Tuesday, November 18, 2008

الحجاب بين الماضي والحاضر


عندما جبت بنظري في تلك القاعة، بدا واضحاً أن السمة الغالبة هي الحجاب، برغم كونها قاعة عامة، والحجاب فيها ليس واجباً. وعندما اتجهت نحو الشارع رأيت بشكل واضح نسبة ازدياد الحجاب، حتى داخل القرى بات للحجاب وجود فاعل ونكهة مختلفة.
أعود بالذاكرة إلى الثمانينات، في تلك الأيام، كان الحجاب يعيش غربة مريعة، وربما وجوده اقتصر على التقليد الأجوف إلا ما رحم ربي، فكان مجرّد غطاء للرأس درجت الجدّات والأمّهات على لباسه، ولم يكن له قواعد ثابتة، وما يهم هو وضع غطاء على الرأس.
في تلك الحقبة كان للكثير من الأحزاب والتيارات العلمانية أو المناهضة للدين سطوتها، وكان هنالك الكثير من الأفكار المغلوطة التي تُدسّ في المجتمع، وتجعل معالمه أقرب إلى معالم المجتمعات الغربية في بعض أفكاره، ولم تكن بعد نهضة الدين الثورية قد ظهرت بشكلها الجلي.
كان الحجاب غريباً، وعندما بدأت تجلّيات ثورة الإمام الخميني العظيم "قده"، وبدأ الالتزام بالحجاب الصحيح يظهر، كان يلاقي محاربة شديدة من قبل هؤلاء الذين كانوا يشكلون السواد الأعظم من الناس، إلا أن ظاهرة الحجاب المبني على أسس فقهية ودينية سليمة بقيت تتنامى برغم كل الحواجز التي كانت تواجهها، والتي لم تكن سهلة أبداً.
تلك الثورة المباركة التي رسمت للحجاب تفاصيله ومعناه، كانت ترسم مع ذلك صياغة الشخصية السليمة، ويأتي الحجاب كتفصيل من تفاصيل شخصية متكاملة الفهم والمعرفة لحدود وأبعاد هذه الثورة، سواء من الأخت التي أحبّت الالتزام بهذا النهج ومن ضمنه الحجاب، أو الأخ الذي سيكون راعياً لهذه المرأة التي تحتاج إلى مساندة ودعم وسط كل تلك التيارات المتلاطمة التي تهاجم حجابها الملتزم.
نعم في ذلك الوقت، كانت الدعوات إلى السفور والتبرج أسهل في النفاذ إلى المجتمع الذي كنا نعيش فيه، وكان الحجاب الملتزم يحارب كل هؤلاء من أجل إعادة بناء الإنسان، ومن أجل استعادة الهوية الإسلامية الصحيحة التي كادت معالمها تندرس، في مجتمع تتعدد فيه الثقافات، وتتلوّن فيه العادات، ولا بدّ لفكر ما أن ينتصر في فرض نفسه.
مذ وُجدت الثورة، التي أشعلت في الرؤوس مصابيح الإيمان الصحيح، كان خط الالتزام بالحجاب يسير بمنحى تصاعدي، وعدد المحجّبات الملتزمات يزداد يوماً بعد يوم بحمد الله تعالى ورعايته، وبفضل الفكر الذي كان يأتي دائماً بالحجة المناسبة للمكان المناسب، والذي ربّى من التزم به على قوة الإيمان بالله التي لا يمكن أن تُهزم، والتي كانت تُكسب صاحبها إرادة لا تقهرها الصعوبات، ولا يثنيها عن تقدّمها وتفاعلها في المجتمع أية مواجهة، فما كان لله ينمو.
لطالما لفت نظري في حينها عبارة كانت تُخط في كل مكان، يكتبها الشباب الملتزم "أختي حجابك أفضل من دمي" ليكون مسار الحجاب متصلاً بمسار المقاومة بشكل لا ينفصل عنه، وليكون متلاحماً مع هؤلاء الشبّان الذين نذروا أنفسهم لله، ومضوا في طريق الشهادة من أجل تحرير الوطن.
