Thursday, November 16, 2006

الفقير والقدر

أنا أريد أن أكون
نفض عنه غبار آلامه، ورمى بطرفه إلى تلك الأوراق المرمية أمامه على الطاولة.. الخشبية الصغيرة، جمّعها، ثم بعثرها من جديد وهو يقرأ إمضاءه في أسفل كل منها " أنا أريد أن أكون.."
جملة لم تغب عن أوراقه...أبداً. وبينما تلك الأوراق تترجرج بين يديه، تناول من بينها ورقة غريبة عن أقرانها، لكنها ليست غريبة عنه أبداً... فهو من رسمها، وحدّدها بأدق تفاصيلها... بعناوينها الكبيرة والصغيرة، رسمها بريشته المكسورة، وأوراقه المجموعة من هنا وهناك... بيديه الباردتين كجليد أيامه التي يعدّها يوماً بعد يوم... رسمها بنيران فكره المتوّقد الذي لم تهدأ حرارته يوماً..
تأمّلها، إنها شخصيته، أشار إليها بسبابته، وبنظرات ثاقبة كالصقر كأنه في تحدّ مرير "نعم، هكذا أريد أن أكون..."
شيء كالبرق يلمع أمام وجهه، يبهره، يغمض عينيه بشدة كحركة تلقائية لذلك اللمعان المفاجىء، ويفتحهما مسرعاً ليستكشف مصدر تلك القهقهات العنيفة، ولكن قبل أن يتسنّى له رؤية أي شيء، يشعر بسخونة الدماء تسيل منه... كتم في قلبه صرخة ألم حادة لأنه لو أطلقها لأذهلت كل أثرياء الأرض فمادت بهم، لكنه لم يستطع أن يمسك دموعاً غزيرة انهمرت في صمت، رفع عينيه في الماثل أمامه ليتعرّف على غريمه، وما لبث أن تساءل بذهول
" أيمكن لنا أن نرى القدر؟"
ويجيبه الماثل أمامه مستهزئاً
" نعم، أنا قدرك هل تراني؟"
ضمّ جرحه بيده، ورفع في وجهه نظرات ملؤها التحدّي، هزّ رأسه وهو يقول
"لا أحد يفرض عليّ قدري، أنا أصنع قدري بيدي.."
" ماذا قلت؟!"
" قلت أن ضرباتك لا تخيفني، ولا تثبط عزيمتي، ومهما حاربتني، أنا سأكون أنا، كما أريد أن أكون..."
"خذ إذاً.."
وانهال عليه ضرباً بسيفه، فكان يتّقي الضربات العنيفة بصدره ومرفقيه، يصارع نوبات الألم في تحدّ رهيب، إلى أن شعر أنه في غيبوبة كالحلم، استفاق بعدها على هدوء أشبه بالسكون الذي يلي عاصفة مليئة بالعويل... نظر إلى جراحاته العميقة، فإذا بها قد اندملت، تحت عضلات صلبة، متينة، لا تخترقها السيوف، ها هو قوياً كما أراد أن يكون، ابتسم في سرّه وهو يردد
" أجل نحن من يصنع القدر."
ماجدة ريا

No comments: