبقى خاصة بمنشئها ، وهي الأكثر انتشاراً ، بحيث يقوم المرء بإنشاء موقعه الخاص به ، ويضع فيه إنتاجه الخاص، وهذا ما يحصل عادة مع الشعراء والأدباء والفنانين... والمعنيون بالأمور الثقافية يشجّعون عادة مثل هذه المواقع، بل ويدعون إليها، لأن الموقع الشخصي للأديب أو الشاعر يتحوّل إلى آرشيف مهم، فيسهّل على الآخرين الإطّلاع عليه، والتعريف بشخصه وأعماله ، وحفظها بشكل جيّد، كما يسهّل على الباحثين أعمالهم في البحث والتنقيب، وتسهّل على الدولة حفظ تراث هؤلاء ..
وإنشاء الموقع الفردي هو عمل متوفّر لكل من يرغب بذلك، إذ يقول الناقد سعد يقطين (3) "أن الجديد في الفضاء الشبكي يكمن في أنه في إمكان أي كان أن يكون له "موقعه الخاص" في الواقع الإفتراضي ، وبهذا الإنجاز يتجاوز الإحتكار الذي كانت تمارسه من قبل كل المؤسسات ومختلف الوسائط، محققاً بذلك عالماً جديداً من التواصل المتاح للجميع وخصوصاً إذا كان هذا الجميع ملماً بـ " ثقافة المواقع" وله إمكانية لإحتلال موقع مفترض ما وفي أي مجال من المجالات."
وهناك المواقع الثقافية التي تعرف "بالمنتديات"، والمنتدى الثقافي يضم عادة العديد من الأقسام من أدب وشعر وقصة وصور وغير ذلك، يدير هذه الأقسام أشخاص مشرفون يتلقّون المواد التي تنشر من الأعضاء الذين ينتسبون إلى المنتدى، وكثيراً ما يُعلّق على هذه المنتديات ويأخذ عليها المآخد لأسباب عديدة أهمّها أن المنتدى يتحوّل مع الوقت إلى مجموعات من الأشخاص يقومون بالتعليق على أعمال بعضهم البعض إما بالمجاملات الفاضحة والمزيفة وإما بالهجوم عليها. وفي معظم الأحيان تصدر هذه الأحكام دون موضوعية وإنما نسبة إلى رضا الأشخاص عن بعضهم البعض، وتصف الأديبة بثينة العيسى (4) هذه العلاقات بأنها "محكومة بدرجة من الأريحية المكذوبة، والفضائحية المزوّرة، شيء يحوّلنا كأعضاء إلى مراقبين لبعضنا البعض ويحوّل المنتدى إلى مدينة أشباح."
كذلك بالنسبة للأمور السلبية المأخوذة على المنتديات تقول بثينة العيسى "إن المنتديات تفتقر إلى رؤية أو منهجية أو توجّه معيّن طالما أنها تتكىء بحضورها على مئات الأشخاص الذين لا يربطهم شيء، لا هدف مشترك ولا رؤية مشتركة ولا حتى لغة مشتركة إذ لا يمكنك أن تتوقع من تجمع عشوائي كهذا الكثير."
وأياً يكن الأمر، فإن المنتديات الثقافية تبقى مكاناً مهماً يجتمع فيه المثقّفون من أجل إبداء آرائهم وعرض أعمالهم ومشاركة الآخرين في الإطلاع على ما يقدّموه، وبالتالي هو وسيلة تواصل إيجابية ويمكن أن تقدّم الكثير من الفائدة لمجتمعاتنا العربية خاصة إذا ما تم تحديثها وتطويرها وترشيدها بالإتجاه الصحيح. ولعلّ الخبرة التي يكتسبها المعنيون بهذا الإختصاص والذي لا يزال في بداياته في مجتمعاتنا، ستؤهلهم لإستدراك المفيد منها مع الوقت.
بشكل عام فإن المواقع الإلكترونية العربية ذات الطابع الثقافي، والتي يمكن اعتبارها ذات قيمة بحسب ما يقول الباحث الإماراتي سلطان بخيث العميمي تعتبر قليلة مقارنة بالمواقع الأجنبية ذات التخصص ذاته، أو المواقع العربية الترفيهية البعيدة عن الثقافة.
وعن طبيعتها يقول الدكتور عمر عبد العزيز (5) "أنها تتطوّر تباعاً، وأن المعالجات البصرية لهذه المواقع تتناسب إجمالاً مع الثقافة البصرية السائدة عربياً وهي بطبيعة الحال أقل كثيراً من الثقافة العالمية لجهة التصميم والحساسية تجاه الفراغ واستكناه الألوان."
وعن أهمية دور شبكة الإنترنت بما فيها من مواقع إلكترونية، تقول الأديبة شيخة الناخي (6) "أنها أضحت أداة اتصالات سريعة وفاعلة أسهمت بدور كبير في توثيق العلاقات الرسمية وغير الرسمية محلياً وعالمياً لدى المؤسسات والدوائر والجماعات والأفراد."
هذه المواقع الثقافية تساهم بشكل كبير في دعم وتسهيل تبادل الأفكار والمعلومات والبيانات مما يؤدي إلى تعزيز الروابط بين دول العالم وشعوبه، إنها وسيلة اتصال سحرية، يمكن أن تنقلك في ثوان إلى أي مكان من العالم لتغترف منه المعلومات التي تريد، فهي تحتوي على ملايين الكتب والمعلومات، وهناك محركات البحث المتطورة جداً والتي تسهل على الباحث جمع المعلومات التي يريد، لأنه يتوجب عليه أن يعرف كيفية البحث عن المعلومات كي لا يضيع في الزحام الموجود.
ويبقى الأمل في أن تستفيد مجتمعاتنا العربية من ثورة المعلومات هذه، ومن هذه التقنية المتطورة بشكل أفضل، وأن تسعى لتسهيل الإستفادة منها لكل فرد، بما يواكب التطور الحاصل في العالم.

المصادر:
1- رجب أبو سرية: كتاب الإنترنت بين التساوق والإتساق.
2- جبير المليحان: موقع القصة العربية.
3- سعد يقطين: ناقد من المغرب ( موقع اتحاد كتّاب الإنترنت العرب).
4- بثينة العيسى: أديبة ( موقع اتحاد كتاب الإنترنت العرب).
5- د. عمر عبد العزيز: مصادر المعرفة والفضاءات المفتوحة_ (موقع الهدف الثقافي).
6- شيخة الناخي: رئيسة رابطة أديبات الإمارة. ( موقع الهدف الثقافي).

Monday, April 10, 2006

شكوى النور

صمت يلفّ المكان، ظلام يبدّد عتمته نور منتشر، جلستُ أحاكي ضوء القمر، وأنسج منه عباءة فضية، مطرّزة بألوان نورانية...
وإذا بشذرات النور تتجلّى، وتتجسّد من مشكاتها حورية.. من روعة الجمال استمدّت صورتها، ومن ثوب الكمال ارتدت حلّتها..
لاحقتها عيناي وهي تطير كفراشة مزهوّة بألوانها، وحطّت قبالتي. التقت العينان بالعينين... عيناها دامعتان بحجم التيه.
" لِمَ الحزن يا صغيرتي؟ وأنت الحرّية التي تطيرين في كل فضاء؟!!"
أخرجت يديها من تحت عباءتها البيضاء التي كانت تلفها كملاك، نظرتُ إليهما... مكبّلتين بسلاسل من حديد.
" من فعل بك هذا؟!! "
من بين دموعها أجابت " الناس... يكبّلونني في أعماقهم، ويزعمون أنني لست موجودة!... انظري كم من ظلال الحرّية ترين؟ انظري حولي انهنّ يملأن الفضاء..."
رفعت نظري، التهبت مشاعري، وجُنّ فؤادي... حوريات جميلات مكبّلات ، أنوار موضوعة في قيود، ألوان مضيئة تتراقص وتختفي خلف السلاسل...
" لماذا يُكبّل النور؟!!!"
" أنا التي تسأل لماذا يكبّلونني ثم يزعمون أنني لست موجودة؟! ها أنا أملأ الفضاء بوجودي.. أنا موجودة... أنا أُخلق مع كل إنسان."
" إني أراك.."
" لم لا يراني بعض الناس؟!"
" لأنهم لم يدركوك، فأنّى لهم أن يروكِ؟"
" يحطّمونني بالهمجية، يضيعونني بالتصرّفات اللاّ مسؤولة.. أنا لست كذلك.. أنا أكبر من ذلك بكثير.."
لا زلت أحدّق بها، وهي تشكي مأساتها بألم وحسرة ودموع...
ثم قالت "أتعرفين، أشعر بحقيقة وجودي عندما يُقال لأحد أنت حرٌ أبيّ..."
حاولت التخفيف عنها، فقلت لها "لا تحزني، فعندما يدرك المرء كنهك، لن يعجز عن تحقيق وجودك أبداً."
" لكن... أغلبهم يبتعدون، ويبتعدون... ينتشرون في طرقات ضيّقة، وفضاءات أضيق، فيخنقونني بأيديهم ثم يبحثون عني باكين."
" لكنك موجودة، في أعماق الكثيرين، وهم يؤمنون ويدركون أنّهم أحرار."
هزّت رأسها الصغير، ابتسمت لكلماتي الأخيرة، فردت جناحيها وطارت ... ولا زالت عيناي تلاحقانها إلى أن بلغت القمر.
ماجدة ريا