فقد كانت الثورة واحدة، والفكر واحداً، ليتكامل المرأة والرجل، الشاب والفتاة في هذه المسيرة التحرّرية الطويلة، فكان الحجاب ـ بما يعنيه من التزام المرأة الواعي وفهمها العميق لدوره ـ سنداً للمقاوم، وكان المقاوم ـ بما يعنيه من رفعة في الأخلاق وسمو في التضحية ـ سنداً للحجاب.
سارا جنباً إلى جنب، فكانا كالشجرة المباركة التي تؤتي أُكلها في كل حين، وكانت مسيرة مباركة من الله سبحانه وتعالى، أثمرت الانتصارات.
وبات الحجاب اليوم رمزاً للعزة والكرامة التي ارتبطت بإنجازات المقاومة، لأن هذا الحجاب كان له الدور الفاعل فيها، ولأن هذا الحجاب يُمثّل أم المجاهد، أو أخته، أو زوجته أو ابنته، التي تشاركه في درب النضال.
اليوم، ثبت للقاصي والداني صوابية هذا النهج، لكن الأجمل من ذلك هو أن هذا النهج بات نهج مجتمع، وباتت كل الأفكار والتوجهات الأخرى غريبة.
فالنهج الفكري الملتزم، بات له حضوره في مجتمعنا، حضوراً فاعلاً مؤثراً، جاذباً، لأن المجتمع تثبّت من صوابيته، فاتخذه نهجاً، ومن بقي غير ملتحق بهذا الركب من أبناء مجتمعنا فإنه ما عاد يحاربه، وإنما سعى جاهداً باتجاهه إلا من طبع الله على قلبه، فكان من هؤلاء الذين قال فيهم القرآن الكريم هم صم بكم عمي لا يفقهون، وهم قلّة قليلة.
حجاب اليوم بات أمتن بكثير من حجاب الماضي، وأفعل، بات يحرس الأمة وانتصاراتها لأنه هو الذي يُربّي ويُنتج ويؤهّل المجتمع المقاوم.
هذا لا يعني أبداً أن الحجاب لم يعد هنالك ما يتهدّده، على العكس، فهو ما زال مع المقاومة في خندق واحد لمواجهة التحدّيات الجسام في المحافظة على مسار المقاومة ونهجها القويم، لكنها تحدّيات زادت المحجّبات إصراراً على حجابهن، والتفافاً حول مقاومتهن.
فنرى المرأة المحجبة حاضرة بكل قوة، لترفع رأسها بحجابها أمام كل ما يتعرّض له هذا المجتمع من تهويل، ومن محاولة لحرف المسار.
ونرى المرأة المحجبة هي لب المجتمع الذي صمد وضحى وشجع وفدى خلال عدوان تموز الذي شنه العدو الصهيوني على لبنان عامة وعلى مجتمع المقاومة خاصة، وما رضخت فكانت أخت الرجال في الشدائد.
ونرى المرأة المحجبة هي الأم التي قدّمت أولادها شهداء، بوجه باسم، وجبين وضّاء، ينير لنساء العالم دربهن لتكون لهن مثلاً جديراً بالاقتداء.
في أيّامنا هذه السفور بات هو الغريب، والحجاب هو السمة الظاهرة، لكنه ليس حجاباً بصورة واحدة، بل تعدّدت أشكاله وصوره، فهل هذه الأشكال والصور تشكّل وجهاً واحداً لهذا المجتمع؟ أم تشكّل وجهاً جديداً للمواجهة مع هذا المجتمع؟
وماذا يمكن أن يكون نوع هذه المواجهة؟
هذا ما سنتحدّث عنه وعن تعدّدية أنواع الحجاب في الموضوع القادم ان شاء الله تعالى.
