Tuesday, August 22, 2006

عندما يبكي القمر


ليل الحرب رعب...
عندما يهدأ كل شيء ويستكين، ليزمجر صوت الطائرات وانفجارات صواريخها، يصبح الصوت أكثر إرعاباً.
القمر يتوسّط السماء، يصغي لما يجري، يسمع بعض الوشوشات، يصغي أكثر ليعرف ما الذي يدور تحت سقف ذلك البناء، وما الذي يحضنه، فقد تهادى إليه من داخله همهمات محببة، تذكّره بدفء ليالي الأحبة التي يحن إليها.
يسترق السمع أكثر وأكثر من بين أزيز الرصاص، وهدير المدافع، وصدى الصواريخ... فيتناهى إلى سمعه حنين أمهات يناغين أطفالهن، عسى أن يسكنوا، وقد أرعبتهم تلك الأصوات... وبعض العجائز يتقوقعن في الزوايا، يتساءلن هل من نجاة!...
ذلك البناء في قانا، كان يحضنهم، يحاول أن يدرأ عنهم ما يخافون... أن يهدّئ من روعهم... لكنّ الأصوات وأصداءها كانت أقوى منه، تبث الرعب في المكان.
ويهتزّ القمر في مكانه، وتتأرجح نظراته بين أمهات خائفات على أولادهن، وأطفال يختبئودن في أحضانهن، وعجائز لا يعرفن ماذا يفعلن..
لحظات سكون نزلت، آلة الرعب تنحسر لسبب ما لم يعرفه أحد، لم يكن الجمع المحتشد في ذلك المكان يعرف ماذا ينتظره، فاستغل الأطفال اللحظات الهادئة كي يتركوا لجفونهم فرصة الانطباق بعدما حرمتها أصوات القذائف من ذلك على مدى ساعات.
وفجأة.. انكسر جدار الرعب، وتجسّد دماراً مزلزلاً على رؤوسهم، فتشظّت الأجساد، وتهاوى الأطفال، وسالت الدماء...
وتململ القمر في السماء، يتساءل عن حقيقة ما جرى!
هل ما زلت أنير أرض البشر؟ أم أنني نُقلت على حين غفلة إلى بلاد طغى فيها الشر وعربد، حتى عرّش بعربدته على جثث الأطفال وتفرعن حتى قتل ودمّر...
أما زلت أنا القمر!...
ويسمع ضجة ملائكة السماء... بأي ذنب يقتل هؤلاء الأبرياء؟
أفقط لأنهم جاوروا أهل التلمود؟!!!...
أو لأنهم أرادوا أن يعيشوا على أرضهم بسلام!...
وينوء الليل بحمله الثقيل، ويتشقق فجر يوم جديد، محاصر بالنار والحديد، وترتفع الشمس بخجل في السماء، ترسل أشعتها لتحتضن هؤلاء، تدثّرهم بها، وتحوّلهم إلى نور...
نور يضيء العالم ويسطّر فيه العِبَر...
نور يرسم طريق الحرية مزدانة بالعزّة والكرامة.
ولا زال القمر في عليائه، يبحث عن الدفء والحنين، أين يجدهما؟ لقد توزّعا في عيون الأمهات والأطفال والعجائز... لكنه بات يخاف أن يراقب أو يسمع، بعد أن تتالت المجازر، وتوالت الآهات والأنّات فبات لا يطيق ما يرى...
في ليلته الخامسة عشرة، ظهر بكامل وجهه، لكنه وعلى غير عادته، اختفى بياضه الناصع، وامتقع لونه، حتى غدا وردياً بلون الدماء نورُه وهالته التي تلفّه...
فهل كان يبكي دماً لأولئك الأبرياء؟ ومناظر الأطفال تتوالى عليه تترى من تحت الركام؟!
ربما!!!!!
لكن، لم تطل فترة الحداد..
سرعان ما استعاد القمر لونه، وتلألأ ببياض الإنتصار، وهو يرصد ضحكات المقاومين عند الثغور وهم يهزؤون من جنود الأعداء، وينتقمون لدماء الأبرياء...
وعاد لينير دروب الأباة، ويروي للتاريخ ما يرى.

ماجدة ريا
21/8/2006

Monday, August 21, 2006

راية النصر


ها أنا ذا أخوتي وأخواتي أعود إليكم، وفي فمي البشرى، ومن روحي زغردات الإنتصار.
وها هو شعب المقاومة في لبنان، يخرج من تحت الركام، ينفض عنه غبار حرب شعواء، يخرج مارداً أقوى وأصلب مما كان، مارداً يملأ صدى خطواته كل الدنيا!
وها أنا أخرج مع شعبي حاملة الراية الصفراء...
هذه الراية التي أرّق وجودها العدو، فجاء بكلّ عديده وعتاده، بكل تعنته وتجبره، بكل عنفه وقسوته، جاء إلى لبنان ليزيلها من الوجود، لكنّها أبت إلاّ أن ترتفع حتى من تحت الركام، من تحت الأبنية المدمّرة، ولم يستطع حقد طائرات العدو أن يمزّقها، رغم أنه كان يغير على ذات المكان مرّات ومرّات... وفي كل مرة يعود لينظر إليها بجنون فيراها لا زالت عالية، عالية، فترعبه ليعود ويغير على المكان ذاته من جديد..
وها هي الراية الصفراء تلوّن أهداب الكون، وتنشر عبق أريجها في أرجائه.
نعم، لقد ارتفعت لترفرف في كل مكان من هذا العالم ولتصبح رمزاً للمجد والعنفوان، رمزاً للمقاومة.
ها أنا أعود وكلّي فخر وعزّ بأنني فرد من أبناء هذه المقاومة الرافضة للذل والخنوع والإستسلام...
ها أنا أعود وكلّي نصر ، ليس كأي نصر!
رغم كلّ آلام الجراح... خاصة من أولئك الذين كان لهم النصيب الأكبر من العطاء...
الشهداء في المواجهة، الشهداء الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء ... إنما أجرهم على الله، ومثواهم جنان الخلد.
والجرحى الذين ما زالوا يعانون، ومنهم من سيحمل معاناته مدى الحياة، كذلك أجرهم على الله ولهم جزيل الثواب، هؤلاء يدركون أن من هذه التضحية قطفنا ثمرة النصر العزيز، ومن هذا الشعور يتحوّل الألم إلى الألم الأجمل والأبهى... سيكون ألماً جميلاً ولا شك مهما اشتدّ وعظم...
ولئن دمعت العيون، وبكت القلوب، لكننا في نشوة عز وفخر وقوة في البقاء، فبكل هذه التضحيات انتصرنا، فانتصر الدم على السيف، وانتصر الصمود على البربرية الهمجية للعدو الغاشم، وأجمل ما في هذا الإنتصار، هو ترسيخ هزيمة الجيش الذي لا يقهر، فذُل وقُهر وتهشّمت صورته، وتهاوى جبروته، وأثبت أنه ليس سوى نمر من ورق... وبرزت أسطورة الأساطير، سطّرها رجال المقاومة بدمائهم الزكية، وشعبهم بصموده الأبي... فاستحقوا الخلود.
رجال نصروا الله فنصرهم، وأعزّهم فهنيئاً لهم، وهنيئاً لنا بهم، وبانتمائنا إليهم، وهنيئاً لكل الأمة بنصرهم.
ماجدة ريا ـ 21/آب/ 2006