Wednesday, March 22, 2006

رحلة مع البحر


قالوا لها: "عليك اجتياز هذا البحر، إذا أردت الإنتقال إلى المكان الآخر، حيث ترغبين أن تكوني، عليك أن تشرّعي مراكبك وأن تتوجّهي إلى أقرب ميناء، هناك سترين من سيستقبلك ويساعدك في الإنضمام إلى ذلك العالم وإلى هؤلاء الناس... لكن انتبهي، عليك أن تتأهبي جيداً، فهؤلاء أشخاص لهم عالمهم، لهم حياتهم، يأكلون الحبر وينامون على الورق".
لا زال صدى الصوت يتردد في أذنيها كما لو أنه كان آتياً من ذلك المكان البعيد، يدعوها إليه حينما ألفت نفسها أمام ذلك البحر.
كانت تسمع تلاطم أمواجه وهي تتقدم نحوه بعزم وثبات، إنها تنذر بمعارك طاحنة، وكأن الموج يتقاتل مع بعضه، وكل موجة تريد أن تكون هي الأعلى، تتلاحق الأمواج واحدة تلو الأخرى، فهذه تعلو تلك، وهذه تسرع هرباً وتلك تتأخر.... وهكذا يعلو الضجيج في هذا المكان الصاخب.
ران في خيالها منظر البحر الهادىء، ملتقى الرومانسيين الذين يحلمون مع كل غروب، ويقطفون من رنيم صداه أشعارهم وحكاياتهم، "لا ليس ذاك البحر هو ما أرى!"
إنه بحر مترع بالمشاكل، حبل بأثقال أبت إلاّ أن ترمي نفسها فيه، فضجّ من ثقله حتى باتت أمواجه متلاطمة بهذا الشكل المخيف.
هل ستركب زورقها الصغير وتسير في هذا البحر؟
الجو مشحون، ملبّد بالعواصف، كأنه لا يكفيها منظر الأمواج المتلاطمة!
أمعنت النظر، حتى اخترق نظرها لبّه، فتراءت لها دوّاماته بأحجامها المتعدّدة، فهذه كبيرة وقطرها واسع جداً ترسل عبره دوائر متتالية مولّدة أكبر عدد ممكن من الأمواج، وغيرها أكبر منها وأصغر وهكذا... الكل يمدّ هذا البحر بمزيد من هذه الأمواج.
بدأت رحلتها، نظرت إلى زورقها، لكم تعبت حتى حصلت عليه! آه ما أروعه! وما أحبّه إليها!
تأمّلت شراعه العالي بألوانه الزاهية الأحمر، الأخضر والأبيض..." لكم أحب هذه الألوان!"، أما خشبه فهو من خشب الأرز المعتّق، المتين..
لكنه يبقى مركباً صغيراً يشقّ طريقه منفرداً وسط هذا الأجاج.
" هل نسيت رفاق الدرب؟! فهناك مراكب كثيرة أمثال مركبك، ليس كل البحر دوّامات! انظري حولك جيداً..."
على جانبي البحر، ظهرت لها الكثير من المراكب الشراعية، كل يقود مركبه، يسير بهدوء، بعيداً عن الدوّامات، والأمواج العاتية، هذه الأمواج التي تبدو مخيفة، إذ تارة ترفع مراكب إلى أعلى، وأخرى تقلب بعضها، فيظهر أصحاب هذه المراكب وهم يصارعون الموج، يرفعون أيديهم إلى الأعلى فلا يرى منها سوى أصابع تتحرّك في تشنّج الصراع!
" يمكن أن أسلك طريقي وسط هؤلاء المراكب، ربما الإتّصال بيني وبين القباطنة الذين يقودونها هو سكون الصمت، إلاّ أنّنا نرى بعضنا... فمراكبهم تبدو كأنوار تضيء صفحة الماء كما النجوم في السماء".
كانت تتابع رحلتها بهدوء، إذا مرّت بأحدهم تلقي عليه التحية البحرية، وهم أيضاً يرسلون لها الإشارات الضوئية فتمرّ بسلام.
رانت منها التفاتة إلى مركز الصراع، إلى تلك الدوّامات التي ما زالت تدور وتدور، شعرت بأطراف مركبها تهتز، إحدى الدوّامات لامست حدود مسارها، نظرت نحو السماء، إلى قوّة الله المطلقة، ثبّتت دفة المقود، صوّبت نحو المسار الصحيح، وركّزت بصرها نحو النجوم التي انتشرت حولها لتستعين بنورها، وانطلقت نحوها، مخلّفة وراءها خطوط الدوّامات.
كان لا بد لها أن تمرّ أثناء طريقها على تلك الجزيرة، منظرها من بعيد يجذب الناظر إليها، لكنها تبدو كما لو كانت جزيرة من الخيال.
اقتربت منها، لا زالت تدنو، وتدنو.. حتى لاحت لها ملامحها بشكل واضح، الناس فيها مجتمعون في حلقات دائرية واسعة وقد أضرمت النار وسط كل واحدة منها، كما في سهرات النار الكشفية، وكل حلقة كان لها موّالها... فهذه تهتم بالحكايات، وأخرى بالخرافات، وغيرها بأي أمر يهمّها من أمور الحياة.. وهكذا، كانت كل حلقة تدور في فلك اهتماماتها...
وبينما هي غارقة في تأمّلاتها، وإذا بحرّاس الشاطىء يقتربون منها، ومن خلال الإشارة فهمت أنه ما دامت قد وصلت إلى هنا، فعليها أن تؤدّي التحية لملك الجزيرة. ألقت مرساتها على الشاطىء، وسارت معهم بقامة شامخة ورأس مرفوع.
وصلت إلى القصر الملكي، الحراس اصطفّوا على جانبي الممر، وحاشية الملك يجلسون في الديوان حوله، وعندما دخلت ألقت التحية على الجميع بطريقتها!
التفت إليها الحرّاس باستغراب، ولاحظت ذلك، لكن ما لفتها أكثر هو الشرر الذي تطاير من عيني هذا الملك حتى بدتا كأنهما نجمتان تلمعان، وشكله الذي بدا أسطورياً بالصولجان المذهب الذي يحمله بيده، والتاج الذهبي الكبير الذي على رأسه المكسو بشعر طويل!
هل يجب أن تخاف؟ شعرت بأن قدميها ثابتتين، وأن نظراتها تخترق عنان السماء.
صرخ بها أحد الحرّاس: "جرت العادة بالسجود أمام الملك، خاصة الدخلاء!"
التفتت إليه، ثم أعادت نظرها نحو الملك وقالت بهدوء: "وأنا لا أسجد إلاّ لله، أما السلام فأؤدّيه بطريقتي."
_ "إن جزاء من يخالف عاداتنا هو الموت."
" والموت هو بيد الله سبحانه وتعالى، وليس بيد البشر، فإن كان قُدّر لعمري أن ينتهي هنا وهذا أمر لله وحده أن يقضيه فأنا أرضى بقضائه."
_ "ألا تخافين الموت؟!!"
_ "الخوف من الموت لا يمنع الموت عنا إذا جاءنا"
كل هذا يجري على مرأى من الملك وحاشيته، رفع الحارس السيف في وجهها، لكن الملك فاجأه بقوله: "دعها رضيت بسلامها."
_ "سيدي الملك...."
_ "لا تقل شيئاً! جهّزوا لها مركبين ليرافقاها."
_ "شكراً أيها الملك "
قالت، ثم نظرت نحو الحراس تسأل عن سبب إرسال المركبين معها فأجاباها:
- "إن المنطقة التي ستعبرينها كي تصلي إلى شاطىء الأمان لا ينجو منها إلا من كان معه مرافقة من جزيرتنا.. وإكراماً لشجاعتك سيرسل ملكنا معك مركبين بدلاً من الواحد كي تكوني في أمان".
ابتسمت ابتسامة الأمان وسلّمت على طريقتها، ومضت إلى مركبها، وسارت ترافقها هدية الملك المزدوجة، واتجهت نحو بر الأمان.
ماجدة ريا.