ماجدة ريا

Thursday, November 13, 2008

هل نضرب الصغير؟


يقول البعض إذا كان ضرب البالغين خطأ فإن الأَولى أن يكون ضرب الصغار أكثر خطأ، لأنهم غير قادرين على حماية أنفسهم، إضافة إلى أن الضرب يجعلهم ينظرون نظرة تشاؤمية وغير واثقة للأمور.
على قسمات وجهه البريء ارتسمت علامات التحدي، يرمق العالم من حوله بنظرات هي خليط من القلق الممزوج باستطلاع ردّ فعل الأشخاص، وهل أحدهم سيرفع يده ليضربه؟ فهو يتعرّض للضرب من قبل أقرب المقربين له، وأحبهم على قلبه، وهم أمه أو ربما أبوه.
برغم شدّة صغر سنّه، فهو يُضرب على يده أو على قفاه أو يُسقط عليه أي من تلك الحركات التي تعتبر ضربات تأديبية، بينما هو يتلقّى كل ذلك بعجز تام، فإمّا يخضع خوفاً أو يتمرّد، ومن ثم لا يجد أمامه سوى خضوع قسري لا يُكسبه قناعة، وربما في أغلب الأحيان لا يستوعب لماذا ضُرب بهذه القسوة.
وفي كثير من الأحيان يتعامل الأهل مع الطفل على أنه ممنوع عليه الخطأ، وإن أخطأ يعاقب كي يكون كما يريد له الكبار أن يكون، فلا يعود طفلاً يسير في طريق الطفولة التي تحتاج إلى رحابة صدر وطول بال في تقويم سلوكها وتربيتها، وتفكيك الأمور السلوكية المعقّدة دونما اللجوء إلى الضرب كأداة للتربية.
والمقصود بالضرب هنا هو الضرب المعقول وليس الضرب العنيف الذي يُقصد به إيذاء الطفل. ومثل هذا الأمر موجود في المجتمع، وهو يُعبّر عن معاملة سيّئة يُعامل بها الأطفال من قبل ذويهم الذين يكونون عادة سيّئي الطباع.
أمّا ما نتحدّث عنه الآن فهو الضرب الذي يُعتبر مقبولاً من شريحة كبيرة من الناس الذين يظنون أن تربية الطفل لا تكون إلا من خلال ضربه عندما يُخطىء، كي لا يتجرّأ على ارتكاب مثل هذا الخطأ مرة ثانية، ظناً منهم أن خوفه من تأنيبه بالضرب سيجعله كما يريدون. ولكن هل فعلاً يحدث ذلك؟ وهل ضرب الطفل يعصمه عن تكرار الخطأ؟
ومن هنا يطرح السؤال المهم الذي هو: "هل ضرب الطفل من أجل تربيته يعتبر أمراً صائباً؟ وهل يوفّر للأهل النتيجة المرجوة"؟ خاصة الطفل الذي هو دون سبع سنوات.
يرى التربويون أن ضرب الطفل غير ذي جدوى، بل على العكس من ذلك هو يؤدي إلى آثار نفسية سيئة لدى الطفل قد لا تُمحى بسهولة، وهو يشعر بعجزه أمام يد كبيرة تصفعه أو تضربه، وتترك بصماتها على كل حياته المستقبلية. لذا يرفضون مبدأ الضرب رفضاً قاطعاً، ويضعون عدداً من الأساليب التي يمكن أن تكون أكثر نفعاً وتأثيراً في تأديبه وتربيته.
وقبل كل أولئك التربويين، كان المعلم الأول والخبير الأكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قد حسم هذا الأمر بالنسبة الى من هم دون السابعة من العمر، ولأي سبب من الأسباب.. إذ يقول في الحديث الشريف: "اتركوه سبعاً وأدّبوه سبعا..". وهذا يعني أن الولد الذي هو دون السابعة يجب أن لا يحاسب، ولعل الحساب هنا يعني المعاقبة، أي يجب أن لا يعاقب، بمعنى أنه يجب أن لا يقوم أحد بإيذائه أو بضربه، وهذا لا يعني أن لا نشرح له الصواب من الخطأ، لأنه في عمر غير مدرك للأمور، ويتشكل إدراكه للأمور من خلال ما ينشأ عليه.
في البلدان الغربية هنالك قوانين صارمة بحق كل من يعتدي على الطفل بضربه في المدارس، والبعض من هذه البلدان يفرض قوانين صارمة حتى على الآباء والأمهات في تربية أبنائهم ومنعهم من ضربهم داخل بيوتهم.
وهناك دراسة أجرتها جمعية حماية الأطفال من القسوة، تقول إن هناك حاجة لقانون واضح لحماية الأطفال حتى في المنزل. ومثل هذا القانون غير موجود في بريطانيا، إذ يطبق فقط في المدارس، وتعمل الجمعية من أجل إيجاد مثل هذا القانون.
برغم ذلك نجد بعض الأشخاص الذين لا يعارضون التأديب الجسدي ويعتبرون أن وطأته قد تكون أخف على الطفل من الأساليب الأخرى التي قد تؤذي نفسيته أيضاً. ومن هؤلاء نورمان ولز، من جمعية العائلة والشباب في بريطانيا.
ومثل هؤلاء الأشخاص ما زالوا موجودين بكثرة في مجتمعاتنا، ومنهم من لا ينظر أصلاً في الوسائل الأخرى، لأنهم مقتنعون أن تربية الطفل يجب أن ترتكز على تأديبه بالضرب إن أخطأ، وأنه يجب أن يكون للأهل سطوة ومهابة يخشاهما الطفل، معتبرين أن الضرب هو الذي يؤمن لهما ذلك، برغم أن هذا الأمر غير صحيح على الإطلاق، وأن الأهل الذين يضربون أطفالهم سيما الصغار منهم، هم الذين يفتقدون هيبة الكلمة الفاعلة التي يمكن أن تؤثّر في الطفل بعيداً عن ضربه.
فإذا ما أخذنا عيّنة من الأطفال الذين يضربون من قبل آبائهم أو أمهاتهم داخل مجتمعنا، سنرى أن هؤلاء الأطفال هم الأكثر شراسة في التعاطي مع الآخرين، اذ تراهم غالباً ما يلجأون إلى ضرب الأطفال الأكثر هدوءاً واتزاناً، أو يضربون من هم أصغر منهم سناً من دون سبب، فقط تماهياً مع أهلهم الذين يضربونهم، أو ربما انتقاماً لعجزهم وضعفهم عندما يُضربون من قبل أهلهم، يضربون عندما يستطيعون ذلك ليقنعوا أنفسهم بأنهم ليسوا عاجزين.
وإذا ما استمررنا في مراقبة سلوك هؤلاء الأطفال سنجد أنهم لا يلتزمون بكلام أهلهم، وإذا أطاعوهم لحظات تحت وطأة التهديد أو الضرب، فإنهم سرعان ما ينفلتون من عقال ذلك بأقرب فرصة، لأن تنفيذ طلبات الأهل التي تتحول إلى ما يشبه الأوامر ارتبط بذهنهم بالضرب، وليس بحوار وأسلوب يشرح لهم مضار الأشياء وكيفية تفاعلهم معها، فيشعرون أنهم مكرهون دائماً على ما يجب أن يفعلوه.
لذلك يبقى هؤلاء الأطفال أكثر عرضة لارتكاب الأخطاء من الأطفال الذين يعاملون برقة وحنان، لأن المعاملة الطيبة للطفل تُشعره بالأمان، فتُكسب شخصيته الاتزان والإقبال على السلوك الحسن برغبة كبيرة بعيداً عن جو التعنيف والخوف.
كل الأطفال يخطئون، وتصدر عنهم الأفعال التي قد تغضب الكبار، لأنهم غير مدركين لتصرفاتهم، وإن بنسب متفاوتة، وجميعهم يحتاجون إلى التدريب وبث الوعي فيهم، ويحتاجون إلى صدر رحب يستوعبهم ويصبر على ما يصدر منهم من أفعال، على أن تتوقف الأم أو الأب عند كل فعل لشرحه وتفصيله للصغير، واستخدام مختلف الوسائل الهادئة التي توصل إليه الهدف دونما ضربه أو إيذائه. وأياً يكن من سبب يجب أن لا يُضرب هؤلاء الصغار، خاصة الذين هم في سنيهم الأولى، أياً يكن الفعل الذي صدر عنهم.
إن أهم ما في الأمر هو استيعاب الأهل لمدى قصور المعرفة لدى أبنائهم، والعمل على الارتقاء بهذه المعرفة بأسلوب حواري هادف وحنون، يصل معه هؤلاء الأبناء إلى بر الأمان.
ماجدة ريا

Saturday, October 25, 2008

"إسرائيل" والسطو على التراث اللبناني


من البديهيات التاريخية أن الكيان الصهيوني الغاصب قائم في أصله وأساسه على السطو، واحتلال أراضي الغير، وهو الكيان الذي تجمّع شتات اليهود فيه من جميع أصقاع العالم على أرض ليست لهم، بل اغتصبوها من أجل ذلك.
كل هذه البديهيات تؤكّد أنّ "دولة اسرائيل" التي زرعت على أرض ليست لها، لا ماضي لها ولا تراث، وأن سكانها من اليهود هم مجموعة من البشر ارتضوا لأنفسهم أن يكون لهم دولة على أرض اغتصبوها من أهلها معتمدين في ذلك سياسة القتل والتدمير والتهجير.
بقوة الإرهاب قام هذا الكيان الغاصب واستمر، وبدعم دولي غير مسبوق أخذ شرعية الدولة المسماة إسرائيل.
ولما كان "الشعب" في اسرائيل مكوناً من مجموعة أشخاص ينتمون إلى عرقيات وإثنيات مختلفة، لم يستطيعوا تكوين أي تراث يخص هذه الدولة المصطنعة، وكان لا بدّ من ايجاد هذا التراث، ولو على الطريقة التي قامت بها دولة اسرائيل، وهي طريقة السطو والنهب والسرقة من كل الدول المجاورة.
فالتراث هو الذي يشير إلى حضارة كل بلد، من ثقافة وفن وزي وفلكلور ومأكولات شعبية، فيحفظها على أنها تخص هذا البلد دون ذاك، فنرى أن كل بلد من البلدان يشتهر بخصائص تميّزه عن غيره.
وكان لا بد لـ"إسرائيل" من التعدي على تراث الآخرين، لتنسب ما تشتهيه لنفسها على أنه تراثها، على حساب تدمير تراث الآخرين وتشويه صورتهم.
وطبعاً كان للبنان نصيب الأسد من هذه التعديات، لبنان الذي تطمع إسرائيل في كل خيراته، في أرضه ومياهه، امتدّت يدها أيضاً إلى تراثه، لتسرق أهم ما يميز المطبخ اللبناني، وهي المازة اللبنانية ـ الحمص والفلافل والبابا غنوج والكبة (أقراص الكبة المقلية) والتبولة والفتوش ـ وتصنّعها وفقاً للطريقة اللبنانية الذي اشتهر بها المطبخ اللبناني منذ مئات السنين، ومن ثم تقدمها على أنها مأكولات من التراث الإسرائيلي، وعلى أنها صناعات غذائية اسرائيلية الأصل والصنع.
هذا الأمر يحدث منذ سنوات عديدة، فقد أكد أحد المغتربين اللبنانيين في كندا، أن هذه المعلبات التي تحتوي على هذه المأكولات اللبنانية الجاهزة تباع منذ أكثر من 13 سنة على أنها إسرائيلية.
كما أن إسرائيل تصدّر منذ سنوات الحمص الى بريطانيا، وتدّعي انه طبق تقليدي للشعب الاسرائيلي.
