Monday, January 01, 2007

على الطريق

هدوء هذا الصباح، هنا في الضاحية ينبىء أن كثيراً من الأبنية السكنية آيلة للسقوط، بعد أن سقطت البناية الأولى أثناء هذه الليلة، هي الليلة الرابعة منذ بدء العدوان ، وهي الليلة التي كبّرنا فيها كثيراً وقبضاتنا مرفوعة إلى الأعلى ونحن نرى البارجة الإسرائيلية التي بدأت القصف تحترق في عرض البحر.كنا في الملجأ، حوالي الخمس عائلات فقط، بعد أن غادر معظم الناس إلى أماكن يمكن أن تكون أكثر أمناً.
كان زوجي قد طلب مني ومنذ اليوم الأول أن أذهب إلى القرية حيث أهلي وأقاربنا، لكنني آثرت البقاء معه هنا... في هذا الصباح أعلمني أنه لن يستطيع التنقل، وسيؤدون عملهم من مكان ما، وسيكونون في حالة طوارىء دائمة إلى أن تنتهي الحرب، وأبلغني
"يجب أن تذهبوا إلى القرية، لا مجال للبقاء هنا، اتصلت بأخي محمد وسيأتي ليأخذكم، جهزي ما تحتاجونه، وكوني مستعدة لتغادروا فور وصولهم"
أعطاني مبلغاً من المال، سلّم علينا، وغادر.
على عجل، جهّزت بعض الأمتعة، عندما سمعنا صوت الطائرات، وتجدد القصف، وعلى عجل نزلنا إلى الملجأ مجدداً، حيث كنا قد وضعنا تلفازاً لمتابعة الأخبار، وعرفت أن القصف يتركّز على الطرقات، قصفوا الآن طريق المطار، انتابني شعور لا يوصف من الرعب، الجيران ينظرون إلي ويقولون لي
" ما الأمر؟ أنت التي كانت ترفع من معنوياتنا؟ "
"نعم، أنا جداً خائفة، أخو زوجي وابن أخيه قادمان على هذا الطريق، ماذا لو جرى لهما مكروه بسببي أنا وأطفالي؟!"
بدت لي الفكرة غير محتملة، فبدأت أتوسل إلى الله أن يوصلهما بسلام، لم يبقَ لون في وجهي، والدموع تحجّرت في عينّي، ويداي مفتوحتان إلى السماء...
حاول الموجودون تهدئتي، "إنها مشيئة الله"
" ونعم بالله..."
لحظات مرّت، مريعة بثقلها، وإذا بسلفي ماثل أمامي، وجهه بلا لون، سلّم على الجميع، ابتدرتهما بلهفة
" حمداً لله على سلامتكما"
"سلّمك الله، هل أنت جاهزة؟"
" أجل، لكن لنبقى بعض الوقت علّ القصف يهدأ؟"
اتصل بزوجي وسأله، ثم قال "يطلب منا أن نغادر في الحال"
صعدنا إلى الشقة، أحضرنا الأمتعة، وضعناها في السيارة، التي انطلقت بنا تمخر عباب الريح، قال سلفي لابن أخيه
"اسلك الطريق الجانبية التي لا تمرّ في الضاحية"
"طبعاً"
التفت نحوي وقال:
" هل عرفت أن القذيفة التي سقطت على طريق المطار سقطت أمامنا، ولولا لطف الله وستره..."
" الحمد لله على سلامتكما! لا تتصوّر كم خفت عليكما!"
" الحمد لله"
ولكن هل انتهى الخوف الآن؟! ربما هو بدرجة أقل لأنني الآن أنا معهما، وما يصيبهم يصيبني، هذا يخفف بعض القلق والتوتر ويبقى انتظار المجهول، فالطرقات مستهدفة، هذه الطريق بالذات وهي الطريق الوحيدة المتبقية التي تربط بين بيروت وسهل البقاع باتت مرصودةً، تختار منه طائرة الإستطلاع من دون طيّار " الأم كا" ما يحلو لها من السيارات أو الشاحنات لقصفها... وتبقى الطريق سالكةً لمن يريد أن يخاطر!
كانت الضرورة تحتّم علينا سلوكها، فكان لا بدّ أن نفعل ذلك، ونحن مسلمّون بقضاء الله، حملت بيدي مصحفاً صغيراً وانصرفت إلى تلاوة آياته التي تجعلنا مطمئنين وسط هذا القلق المريع.
اليوم بالذات قصفوا سيارة كانت تتحرك على هذه الطريق، إنه شعور رهيب، أن يكون الإنسان مستهدفاً في حياته دون أن يكون قادراً على فعل أي شيء! عندما يكون المرء في الجبهة ، يقصف ويُقصف، يرمي ويُرمى عليه، يرى أعداءه يُقاتلهم ويُقاتلونه... ويكون وسط معركة حقيقية، يكون هنالك نوع من تكافؤ الفرص في أن تقتل العدو أو يقتلك، ولكن عندما تندسّ كل تلك الطائرات اللعينة الخاصة بالمراقبة والمزوّدة بقنابل للقتل، وأن تسمع صوتها في كل مكان فلا تعرف متى وأين وكيف يمكن أن تغتالك! عدا عن المقاتلات التي ترمي بأطنانها المتفجرة في الأهداف " المدنية" المحددة لها، فهذا ما لا يمكن احتماله.
هو سلاح الجو، وأنا أسميه في مثل هذه الحالات سلاح الجبن والغدر بحياة الأبرياء والآمنين، ويبقى الإيمان بالله كبيراً، فإما أن ننجو، وإما أن نستشهد، وقد رضينا بكل ما يأتي من الله عز وجل.
وصلنا إلى القرية، بعد حوالي الساعة والنصف من حالة التوتر والترقّب، خرج الأهل إلى الطريق لملاقاتنا، كما لو أننا جئنا من السماء، كان الجميع يسلّم علينا بحرارة ودموع الفرح ترتجف في العيون.
هو مشهد من مشاهد الثلاثة والثلاثين يوماً من حرب تموز على لبنان.
ماجدة ريا