Monday, March 13, 2006

المرأة الغربية بين الرغبات والمشاكل

كثيرات هنّ النساء الغربيات اللواتي ينجذبن إلى الحياة الشرقية وإلى الإسلام بالتحديد، وتظهر الدراسات أن عدد الأوروبيين الذين يعتنقون الإسلام في تزايد مستمر ويقدّرون بالآلاف في كل عام وجلّهم من النساء، وقد كان الإعتقاد يسود أن معظم هؤلاء النساء يعتنقن الإسلام بسبب الزواج من مسلمين، إلا أنه تبين فيما بعد أن معظم هؤلاء النسوة يعتنقن الإسلام بسبب قناعاتهن الشخصية وهذا ما تؤكّده الدكتورة هيفاء جداد المدرّسة في جامعة برمنغهام البريطانية.
إن الضجّة التي أثيرت حول دين الإسلام بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر دفعت الكثير من الغربيين إلى البحث في هذا الدين. والباحثون بصدق عنه وجدوا فيه دين "حب وتسامح وسلام". هذا ما قالته الآنسة " ماري فالوت" ـ وهي إحدى الفرنسيات اللواتي اعتنقن الإسلام ـ في مقابلة معها نشرتها صحيفة كريستيان ساينس مونيتور في 29/12/2005، كما تقول إن هذا الدين "يجيبها عن كثير من الأسئلة الروحانية التي لم تكن تملك لها إجابة"، إضافة إلى ذلك هي تبدي إعجابها بالطريقة التي يحددها الإسلام للتقرّب من الله سبحانه وتعالى، وما يتميّز به من استقامة وبساطة ووضوح، والسلوكيات التي يتوجّب على المرء اتباعها.
إنها عيّنة من أشخاص المجتمع الغربي الذين استشعروا من هذا الدين الحنيف أهمية القيم والمفاهيم والتعاليم الإسلامية التي تكسب الروح سلاماً وأماناً كانوا قد افتقدوه في طريقة حياتهم، في تعاليمهم ومفاهيمهم، وهذا ما يجعلهم يندفعون نحو الإسلام.
أما لماذا النساء أكثر من الرجال؟ فإننا نلمس الإجابة على هذا السؤال عند المتخصصة بدراسة حالة النساء الهولنديات اللاتي يعتنقن الإسلام "كارين فان نيوكيرك" والتي تقول "إن هؤلاء النسوة ينجذبن إلى الفكرة الخاصة عن النساء والرجال التي يقدمها الإسلام حيث يوجد هناك متسع أكبر للأسرة والأمومة، فهي في الإسلام ليست وعاء للمتعة فقط".
ومن هنا يتبين لنا أن المرأة الغربية عندما تطّلع على دين الإسلام وتدرك من خلال اطّلاعها المكانة المهمّة التي أولاها الإسلام للمرأة ودورها في الأسرة دون أن يسلبها أية حقوق أخرى، بل على العكس فإن الأسلام أعطى المرأة الكثير من الحقوق مقابل ما يمكن أن تحصل عليه في باقي القوانين.
فعندما تدرك المرأة الغربية مدى الإحترام التي تحصل عليه في أسرتها، والأمان الذي تعيشه، فإن ذلك سيدفعها نحو اعتناق هذا الدين الحنيف في ظل تفكك أسري واضح يعيشه الغرب نتيجة تحلل الأفراد من مسؤولياتهم ولهاث كل من المرأة والرجل نحو المال والسلطة دون أية اعتبارات أخرى، مما أدى إلى تدهور كبير في العلاقات الأسرية دون أن يكون لها سقف يحميها.
ففي بلد مثل الولايات المتحدة الأميركية حيث التفاخر أن المرأة قد حصّلت ما تصبو إليه من حرّية وديمقراطية، تظهر قراءة حقيقية لواقعها مدى القهر والتخبّط الذي تعيش فيه، بحيث يشير أحدث التقارير والدراسات إلى ارتفاع نسبة الطلاق إلى حدود 60 بالمئة، ولا تتردد النساء هناك في اعتبار أن المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة تكاد تكون مؤامرة في ظل عدم قدرة الكثيرات على التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والأبناء.. وقسم آخر من الأميركيين يرد سبب ارتفاع نسب الطلاق إلى الحرية التي حصلت عليها المرأة في الأعوام الثلاثين الماضية وبسبب انهيار القيم التي تحكم العلاقات بين الأشخاص.
كل ذلك ينعكس بإيجاد شعور بعدم الأمان في إنشاء الأسرة، وهذا أيضاً يؤكده استطلاع الرأي ـ الذي نشره موقع (تقرير واشنطن) على الإنترنت في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2005 ـ والذي بيّن أن نسبة 20 بالمئة من الرجال و 13 بالمئة من النساء فقط هم الذين يملكون الإستعداد لإنشاء أسرة وهذا يعني تدنياً عالياً جداً في الإقبال على العلاقات الأسرية، ما يجعل ذلك المجتمع أكثر توغلاً في الإنحلال.
وربما ينتج إنكفاء النساء عن الرغبة في إنشاء الأسرة عن المآسي التي تواجهها المرأة هناك، إذ أن التقرير نفسه يشير إلى ارتفاع نسبة العنف المنزلي الذي يمارسه الزوج بحق المرأة والأولاد إلى درجة تصل إلى حد القتل إذ يؤكد "أن العنف المنزلي يتسبب في سقوط ضحايا أكثر ما تسقطه الأمراض وحوادث الطرق حيث أن 80 بالمئة من جرائم القتل هي جرائم عائلية وأن ثلث ضحايا القتل من النساء تم قتلهن على يد شريك الحياة أو الزوج."
هكذا، مع التوقف عند مثل هذه التقارير لم يعد مستهجناً أن يقوم البعض بالبحث عن ذاته، وعن أمان يحمي العائلة والفرد وهكذا تتوجه النساء نحو الإسلام الذي صان المرأة وحفظ حقوقها وبذلك يكون قد صان الأسرة أيضاً.
وهذا الإندفاع نحو الإسلام من قبل المرأة الغربية والذي يراه مدير وكالة الإستخبارات الفرنسية "باسكال ميلهوس" مثيراً للقلق بسبب تزايده المستمر، هو لإقتناع النساء بأن التزامهن بالإسلام لا يقف حجر عثرة أمام أعمالهن وطموحاتهن، إضافة إلى أنه يؤمن لهنّ الطمأنينة التي يرغبن بها، وهذا ما يدفع بـ "سارة جوزيف" ـ وهي إنكليزية اعتنقت الإسلام وتصدر مجلّة نسوية إسلامية باللغة الإنكليزية بعنوان "أمل" ـ لأن تقول "إن الفكرة القائلة بأن جميع النساء الأوروبيات اللاتي يعتنقن الإسلام ينزعن إلى نمط انعزالي في الحياة بعيداً عن إفراطات النسوية الغربية هي فكرة ليست صحيحة."
فالمرأة الغربية تستطيع أن تعتنق الإسلام وأن تستمر في دراساتها وأعمالها وتحقيق طموحاتها ولن يؤخرها شيء عن ذلك، بل على العكس فإن الإسلام يشجّع على العلم والتعلم والعمل..
وأختم هنا بالقول أن البعض من النساء في مجتمعاتنا من اللواتي يحاولن تقليد الغربيات، قد يصلن إلى مرتبتهن في الوقت الذي تكون فيه هؤلاء الغربيات قد وصلن إلى اليقين الذي يبحثن عنه ويأخذن ـ بعد عراكهن مع الحياة ـ المكان الذي تسعى هؤلاء النساء من مجتمعنا بالنضال الشاق للتخلي عنه، فيتخلّين بذلك عن أمنهنّ وأمانهنّ، ليعيشنَ في الدوّامة والصراع الذي تسعى المرأة الغربية ذاتها للتخلّص منه، وربما يدركنَ عندها انهنّ وقعن في الخطأ.
إن هذه التقارير عن واقع المرأة الغربية إنما هي شهادات واقعية على عزّة المرأة في الإسلام التي لا تحتاج إلى شهادة كي تعتز بإسلامها.
ماجدة ريا

Wednesday, February 15, 2006

أسبوع المقاومة

سيدي عباس...
توالت السنون وما غاب طيفك عنا
تنطوي أرقامها تباعاً
تضيء أحرفها شعاعاً
وأنت تكبر فينا
فتكبر المقاومة...
امتدّت إليك يد المكر لتغتالك!
ظنّت أنها تغتال المقاومة
بثوب القائد!
لم يدروا أن كلّ قطرة دم من دمك الطاهر
انجبت بطلاً.. هو على الظلم ثائر
يقرأ عمق الجراح
فيهتف حي على الفلاح
هيا إلى الكفاح
فيبلسمه
مهما كان عمق هذا الجرح غائر..
لم تدرِ
أن المقاومة روح لا تُغتال
وأنّك لئن استشهدت
ستبقى فينا المثال
وأننا نقوى بالشهادة
وهي فخر للرجال
ستبقى فينا أنشودة عذبة
يتردّد صداها عبر الأجيال
نحفظها.. نحفرها في الخاطر
نسكنها الأرض والتربة والجبال
فنحن كما أردتنا أن نكون،
مقاومةأبيّة، قويّة، صامدة
.. وما تزال
ترهب الأعداء
بالفعل لا بالأقوال..
سيدي...
لئن عادت الذكرى
فقد عادت بالبشرى
بالنصر وتحرير الأرض
والفرحة الكبرى
بانهزام عدو
يعيش في حيرة
من أين يحمل نعش الإنهزام
فلتعيّد المقاومة عيدها
ولينشد المحبّون أناشيدها
ولتعلو الأصوات
بأجمل النغمات
وأعذب الصلوات
على محمّد وآله وصحبه الكرام.
**************
ماجدة ريا.

