Thursday, February 01, 2007

الشهيد العائد

*أحاط بي رفاق مجموعتي، يدققون النظر في عيوني، وأنا أقول لهم "أسرعوا سأغطّي انسحابكم.
العدو يحيط بنا من كل الجهات، ولم يبقى أمامنا أي حل آخر، تحرّكت شفاههم بتمتمات الوداع الأخير، وانطلقوا عائدين، بينما أنا تأهبت لمواجهة مصيري الذي طالما حلمت به..
"شهيد" يا لها من كلمة عظيمة، لطالما دقّت مسامعي، وأرخت على خدودي مدامعي، وطمحت لها بكل تجاسر، وها أنا الآن أراها قاب قوسين مني أو أدنى...
نيرانهم تحيط بي من كل جانب، وأنا أرمي بنيران أسلحتي في كل اتجاه حتى كادت ذخيرتي تنفذ، وأيقنت أنها النهاية، تراجعت، وصلت إلى منزل مهجور، دخلته، وما هي إلا لحظات حتى سمعت أزيزاً يشبه الزلزال، وأصواتاً تتعالى...
نظرت من ثقب في الجدار، وإذا بالمنزل قد أصبح محاصراً من كل جانب بالجنود والدبابات، لعلهم يظنون أن المنزل يعج بالمقاومين!...
سمعت صوت الطائرة وهي تحلّق فوق المنزل، وعرفت أن المنزل بات عمره ثوان، كانت كفيلة بأن ألقي بنفسي من على الشرفة قبل أن يسوى المنزل بالأرض!
تسلّلت بين المدنيين، ووصلت إلى حرج القرية، وعدسات مراقبتهم تلاحقني من الطائرة، ومن الأشخاص... واقترب مني صوت المروحية الحربية، كنت دائماً أتمنى الشهادة، أما شعوري الآن فهو نزاع جديد، الشهادة كانت وستبقى هدفي ومرامي، لكنني في هذه اللحظات، وأنا أرى أن العدو يستميت في استعمال كامل قوته، فيزج بالطائرات والمقاتلين من أجل قتلي؟... كل هذا العديد والعتاد من أجل مقاوم واحد! فلو قدّر لي الله ونجوت من بطشهم، سيكون ذلك انتصار رهيب! وخذلان لهذا العدو المتغطرس... أجل من أجل ذلك تمنيت أن أبقى حياً، ودعوت الله أن أنجو... في لحظات حيرتي وأنا أتلو شهادتي، سمعت صوت الصاروخ الذي ارتطم بالأرض قربي، وفقدت وعي.
بعد وقت قصير، وعيت، وجدت نفسي مغموراً بالتراب، بذلت جهدي حتى أزلت التراب عني، نظرت حولي، رأيت الجنود يقفون على مقربة مني، كنت لا زلت أمسك بيدي قنبلتين، فتحتهما، وأنا أنتظر أن يقتربوا مني كي أفجر فيهم ما تبقى من ذخيرتي... لم يقترب أحد،وقد رأوا الدم يسيل من عيني ورأسي، وظنوا أنني مت، تركوني وغادروا جميعاً.
وما إن جن الليل، حتى نهضت من مكاني، وجدّيت في المسير باتجاه المنطقة المحررة... وأنا لا أصدق أنني لا زلت على قيد الحياة.
لست أنا فقط من لم يصدق، فقد ظن الجميع أنني استشهدت، وقد فقدوا الإتصال بي، وبث تلفزيون العدو صور الطائرة وهي تطلق الصاروخ على مكان وجودي... الجميع رأوا ذلك، وها هم ينظرون إلي كما لو أنني آت من عالم الشهادة، فأصبحت محجة للناس، يأتون ليتبرّكوا بي، ويطلقون علي لقب الشهيد العائد
ماجدة ريا