Monday, March 13, 2006

المرأة الغربية بين الرغبات والمشاكل

كثيرات هنّ النساء الغربيات اللواتي ينجذبن إلى الحياة الشرقية وإلى الإسلام بالتحديد، وتظهر الدراسات أن عدد الأوروبيين الذين يعتنقون الإسلام في تزايد مستمر ويقدّرون بالآلاف في كل عام وجلّهم من النساء، وقد كان الإعتقاد يسود أن معظم هؤلاء النساء يعتنقن الإسلام بسبب الزواج من مسلمين، إلا أنه تبين فيما بعد أن معظم هؤلاء النسوة يعتنقن الإسلام بسبب قناعاتهن الشخصية وهذا ما تؤكّده الدكتورة هيفاء جداد المدرّسة في جامعة برمنغهام البريطانية.
إن الضجّة التي أثيرت حول دين الإسلام بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر دفعت الكثير من الغربيين إلى البحث في هذا الدين. والباحثون بصدق عنه وجدوا فيه دين "حب وتسامح وسلام". هذا ما قالته الآنسة " ماري فالوت" ـ وهي إحدى الفرنسيات اللواتي اعتنقن الإسلام ـ في مقابلة معها نشرتها صحيفة كريستيان ساينس مونيتور في 29/12/2005، كما تقول إن هذا الدين "يجيبها عن كثير من الأسئلة الروحانية التي لم تكن تملك لها إجابة"، إضافة إلى ذلك هي تبدي إعجابها بالطريقة التي يحددها الإسلام للتقرّب من الله سبحانه وتعالى، وما يتميّز به من استقامة وبساطة ووضوح، والسلوكيات التي يتوجّب على المرء اتباعها.
إنها عيّنة من أشخاص المجتمع الغربي الذين استشعروا من هذا الدين الحنيف أهمية القيم والمفاهيم والتعاليم الإسلامية التي تكسب الروح سلاماً وأماناً كانوا قد افتقدوه في طريقة حياتهم، في تعاليمهم ومفاهيمهم، وهذا ما يجعلهم يندفعون نحو الإسلام.
أما لماذا النساء أكثر من الرجال؟ فإننا نلمس الإجابة على هذا السؤال عند المتخصصة بدراسة حالة النساء الهولنديات اللاتي يعتنقن الإسلام "كارين فان نيوكيرك" والتي تقول "إن هؤلاء النسوة ينجذبن إلى الفكرة الخاصة عن النساء والرجال التي يقدمها الإسلام حيث يوجد هناك متسع أكبر للأسرة والأمومة، فهي في الإسلام ليست وعاء للمتعة فقط".
ومن هنا يتبين لنا أن المرأة الغربية عندما تطّلع على دين الإسلام وتدرك من خلال اطّلاعها المكانة المهمّة التي أولاها الإسلام للمرأة ودورها في الأسرة دون أن يسلبها أية حقوق أخرى، بل على العكس فإن الأسلام أعطى المرأة الكثير من الحقوق مقابل ما يمكن أن تحصل عليه في باقي القوانين.
فعندما تدرك المرأة الغربية مدى الإحترام التي تحصل عليه في أسرتها، والأمان الذي تعيشه، فإن ذلك سيدفعها نحو اعتناق هذا الدين الحنيف في ظل تفكك أسري واضح يعيشه الغرب نتيجة تحلل الأفراد من مسؤولياتهم ولهاث كل من المرأة والرجل نحو المال والسلطة دون أية اعتبارات أخرى، مما أدى إلى تدهور كبير في العلاقات الأسرية دون أن يكون لها سقف يحميها.
ففي بلد مثل الولايات المتحدة الأميركية حيث التفاخر أن المرأة قد حصّلت ما تصبو إليه من حرّية وديمقراطية، تظهر قراءة حقيقية لواقعها مدى القهر والتخبّط الذي تعيش فيه، بحيث يشير أحدث التقارير والدراسات إلى ارتفاع نسبة الطلاق إلى حدود 60 بالمئة، ولا تتردد النساء هناك في اعتبار أن المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة تكاد تكون مؤامرة في ظل عدم قدرة الكثيرات على التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والأبناء.. وقسم آخر من الأميركيين يرد سبب ارتفاع نسب الطلاق إلى الحرية التي حصلت عليها المرأة في الأعوام الثلاثين الماضية وبسبب انهيار القيم التي تحكم العلاقات بين الأشخاص.