وعادت الذكرى

مرّ عام على استشهاد الرئيس رفيق الحريري، عام شهد لبنان خلاله ما لم يشهده من قبل من بروز للإنقسامات السياسية الحادة، سيما وقد تخلّله الكثير من الإغتيالات التي تبعت الإغتيال الأساس الذي قيل فيه إنه زلزال.
اليوم في ذكراه الأولى كلٌّ يغني على ليلاه، فجماعة 14 آذار والتي لم تكن مجتمعة يوماً ما، جمعتها المصلحة الواحدة، جميع فرقائها تقاطعت مصالحهم في نقطة واحدة، ومنها يتفرعون كل في شعاع مختلف لا يلتقي أحدهم مع الآخر إلا ليستمدّ منه قوّة يحتاج إليها، لأنه إذا ما قيس حجم كل واحد منهم على حدة لفزع هو من ضآلة حجمه قبالة الآخرين، فقد جمعوا ما جمعوا وحشدوا ما حشدوا من كل زاوية ومن كل مكان يمكن أن يأتوا به بشخص، أياً كان هذا الشخص ليقول "لسنا أكثرية وهمية!".
لكن كل واحد منهم يدرك حجمه، ويخاف في قرارة نفسه، فيندفع ليعانق الآخر ليعبّر عن تضامن الزعيم مع الزعيم مع الزعيم وقلوبهم واجفة فكل واحد منهم يدرك بأنه غير ممسك سوى بيد هذا الزعيم الذي رفعها ليعلن شيئاً للآخرين، وهو " أننا لا زلنا متماسكين!!!" كل هذه الحركات إنما استجمعت لتأتي رداً على اجتماع "قائدين" عظيمين، لم يجتمعا لمصلحة أحد منهما إنما لمصلحة الوطن أولاً وآخراً، ولم يسلما على بعضهما إلا بعد أن وضعا ورقة التفاهم بينهما، ولم يأتِ تصرفهما بناء على أي انفعال، أو ردّة فعل لأي شيء، إنما دأبا معا على لم شمل ما يمكن لمّه من تداعيات الوضع اللبناني، لقاءهما أرعب الجميع حتى جاء رفع الأيادي ممن رفعوها في هذه الذكرى ليقول نحن هنا... انظروا نحن متّحدين، لكن كل تكلّم بمنطقه وخطابه، ولو كشفت على قلوبهم لوجدت أن كلمتهم واحدة وقلوبهم شتى، وكل ذلك ظهر من خلال الكلمة التي ألقاها فما في القلب يظهر في فلتات اللسان...
بالنسبة لمن يعرضون أنفسهم لمنصب الرئاسة وما أكثرهم من بينهم تباروا أيهم الأنجح في أن يلفت الآخرين بنبرة خطابه، ومن له حقد قديم يريد أن ينفّس عنه فجاء خطابه مباشر بالتهديد والوعيد، وآخر له ثأر قديم فتكلّم كالعادة بلغته التي تعبر عن شخصيته المهزوزة، لغة الشتم والإنفعال، وآخر يريد أن يظهر أكبر قدر ممكن الأمور التي ترضي الأسياد في أميركا وفرنسا حيث مصالحه الأساسية، فنجح بأن يظهر نفسه أنه يطوي الجميع تحت جناحه ...
لكن ما لفتني قول أحدهم " إجاكم طقس حلو ومشمس ، شفتو حتى الله معنا، الله لبناني!"
يحلل الواحد فيهم من منطلق ذاته، وتفكيره ومحدوديته أحياناً، فيظن أنه ممسك بكل شيء، مدرك لكل شيء!
نقول الله للجميع، للحق وحيث يكون الحق يكون الله سبحانه وتعالى، فلو أن الطقس كان غير ذلك، لا أدري من كان سيحضر؟ وكم؟... وبأثمان أعلى بكثير... لكن أقول لمن يفكّر بهذه الطريقة، أنه أخطأ التقدير، فقد مشى الكثيرون تحت المطر، وتحت الثلج ، وبطقس عاصف ليقولوا كلمتهم، ليريكم الله سبحانه وتعالى أن مناصري الحق هم أناس أشداء، قلوبهم كزبر الحديد، لا يخشون في الله لومة لائم، الله سبحانه وتعالى أراد من ذلك حكمة وموعظة لمن يتّعظ!
مناصرو الحق الذين قدّموا التضحيات الجسام، من شهداء وجرحى وآلام... صبروا على كثير من الأذى ولا زالوا يصبرون، وكان ذلك أصعب بكثير من المشي تحت الثلج والمطر، وصبروا، وحققوا النصر العزيز، وإذا بنا نرى أشخاصاً عاشوا مترفين من جرّاء نهب أموال الدولة والمغانم، يأتون الآن ليقولوا، " حرية سيادة استقلال" هذا ما يجيدون.. العيش برخاء، وإطلاق الشعارات..
!فليراجعوا أنفسهم، والأيام ستخبرهم، أين هو الله؟ وفي صف من
ماجدة ريا.

Sunday, February 12, 2006

التعنّت المتهوّر


نعيش وسط معمعة حادة، وخلافات محتدمة، وبلد يخوض في المجهول، وإنقسامات لا عدّ لها ولا حصر، وإن بدا المشهد على أنه اصطفاف بين معسكرين أساسيين شرقي وغربي... لكنه لبنان، ويبقى لبنان قبل أن يكون أي شيء آخر، فهل هذا هو رأي الجميع؟!!!! وهل مصلحة لبنان هي صاحبة الإعتبار؟
صدر مؤخراً وثيقة تعاون بين تيارين كبيرين، أثارت الحساسية لدى بعض المسؤولين، لحسابات ما! رغم أن هذه الوثيقة قد وجّهت دعوة إلى الجميع للإجتماع حول طاولة حوار، وتقريب المسافات على أساس مصلحة لبنان، ومع ذلك فإن الخطابات النارية لم يخمد أوارها، وخرجت لاسعة أكثر من أي وقت مضى، فلم يتوانَ أحد قادة الميليشيات سابقاً عن وصف المقاومة على أنها ميليشيا دون حياء، طبعاً ولهكذا جرأة ثمن!!!!
فكلما رأى المسؤول الأميركي أن ثمة تقارباً حصل بين الأطراف اللبنانيين، أرسل من يعكر صفوه ويضرم النار! ولكن حبذا لو أن من يستجيبون ويلعبون بالنار يلتفتون إلى أن أول شيء تحرقه النار هو أصابع من يلعب بها.
ولكن غريب هو منطقه! بل كيف يكون غريباً، فقد اعتدنا على النفس الأميريكي وعلى أمر يشبه أي شيء إلاّ المنطق!
عندما التقى هذان التياران على طاولة الحوار وبعد أشهر توصلا إلى هذه الوثيقة المعلنة، لنقل إلى تقريب وجهات النظر، والإلتقاء، والمعلوم أنه لم يجلس معهم أي شخص من أي جنسية أخرى.. هو كلام لبناني ـ لبناني... وعلى مرأى من الجميع، وكل النقاط التي عالجها تخص لبنان، ولم يقفل الطرفان الباب بل فتحاه لمن يرغب أن يكون لبنانياً ويحل مشاكله على الطريقة اللبنانية، فنحن لسنا بحجم العالم كي يأتي العالم كله من خلال أمريكا والأمم المتحدة ليحلّ مشاكلنا، لقد بلغنا سن الرشد.
ويخرج الزعيم بعد لقائه مباشرة لمبعوث الأمم المتّحدة، ليشكك بوطنية اللبنانيين عندما يجلسون مع بعضهم، أما أن نلتقي المبعوثين الأجانب ونخرج لننفذ رغباتهم، ربما عندها نصبح منتمين إلى جوقة السيادة والحرية والإستقلال!!!!! يا للسخافة! والأغرب أنه يعترف بأن المقاومة هي حالة شعبية واسعة، تملك كل شيء من شعبية وفكر وخطابة وقوة.. لكن هو ومن معه يملكون الكلمة الحرّة!!!!! أي حرية هي التي لا تحمى إلا بعد كل مقابلة لمبعوث غربي يملي عليه ما يجب أن يقول!
أما مركز الجدال فهو أن الدولة يجب أن تبسط كامل سيادتها على أرض لبنان؟ لأن ما تفعله المقاومة هو انتقاص للسيادة؟!! ويا للعجب؟! أين كانت الدولة عند الإجتياحات الصهيونية المتكررة؟ وللذين يطالبون بعودة العمل باتفاق الهدنة لعام ال 48 أين كان هذا الإتفاق عند كل ما سببته إسرائيل لشعب لبنان من دمار وويلات؟
لقد عانى لبنان ما عانى، والقرى الجنوبية تشهد الهمجية والرعونة الإسرائيلية... كيف تطالبون أن نلقي السلاح والعدو يحاصرنا كل يوم ولم نلقِ هذا السلاح؟ أي منطق يقول للمعتدى عليه تجرّد من سلاحك وضع رأسك على المقصلة؟ المنطق الأميريكي مرفوض مرفوض لأنه ليس بمنطق!
حبذا لو يكف المتعنّتون عن تعنّتهم، ويلتفتون إلى مصلحة بلدهم بعيداً عن أي مصالح ذاتية..
حبذا لو يغلّبون حب الوطن بعيداً عن التستّر بهذه الكلمة مراوغة ورياء..
فلنجتمع بقلب مفتوح، محب للوطن ومصالحه، ولنعمل على حمايته بوحدتنا، بمحبّتنا الصادقة، ورؤويتنا الواضحة بعيداً عن العنصريات والعنجهيات..
لمَ يصمّون آذانهم ولا يريدون أن يسمعوا؟
عندما انتصرت المقاومة ـ وإن كانت من لون واحد ـ قالت "هذا انتصار للبنان، لكل اللبنانيين بكل أطيافهم" وتعالت على كل الجراحات، ولم تقتصّ من الذين تسببوا لها بكثير من الأذى..
لقد أثبتت بالفعل لا بالقول أنها منكم ولكم أيها اللبنانيون، وأنها السبب في طمأنينتنا جميعاً.. لمَ تريدون سلبنا هذه الطمأنينة!
طائرات العدو التي تجتاح سماءنا كل يوم.. كنا نرتعب منها سابقاً، لكن بعد معادلات القوة التي أرستها المقاومة بتنا نشعر بالأمان على كل شبر من أرضنا..
ما الذي يردع إسرائيل عنا وهي التي لها علينا ثأر؟ الفيتو الأميريكي على إدانة إسرائيل في مجلس الأمن بعد مجزرة قانا؟!
أنا لا أفهم ما الذي يدعوكم إلى هذا التعنّت المتهوّر!.
ماجدة ريا

Thursday, February 02, 2006

مقابلة صحفية


امتشقت قلمي، حملت بيض أوراقي، خطوت نحو تلك البوّابة الزرقاء الكبيرة حيث تلج منها إلى ممر عريض يفصل حديقة المنزل إلى قسمين...
رأسي مثقل بكثير من الأسئلة الحيرى التي تبحث لها عن جواب، فقد حضرت إلى هنا لأجري مقابلة مع أم ياسر، الشهيد الذي سقط في العملية النوعية الأخيرة...
لكم كنت أشعر بنهم لسماع أي كلمة ستقولها، ومع ذلك فقد كانت خطواتي بطيئة... وتساءلت في نفسي "هل هي الهيبة من أم الشهيد؟! أم هي رائحة التراب التي تفوح من الأرض فتخترق عظامي! لكم أحب هذه الرائحة أكثر من أي عطر آخر ـ هل لأن الإنسان من تراب وإلى التراب يعود؟ـ لست أدري...." أخذت نفساً عميقاً حتى امتلأت رئتاي، وأنا ما زلت أتابع خطواتي باتجاه الباب الرئيسي للمنزل.
السماء ملبّدة بالغيوم الداكنة، لم تفرغ كل حمولتها من المطر، وقد لفتتني تلك القطرات التي لا زالت تزيّن الأغصان العارية كأنها دموع الندى... وسنديانة عتيقة وقفت بكل شموخ إلى جانب الجدار زاد المطر اخضرارها توهّجاً حتى بدت كجوهرة خضراء...
تعانقت ألوان الشتاء في هذه الحديقة، وأكسبها كانون لون النار، إلاّ شجيرة منها أبت إلا أن تبقى في ألق.. تفتّحت ورودها نديّة بلونها الزهري يتحدّى برد كانون وقسوته.
استغرق مني هذا الممر القصير كل هذه الدقائق، وصلت أخيراُ إلى الباب، نقرت نقرات خفيفة ، انفتح ... وظهرت منه صبيّة صغيرة قادتني إلى حيث تجلس والدتها..
شعرت بالرهبة من جو تلك الغرفة، أتراها ليست كباقي غرف الجلوس؟ "مقاعد أنيقة تنم عن ذوق رفيع، وديكور رائع على الرغم من بساطته يجعل النفس في حالة سكون غريب، لا .. ليس هذا هو السبب بالتأكيد!... ربما تلك المرأة التي وقفت تستقبلني؟"... امرأة في العقد الخامس من العمر، بدأت بعض التجاعيد الخفيفة تتسرّب إلى خطوط وجهها، دون أن يمنعه ذلك من أنّه يشع بنور غريب تجعل الناظر إليها ينجذب لتأمّل تلك القسمات...
بعد السلام والتحية، جلست قبالتها، وشرعت في تدوين كل كلمة تلفّظت بها، وحرصت إلى أن أشير إلى اللذة التي كانت تتحدّث بها عن صفات ومآثر الشخص الذي طالما أحبّته ولا زال يسكن الفؤاد...
وفي الختام كان سؤال: "ما هي أعز أمنية لديك الآن؟"
دمعت عيناها وبصوت أجش جعل القلم يرتعش في يدي قالت "أتمنى أن أستطيع الذهاب إلى المكان الذي استشهد فيه، وأزرع وردة هناك!"
لم أستطع أن أمسك دمعتين سالتا على وجنتي وأنا أردد "أتمنى من الله أن يحقق لك امنيتك هذه!".
لقد استشهد داخل المنطقة المحتلّة في الجنوب.. وبدا الأمر كأنه شبه مستحيل!.
***
بزغ فجر الخامس والعشرين من أيار (مايو) لعام 2000، محمّلاً بعبق أريج الإنتصار والتحرير، ودحر العدو عن معظم أراضي الجنوب...
الناس يتدافعون باتجاه الحلم، كل يريد أن يبارك أنفاسه بتنشق هذا الهواء الذي حرموا منه طويلاً..
لم أنسَ أمنية تلك المرأة، وقرّرت أن أشهد تحقيقها، وقد اتخذ المعنيون الترتيبات اللازمة لأخذها إلى ذاك المكان الذي يصعب الوصول إليه..
وجدتني أقف أمام تلك الدار مرّة أخرى وكان الخبر قد سبقني إليها، فها هي المرأة الخمسينية بكل وقارها تقف في الخارج، تنتظر كأننا على موعد، موعد تحقيق الحلم.. والأمنية التي حامت في قلبها لسنوات، أرض الحديقة تموج بالإخضرار، وقد انبعث عطر ورودها التي تلوّنت بلون العيد في كل مكان يعطّر الأجواء، واستدفأت بأشعة الشمس فانعكست إشعاعاتها أنوار فرح تبلسم الجراحات، وتُشعر الناظر إليها بنبض الحياة.
لا زالت السنديانة العتيقة تقف بشموخ قرب الجدار ينبعث من داخلها زقزقات وتغاريد، تردّد حكايات النصر مع فرح الربيع!
تلاقت عيوننا، ابتسمت، فبادلتني الإبتسام، وما لبثت أن احتضنتني بحرارة ثم نظرت في وجهي وهي تقول بصوت أجش " جئت تشهدين تحقيق الأمنية؟!"
هززت رأسي علامة الإيجاب، وانطلقنا معاً في السيارة التي كانت تنتظرنا عند المدخل.
السيارات تسير في قوافل باتجاه الجنوب...
القرى الجنوبية تعيش عرس التحرير...
الناس يعقدون حلقات الدبكة الشعبية في الطرقات والساحات...
ولسان حال النساء أهازيج وزغاريد...
من وقت لآخر كنت أسرق التفاتة إلى وجه المرأة التي تجلس بقربي، كانت هي الأخرى تحدّق من نافذة السيارة في كل ما يجري فيشعّ من عينيها نور غريب يضيء قلبها.
بدأت السيارة تتنحى عن الطريق الرئيسي لتدخل في طرقات فرعية، إلى أن وصلنا المكان المقصود.
توقّفت السيارة... ترجّلت " أم ياسر"، وبشكل تلقائي جثت على ركبتيها، مدّت كلتا يديها إلى التراب، حضنت من حبّاته ما استطاعت، رفعتها إلى وجهها، شمّتها بملء رئتيها.. صاحت: "لا زالت رائحتك ها هنا يا ولدي، إنّي أشمّها... أحسّها... أرى روحك وأرواح الشهداء يفتحن بوابات التحرير... يتقدّمن الناس... يهلّلن يكبّرن... أشعر أن عرسكم اليوم أكبر من عرسنا، وفرحتكم أكبر من فرحتنا... أنتم الأحياء... أنتم الأعلون..."
كانت تتلمّس كل ذرّة من ذرّات التراب الموجودة في ذلك المكان، وتحتضن صورته في عينيها...
قلبي ينبض بعنف، وحواسي لا تكفيني لاستيعاب ما يحدث... بقينا نراقب حركتها العفوية، وكلماتها التي انطلقت دونما تحضير، لتفيض بمشاعر جيّاشة.
حملت شتلة الورد التي أحضرتها معها، وغرستها في تلك البقعة، سمعت الأرض تتجاوب مع هذه المرأة
تنهّدت الأرض
ارتعش التراب
نادى الصدى
أهلاً بالوافدين
ولّى العذاب
انبلج الفجر
وابتسم الندى
في حضن الياسمين
أيا زائراً... انظر في المدى
حدّق.. ماذا ترى؟
دقّق في رجع الصدى
أنا الأرض... أنا الأرض
أرأيت أنهار العسل واللبن؟
والظلال الوارفات والحور العين؟
أوتشعر أن في سمائي جنة عدن
يقطنها شبّان في النعيم خالدين؟
فهنا جرح مقاوم، وهنا قضى شهيد، وآخرين... آخرين
طهّروني بدمائهم من رجس الغاصبين.
ماجدة ريا

Sunday, January 29, 2006

وا... إسلاماه!

وا... إسلاماه!
تفجّر الكلمُ في أحشائي، تشظّى القلب حتى تشققت جدرانه، ونبتت الشظايا فيها كنصال حادة تسيل من حوافها الدماء...
أي زمان هو زماننا؟ وفي أي عصر نعيش؟
تقدّم، حضارة، ديمقراطية، حرّية، ثقافة.... ودول تذكر على أنها مضرب المثل! أعني الدول الغربية.
تقدّمهم وحضارتهم وذكاؤهم هو الذي مكّنهم من إقامة دولة إسرائيل على حساب شعب بكامله، بل أمة بكاملها!
اليوم، وهم الممسكون بزمام القرارات العالمية، يريدون صياغة عالم على مزاجهم، وقوانين على مقاسهم، ودول راكعة عند أعتابهم..
اليوم تنشر بعض الصحف الغربية صوراً مسيئة ومهينة جداً للإسلام، ولا يعاقب الفاعلون فهذا نوع من الحرّية الإعلامية!
قبلها كانت فضيحة تدنيس القرآن الكريم وبالكاد سمع من المسؤولين اعتذار خجول بعد العديد من المظاهرات المستنكرة.
واليوم أيضاً هناك الحديث عن السجون الأميركية الأوروبية السريّة لكل من يشتبه به أنه له علاقة بانتماء ما!
وقبلها كانت الفضيحة الكبرى للممارسات اللاإنسانية بحق السجناء في سجن أبو غريب وغوانتانامو وغيرها من سجونهم المعتبرة!
اليوم توقف بث قناتين في هولندا بسبب انتمائهما للإسلام وتوضع قناتان إسلاميتان غيرهما أيضاً تحت المراقبة، والوقف هو بحجة أن هاتين القناتين تحضّان على الكراهية والعنف؟!!!!
الإنتماء إلى الإسلام دين الأخلاق والتسامح والحب بات إرهاباً؟! قول الحق دون مراوغة إرهاب؟! الحجاب إرهاب؟! المقاومة بوجه المعتدي إرهاب؟!!!!!
أعمال التدنيس والسفاهة واللاأخلاقية هي الحضارة المرجوّة والحرّية المقبولة عند هؤلاء، الممارسات اللاإنسانية بحق الأفراد والشعوب المستضعفة هي قمة الديمقراطية، المجازر والتسلّط والقمع في العراق وفلسطين وغيرها من دول العالم هي الحضارة ..
فعلاً يمكن القول أننا بتنا نعيش في زمن انقلبت فيه المعايير العالمية للإنسانية، وانقلبت كل المقاييس، والغريب في كل ذلك هو الصمت الدولي عن كل ما يجري من انتهاكات صارخة لحقوق البشر بعنوان تحقيق حقوقهم، والأغرب من ذلك هو التصفيق للظالم على ظلمه وافتراءاته والتصديق عليها على أنها واقع؟
فهل يجب أن يصدق الجميع أن النظام العالمي الجديد قد سطرته أميركا وحلفاؤها وفق ما يروق لهم من معايير وما على الآخرين إلا الخضوع؟
وأين المسلمون من كل ما يجري؟؟
وا إسلاماه!.
لكنني أتساءل ببساطة، لو كانوا أقوياء بثقافتهم التي يودّون نشرها، لمَ يخافون الآخر؟! لمَ يريدون خنق كل صوت معارض؟ لمَ لا يتركون مجالاً لحوار الثقافة ولينتصر المنطق الأقوى؟
كل الإجراءات القمعية للتضيق على الآخرين إنما هي إجراءات ضعف بمظهر قوة، وخوف من حقائق قوية.
ماجدة ريا

Friday, January 27, 2006

القرار للصندوق

... وصدمت إسرائيل!!! وذهلت أميركا!!!
لقد جرت الإنتخابات الفلسطينية التشريعية في أجواء هادئة، وتحت رقابة محلّية ودولية مشدّدة، وقال الشعب الفلسطيني كلمته: نعم، نعم للمقاومة، وفي لحظة الحسم أعلنت النتائج وأعلن الفوز الكبير لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
هذا ما أراده صندوق الإقتراع، وهذا هو قرار الشعب الفلسطيني بمعظمه، وهذا ما لم ترده أميركا ولا إسرائيل، وهذا ما لم يتوقّعوه أبداً، فكيف حدث ذلك في غفلة منهم؟!!!
ظنّوا أنهم بالتضييق والحصار، بالإرهاب وقتل قادة المقاومة، يروّعون الناس ويبعدوهم عن هذا الخط المبارك، هذا لأنهم لم يقرأوا كلمات الإمام الخميني العظيم (قدس سره) " اقتلونا فإن شعبنا يعي أكثر فأكثر".
إن الإرهاب الذي تمارسه إسرائيل على الشعب الفلسطيني لن يثني هذا الشعب الأصيل عن قول كلمته الحرة في مواجهة إرهابهم، في التحدي والصمود، في الوقوف مع الحق، والنضال من أجل استعادة حقّهم المسلوب.
أما كيف ستتصرف أميركا وإسرائيل والدول الغربية مع هذا الموقف الجديد؟!!
إنهم مجبرون على الرضوخ لأحكام الديمقراطية، واحترام كلمة شعب اختار ممثّليه، ومع إعلان النتائج كان الرئيس الأميركي يسارع إلى إعلان موقف بلاده الذي ملّ الناس سماعه : "على "حماس" نزع سلاحها والتحوّل إلى حزب سياسي، والتخلّي عن محاربة إسرائيل...." وتناغم معه كالعادة وزير خارجية بريطانيا وفرنسا... ومن يسمع مثل هذه الحملات يظن أن المقاومة الإسلامية هي التي تعتدي، وتحتل، وتقتل وتهدم وتدمر و.......
يا للغرابة!... وربما لم يعد غريباً ما نسمع وهو ما يردّد في كل لحظة ، وفي كل يوم: يجب نزع سلاح المعتدى عليه، حتى لو كان بندقية أو صاروخاً بل ربما يأتي يوم يفكّرون فيه بإزالة الحجارة من الطرقات لأنها سلاح الغالبية لهذا الشعب المظلوم لتسرح إسرائيل وتمرح بدبّاباتها وطائراتها حيث يحلو لها دون أن تزعجها طلقة رصاص!
فليدعموها مادياً بالطائرات والدبابات وأحدث الأسلحة..
وليدعموها معنوياً بالتصفيق لها كل يوم على أنها بريئة وأن كل مقاومة تقف في وجهها هي الإرهاب..
وليدعموها بقدر ما يشاؤون! فلن يستطيعوا أن يقلبوا الحقائق، وإن زعموا ذلك، ولكن يجب أن لا ينسوا أن الحق مدعوم من الله سبحانه وتعالى وهو أقوى الأقوياء وأحكم الحاكمين، وأن الشعب إذا أراد الحياة يوماً فلا بد أن يستجيب القدر.
ماجدة ريا

لمن المستقبل؟

أزهرت المقاومة انتصاراً عام ألفين، وأثمرت في قلوب المحبّين نضوجاً ووعياً، ربما هي لم تقلب الموازين عندما انتصرت في الموقع الذي لم ينتصر فيه أحد قبلها، إنما بلورت حقيقة لم يستطع أحد قبلها الوصول إليها، وسطّرت بدماء الشهداء وآلام الجرحى وصبر الأهلين على كلّ ذلك معادلة جديدة ليس من السهل قلبها بكثرة الكلام واحتدام المواقف أياً تكن، محلّية كانت أم إقليمية، أم دولية... ما كتب بالدماء والآلام لا يبدّله أي مستجدّ من الأحداث مهما ظنّ البعض أنه يملك نهاياتها، باعتبار أنه طوى تحت جناحه قراراً أممياً ترأسه أميركا! ومن يقف تحت جناحها من الدول، أو من يقف على الحياد خوفاً على مصالحه. معادلة تقول "إن الحق منتصر، وإن الباطل كان زهوقا" مهما طالت الأيام، ومهما استكبر من استكبر وطغى من طغى، فقد طغى فرعون من قبل، وطغى الأباطرة والقياصرة، وكل العهود الغابرة والأمم السالفة تنبئنا بنهاية الظالم وظلمه وانتصار الحق عندما يجد هذا الحق من يعرفه ويصونه بالدماء.
نحن نعرف حقنا جيداً، ودفعنا مقابله الكثير من المعاناة، من الدماء الزكية التي لم ولن تكون رخيصة يوماً، لنضيّع ما حقّقت من إنجاز عظيم، ومن يستنير بضياء الشمس ونورها ودفئها، لن يتركه ليعود إلى الظلمات، حتى لو كلّفه ذلك الحياة!
يقولون الخروج عن الشرعية الدولية وأنا أقول من الذي صاغ الشرعية الدولية ومن الذي وضع حدودها، لقد استوقفني مقطع صغير في كتاب القانون العام الدولي للدكتور عبد الباقي نعمة عبد الله وهززت رأسي عنده طويلاً وهو يقول "الدول تلتزم بقواعد القانون العام الدولي بإرادتها وتخضع لأحكامه خضوعاً ذاتياً مع ملاحظة التطور الحديث الذي أدى إلىسيادة هيئات دولية تمارس دور الرقيب على الدول وتقوم بدور السلطة العليا أو الدولة التي هي فوق الدول، خصوصاً مجلس الأمن الدولي الذي لو قُدّر له أن يمارس وظائفه بموضوعية وعدم تحيّز وعدالة، استناداً إلى ميثاق الأمم المتّحدة، ولو ابتعد عن المحاباة والضغوط على الدول الصغيرة ولو تخلّى عن حق الفيتو المقرّر للخمسة الكبار، لأمكن القول إنه يمثّل الحكومة العالمية التي تخضع الدول لإرادتها وتؤدّي إلىاستقرار التعامل الدولي."
إذاً عن أي شرعية دولية يتحدّثون مع كلّ هذه المعوّقات التي تحول الشرعية الدولية ومجلس الأمن بالتحديد إلى شريعة الغاب حيث القوي يقتل الضعيف، ويذله، ويفعل ما يحلو له بحجة الشرعية الدولية؟ وهل مجلس الأمن أنشئ للحفاظ على الدول الكبرى ومصالحها؟ أم لحماية المظلوم وإعانته؟!! وأي استقرار سيصل إليه العالم مع حرّاس الأمن وعلى رأسهم أميركا؟ وأي شرعية هذه التي يفرضونها؟
هل الشرعية التي تجاوزتها أميركا ذاتها ضاربة بها عرض الحائط، مستبيحة كل الأعراف عندما اجتاحت بجحافلها العراق؟ وهل ننسى صور الأطفال والنساء والشيوخ والدمار.. والتي ما زالت تتوارد حتى الآن؟!
أم هي الشرعية الدولية التي تبقي كل القرارات المتعلّقة بإسرائيل في أدراج مغلقة لا يتذكّرها أحد؟!
أم ربما هي الشرعية الدولية التي تبيح لفرنسا التلويح باستخدام السلاح النووي من أجل تأديب الآخرين؟!!!!
الطاقة النووية ممنوعة للأغراض السلمية؟!! مسموح أن تستخدمها أميركا العاقلة والمهذّبة سلاحاً في هيروشيما؟! وأن تلوّح باستخدامها مجدداً فرنسا؟!
نعم... هذه هي الشرعية الدولية التي على البشر الإقتناع بها، ومن لم يقتنع تستطيع أميركا وفرنسا إقناعه بما تملك من قوة وأدوات... ولا من رادع أو وازع!
الشرعية الدولية هي حكم الدول الكبار المتسلطة من أجل تحقيق مصالحها، ونشر أفكارها من خلال نموذج الديمقراطية الذي رأيناه في أفغانستان والعراق... والسيف المسلط على رقاب العباد بما يملكون من كل وسائل التدمير والعنف والإرهاب!...
ولكن من قال إن هذه الشرعية هي شرعية أصلاً؟ ومن قال إن الموت والدمار والإعتداء يرهبنا؟ أو ينسينا مبادئنا وحقّنا؟ ومن قال إنهم الأقوى بكل ما يملكون؟
الله جلّ وعلا علّمنا، والتاريخ أكّد لنا أن الحق هو السلاح الأقوى والأمضى، ، أما الشر.. فله أن يأكل نفسه، وأن يرتدّ على صاحبه، وإذا كانت أميركا تظن بأننا لا نسمع صراخها مما أورثت لشعبها بفضل حكومتها المتهوّرة، فإننا نقول لها إننا نسمع ونرى، وقد خرجت سابقاً مرغمة من فيتنام، وها هي تود لو تخرج اليوم قبل الغد من العراق وما يؤخرها هو البحث عن طريقة تسمح لها بحفظ ماء وجهها، وإسرائيل خرجت مكرهة من جنوب لبنان...
لن يقنعونا أن القوة المتسلطة هي التي تصنع المستقبل، وإن كان بعض الأشخاص قد درجوا على الوقوف مع الأقوى على أنه رابح مؤكّد، دونما الأخذ بعين الإعتبار هوية أو مبدأ، فينقلب من جانب إلى جانب، دون اكتراث لثوابت أو وقوف عند مبادئ.
الأساس هو أن يملك الإنسان مبدأ، ويحمل فكراً، إما يحيا به أو يموت دونه، ويستمرّ من بعده، أمّا القوة فعندما تتمثّل بالشر فإنها وإن استطاعت أن تؤذي فإنها قاتلة لنفسها، وسبب هلاك من يتّبعها، والمستقبل يبقى لأصحاب الحق حتماً، لأن الله سبحانه وتعالى مع الحق.
ماجدة ريا.

Monday, January 23, 2006

الحل الأمثل

كل يبحث عن فرصة التعبير عن الذات وإثباتها ، وهذه الذات يمكن أن يرقى بها صاحبها إلى مستوى الإهتمام بالبشرية بمجملها، وإلى الإنسانية بكل معانيها.
وهناك الذات التي تبقى محدودة بالأفق الشخصي والفردي وإن ارتقت فهي ترتقي إلى المجموعة، وتعصب عينيها عما هو حولها فترى ما يناسبها فقط.
هي مستعدة لأن تقتنص أي فرصة يمكن أن ترسم لها كياناً!
تلك الأصوات التي ارتفعت في لبنان مطالبةً بسحب سلاح المقاومة(!!) لم تكن مفاجئة، ولا كانت مفاجئة أيضاً الحدة التي يتّسم بها خطاب هذه القوى مؤخراً، وهي تنظر بعين الأمل إلى المجتمع الدولي المنكفئ تحت جناح الرئيس الأمريكي _ ومن ورائه "إسرائيل" _ وترى أن هذا وتلك أصبحا سنداً مهماً لها لا يمكن تجاهله، حتى الأقطار العربية الشقيقة التي تسير وراء السياسة الأمريكية، تسير وهي مطأطئة الرأس لا تكاد تسأل عما يجري ولسان حال الجميع: لا نستطيع أن نقف بوجه أحد؟!
سابقاً قيل كلام مماثل للمقاومة الإسلامية عند بداية الحرب مع "إسرائيل"، وجوبهت محلياً ودولياً ، لم يؤيدها سوى النذر القليل. وبهذا النذر القليل استطاعت صنع المعجزة التي لم تقوَ على صنعها الجيوش العربية مجتمعة! ومضت بثبات منتصرة بإذن الله تعالى، وقد شهد بذلك القاصي والداني.
لم يتغير شيء في الهجمة على وجود المقاومة ـ التي لم يرد لها أن توجد من الأصل ـ ولو كان باستطاعتهم القضاء عليها قبلاً لفعلوا، هم لم يوجدوها وإرادتهم في إيجاد الشيء وعدمه لا زالت هي هي، والضغوط مورست سابقاً ولا زالت وستستمر على مدى التاريخ. ولكن هل تراهم سمعوا سيد الشهداء السيد عباس الموسوي رضوان الله عليه وهو يقول "اقتلونا فإن شعبنا يعي أكثر فأكثر".
لم يتغير شيء، وأمة المقاومة الإسلامية هي أمة تكبر وتعظم ويشتد ساعدها بالتضحيات وبالشهداء، وتصرخ بأعلى الصوت لا للإملاءات الأمريكية الإسرائيلية وإن جمعت حولها العالم كلّه، نحن قوم على حق ويكفينا أن الله هو الحق المطلق وكفى، ولو لم يبقى معنا سواه، يكفينا الله وكيلا.
مشروع الهيمنة على المنطقة بات واضحاً ومعروفاً للجميع، وأن العملية ليست كما تصوّر للبعض، بأنها مجرّد عملية تسليم سلاح وستنعمون بالأمن والاستقرار إلى جانب الدولة المغتصبة لحق الشعوب والتي لا زالت وأمام أعين المجتمع الدولي "الموقّر" تمعن في القتل والتدمير في صفوف الشعب الفلسطيني دون وازع أو رادع، ولم يردعها عن فعل ذلك في لبنان سوى توازن الرعب التي تفرضه عليها المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان.
والكيان الصهيوني سعى ولا زال يسعى في كل محفل دولي أو غيره وفي أمريكا بالخصوص ليصل إلى كسر القوة الرادعة في لبنان كي يحلو له فعل ما يشاء.
ومن السخرية بمكان أن بعض ضيّقي العقول، أو أصحاب المصالح الآنية يتوهّمون أن "إسرائيل" مرتكبة الفظائع الإنسانية، مبيدة الشعوب لتبني مجدها على دمائهم، ستأتي لهم بالمنّ والسلوى، وستبني لهم لبنان المستقبل.. لبنان الصداقة والمودة، أو أنهم يريدون أمن العبيد مع الأسياد الأمريكان.. أو أن أمريكا مهتمة بصداقاتهم كي تطيح بغيرهم وتنصًّبهم رؤوساً ونقطة على السطر ؟
من الغباء أن يبقى بشري على وجه الأرض وخاصة في منطقتنا لا يعرف أن القاموس الأمريكي يقول : "إسرائيل" ثم "إسرائيل" ثم "إسرائيل" ومن بعدها الطوفان. فإلى أين هؤلاء هم ذاهبون؟ إلى أحضان "إسرائيل" يستنجدون بها ممّن يريد أن يحميهم منها دون مقابل؟
أي عنجهية مدمرة هذه، إنها حتماً ستقتل صاحبها قبل غيره. ولكن ألم يتّعظ هؤلاء من ما جرى على العملاء؟ كيف عاملتهم "إسرائيل"، ورفضت دمجهم بشعبها واعتبرتهم شعباً درجة ثانية أو أقل؟! وهم الذين استماتوا في الدفاع عنها ؟
فما بالكم بمن يريد أن يضع البلد بين يديها، منزوع السلاح، مطأطئ الرأس، أي ثأر ستثأره عندها؟؟!
أما أمريكا فلديها مشاريعها الخاصة في المنطقة وليست خافية على أحد، الهدف الثاني إيران وسوريا وهذا بات واضحاً ومعلوماً، وما على السيد الأمريكي سوى أن يطلق صفّارة الحرب لتندلع، وما هذا التردد ؟ يريد أولا أن يضمن أمن "إسرائيل" لأنه يعرف بأن المقاومة الإسلامية في لبنان لن تقف مكتوفة اليدين. وبذلك يصبح الهدف الأمريكي واضحاً، فهو يريد أن يضمن الأمن لشمال الكيان الصهيوني الغاصب قبل أي خطوة أخرى.
هذا الإهتمام بلبنان ليس اهتماماً بالأشخاص الأصدقاء لواشنطن كما يتصورون، بل بمصالحها الخاصة، وفي اللحظة التي تجد بأن أصدقاءها يجب سحقهم فلن تتأخر في ذلك أبداً.
أليست هي من غذّى الطالبان في أفغانستان؟ وصدام في العراق؟ وعندما أينعت ثمارهم قطفتهم دون أدنى مشقّة!
وأنتم يا أعزائي وأخواني في الوطن، لستم سوى مطيّة تريد أن تمتطيها أمريكا و"إسرائيل" لتحقيق غاياتهما وتأمين أمنهما، ويذبحونكم عند أول مفترق طرق !
والمخطط جاهز لدى أمريكا، وتصميمها على هذه المنطقة واضح، وتريد أن تنفّذ ما بدا لها.
ولكن ليكن معلوماً أن شعار المقاومة الإسلامية هو "لئن خيّرنا بين السلّة والذّلة فهيهات من الذّلة " طالما فينا مقاوم فيه عرق ينبض .
ماجدة ريا