كل ذلك ينعكس بإيجاد شعور بعدم الأمان في إنشاء الأسرة، وهذا أيضاً يؤكده استطلاع الرأي ـ الذي نشره موقع (تقرير واشنطن) على الإنترنت في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2005 ـ والذي بيّن أن نسبة 20 بالمئة من الرجال و 13 بالمئة من النساء فقط هم الذين يملكون الإستعداد لإنشاء أسرة وهذا يعني تدنياً عالياً جداً في الإقبال على العلاقات الأسرية، ما يجعل ذلك المجتمع أكثر توغلاً في الإنحلال.
وربما ينتج إنكفاء النساء عن الرغبة في إنشاء الأسرة عن المآسي التي تواجهها المرأة هناك، إذ أن التقرير نفسه يشير إلى ارتفاع نسبة العنف المنزلي الذي يمارسه الزوج بحق المرأة والأولاد إلى درجة تصل إلى حد القتل إذ يؤكد "أن العنف المنزلي يتسبب في سقوط ضحايا أكثر ما تسقطه الأمراض وحوادث الطرق حيث أن 80 بالمئة من جرائم القتل هي جرائم عائلية وأن ثلث ضحايا القتل من النساء تم قتلهن على يد شريك الحياة أو الزوج."
هكذا، مع التوقف عند مثل هذه التقارير لم يعد مستهجناً أن يقوم البعض بالبحث عن ذاته، وعن أمان يحمي العائلة والفرد وهكذا تتوجه النساء نحو الإسلام الذي صان المرأة وحفظ حقوقها وبذلك يكون قد صان الأسرة أيضاً.
وهذا الإندفاع نحو الإسلام من قبل المرأة الغربية والذي يراه مدير وكالة الإستخبارات الفرنسية "باسكال ميلهوس" مثيراً للقلق بسبب تزايده المستمر، هو لإقتناع النساء بأن التزامهن بالإسلام لا يقف حجر عثرة أمام أعمالهن وطموحاتهن، إضافة إلى أنه يؤمن لهنّ الطمأنينة التي يرغبن بها، وهذا ما يدفع بـ "سارة جوزيف" ـ وهي إنكليزية اعتنقت الإسلام وتصدر مجلّة نسوية إسلامية باللغة الإنكليزية بعنوان "أمل" ـ لأن تقول "إن الفكرة القائلة بأن جميع النساء الأوروبيات اللاتي يعتنقن الإسلام ينزعن إلى نمط انعزالي في الحياة بعيداً عن إفراطات النسوية الغربية هي فكرة ليست صحيحة."
فالمرأة الغربية تستطيع أن تعتنق الإسلام وأن تستمر في دراساتها وأعمالها وتحقيق طموحاتها ولن يؤخرها شيء عن ذلك، بل على العكس فإن الإسلام يشجّع على العلم والتعلم والعمل..
وأختم هنا بالقول أن البعض من النساء في مجتمعاتنا من اللواتي يحاولن تقليد الغربيات، قد يصلن إلى مرتبتهن في الوقت الذي تكون فيه هؤلاء الغربيات قد وصلن إلى اليقين الذي يبحثن عنه ويأخذن ـ بعد عراكهن مع الحياة ـ المكان الذي تسعى هؤلاء النساء من مجتمعنا بالنضال الشاق للتخلي عنه، فيتخلّين بذلك عن أمنهنّ وأمانهنّ، ليعيشنَ في الدوّامة والصراع الذي تسعى المرأة الغربية ذاتها للتخلّص منه، وربما يدركنَ عندها انهنّ وقعن في الخطأ.
إن هذه التقارير عن واقع المرأة الغربية إنما هي شهادات واقعية على عزّة المرأة في الإسلام التي لا تحتاج إلى شهادة كي تعتز بإسلامها.
ماجدة ريا