لوحة من السماء



انقضى النهار مثقلاً بمتاعب الدرس وهموم الإمتحانات، إنها الفترة الأصعب من السنة، حيث تنقضي أيامها ثقيلة طويلة، لا يؤنس وحشتها سوى رفقة كتاب توحّد معها حتى بدا كأنه لا ينسلخ عنها أبداً.
وقفت في نافذة غرفتها المطلّة إلى الشرق، لكنه ليس موعد شروق الشمس!... أيام تشرين تدغدغ الأنفاس بنسمات تشتدّ قسوتها حتى تكسر كل حواجز الجسد فتلامس أعماقه وتدعوه إلى الحياة.. هذه النافذة كانت متنفّسها إلى الحرية فيسرح بصرها إلى اللاّ محدود، وتقف عند حدود قمة الجبل حيث ترى منه شروق الشمس مع إطلالة كلّ صباح. وبينما هي تحدّق في مجموعة الغيوم التي اصطفّت عند أطراف ذلك الجبل بدأ حرف من النور المتلألىء البياض بالظهور شيئاً فشيئاً حتى اكتمل بدراً أبيض برّاقاً... إنه القمر في ليلته الخامسة عشرة.
ما هي إلاّ لحظات حتى تلقّفته غيمة كبيرة سارعت في إخفائه وراءها، كانت تنتظره قرب الجبل كعاشقين تواعدا ليلتقيا... إنها كبيرة، رمادية اللون، تميل إلى الإسوداد ... تتمازج فيها الألوان، فتفتح تارة وتشتد أخرى والقمر يظهر من بين ثقوبها فلا تلبث أن تخفيه في ثناياها كأنها تخشى عليه من التيه في أحضان غيمة أخرى!
حتى إذا ما اختفى خلف لونها الرمادي تجلّت بنوره مضيئة كأنها مصباح كبير عُلِّق في السماء... وتلألأت أطرافها وكأنها أسطر من ذهب مرصّع فبدت كإكليل نور يُتوِّج جبهة العروس.
انتبهت من وقفتها تلك على صوت أمها الحنون التي كانت دوماً تتفقّدها لتطمئن عليها وتحضر لها في كل مرّة كوباً من الشاي، أو من عصير الفاكهة قائلة: "هذا سيزيد من نشاطك يا عزيزتي." تشكرها وتعود لمتابعة دروسها بجد..
أشرقت شمس نهار جديد، والغيوم لم تعد متلاصقة بل توسّعت وانتشرت حتى كادت تغطي صفحة السماء.. جلست على شرفة غرفتها ترشف فنجاناً من القهوة، وتستجمع نشاطها قبل أن يبدأ نهار الدرس الطويل.. وفي جلستها تلك، وبينما احتضنت في عينيها القرى المترامية الأطراف، استقرّ نظرها من جديد عند أطراف ذلك الجبل، ثم ثبّتتها في السماء علّها تحلّ بعضاً من رموزها سيما وأنها قد بدت لها مثل لوحة أسطورية خرجت من العصور الغابرة، أو من حكايات الجدّات التي كانت تُروى...
ماردٌ أسود، يده ممدودة تحمل طبقاً مملوءاً على شكل دائرة منتفخة، ماردٌ آخر له كرش كبير قد أوسع الخطى وراءه كأنه حارسه! وحشود مختلفة تسير وراءهم، تراصَّت على بعضها البعض حتى بدت كتلة واحدة، أنهم موكب هذا المارد الذي ربما يحمل هديّة إلى ملك عظيم!...
أمامهم بحر كبير لا يخشونه بل هو بصفاء ازرقاقه يخشى سوادهم وظلمتهم فيوسعون الخطى فيه غير آبهين بسير طويل. من حولهم أشخاصاً يلهون، واحد يقفز هنا، وآخر يقلب هناك.. وغيره يركض كأنه في سباق! بينما ينام أحدهم على بساط الريح فيحمله إلى البعيد البعيد... كلهم يبتعدون، فيصبحون كأوراق خريفية، ملوّنة، مبعثرة في السماء منها الأحمر، ومنها الأصفر ومنها ما زال يحافظ على بعض الإخضرار الباهت حتى يعود أزرق متماهياً مع لون السماء.
كل هذا يجري حول هذا المارد الأسود الذي يبدو أنه غير آبه بشيء، بل يجدّ المسير متابعاً موكبه الجليل بكل أُبّهة وجلال.. فإلى أين يخطو هذا المارد العجيب.. برفقة هذا الجيش الرهيب؟!... وما هي تلك الإشارات التي تكبر وتصغر وتتبدّل ألوانها وكأنها عروس تستعرض فساتينها، ثم تختفي وراء الستار، خلف تلك الحشود التي لا زالت تمضي في مسيرها، فتنجلي صفحة السماء من ورائهم، تاركين فيها آثار أقدامهم، فلا تستعيد لونها الصافي بل تبقى معكّرةً بلون رمادي قاتم كأنه الغبرة المنطلقة من حوافر الخيول على طريق قروي ترابي مهمل.. وتبقى السماء كئيبة لا تستعيد هدوءها بسرعة، وكأنها ما زالت منبهرة بضوضاء هذا الجيش الرهيب.
وتساءلت في سكون "يا إلهي ... ليل واحد يفصل بين صيف وخريف!... ويكون نهاية لسلسلة أيام متواصلة من إشراقة الشمس في سماء صافية الأديم لا يعكِّر صفوها سوى بعض العصافير الصغيرة أو بعض الحمائم التي تطير هنا وهناك... فتبقى زرقاء نقية لتفسح المجال أمام ذلك القرص المتوهِّج أن يلهب الناس بحرارته... وينتهي كلّ ذلك في ليل واحد!... وصباح يحمل معه التّغيير المفاجئ. إنها اللحظة التي تفصل بين انتهاء حدث وإعلان آخر! "...
ابتسمت لفكرة خطرت في بالها مع توارد هذه الأفكار "قريباً تأتي لحظة تفصل بيني وبين سنوات الدرس الطوال، وتعلن عن نجاح يؤسس لمنهج جديد في حياتي!.."
ماجدة ريا