وتحتدم المعركة اليوم بعد تحرك جمعية الصناعيين اللبنانيين لتقديم دعوى ضد اسرائيل بسبب هذه السرقات، ولا سيما أنها تتسبّب بخسارة عشرات ملايين الدولارات سنوياً بحسب فادي عبود رئيس الجمعية، حيث تقوم "اسرائيل" بتصنيع هذه المأكولات وتقديمها في علب صغيرة بلاستيكية للمستهلك في المحلات والسوبرماركات في أوروبا والولايات المتحدة، على أنها مأكولات تقليدية إسرائيلية، بينما هي في أصلها وتركيبتها وأسمائها لبنانية.
كما يؤكّد فادي عبود أن الخسارة ليست مادية فقط، وإنما هي خسارة معنوية كبيرة، فـ"إسرائيل" تسرق حضارتنا، وهويتنا الثقافية، وموسيقانا واليوم مطبخنا. فوجئنا في معارض عدة برؤية الكشك والكبة والتبولة ودبس الرمان والحمص، والحمص بطحينة وماء الورد وماء الزهر ومئات الأصناف، مصنّعة في "اسرائيل" مع الادعاء انها أصناف اسرائيلية.
واعتبر أننا لا نستطيع منع "إسرائيل" من تحضير اصنافنا، ولكن على الأقل يجب الا نسمح لها بأن تسرق مطبخنا وتدّعي انه لها.
وحتى تتمكّن الجمعية من إقامة هذه الدعوى لا بد لها من إثبات تاريخ انتماء هذه المأكولات إلى لبنان وتسجيلها لتقديمها الى المحكمة الاوروبية، بما ان لبنان موقّع اتفاق شراكة مع أوروبا، إذ أن الدول الأوروبية بدأت بتسجيل أصنافها ومنتجاتها الزراعية والجغرافية منذ العام 1992، ولبنان لم يقم بتسجيل أي من منتجاته عالمياً بعد، لكنه يمكن أن يفعل ذلك الآن من خلال العمل على إعداد ملف كامل عن هذه المنتجات بمساعدة وزارة الاقتصاد والتجارة، ومن خلال الأبحاث التاريخية الموجودة حول هذه المنتجات، واذا ما اكتمل الملف يمكن تسجيل هذه المنتجات خلال 6 أشهر وسنة ونصف السنة، إذ يبقى ذلك رهن اكتمال عناصر الملف.
ويشير هنا فادي عبود إلى أنه "ليس بالضرورة ان تقتنع فورا الجهات الاوروبية المعنية، بل سيجري الأوروبيون تحرياً واسعاً للتأكد من أنّ هذه الاصناف لبنانية".
ويرتكز تفاؤل جمعية الصناعيين اللبنانيين في نجاح عملية التسجيل على سابقة حدثت اليوم، عندما حصل صراع حول الجبنة اليونانية "فيتا" وكسبت اليونان الدعوى، ولذلك يستطيع لبنان اعتماد الأسلوب نفسه الذي اعتمدته اليونان، وهو أن هذه المواد الغذائية معروفة تاريخيا وتقليديا على أنها مأكولات شعبية لبنانية".
كما استطاع لبنان سابقاً أن يثبت أن الحمص والكبة والصفيحة، اصناف وصلت الى البرازيل في عام 1862 مع هجرة اللبنانيين. واول علبة حمص بالطحينة، صنّعت في الشرق الاوسط، خرجت من لبنان، وكان ذلك في خمسينات القرن الفائت، بناء على أبحاث تعود إلى 200 و300 سنة.
لبنان الذي استطاع تحرير معظم أراضيه، واستطاع تحرير مياهه وأسراه، سيستطيع ان شاء الله تعالى تحرير كامل تراثه من براثن العدو الصهيوني الذي لا يكف عن الاعتداء، فلا بدّ لكل مقاومة تسلك طريق الحق من الانتصار.
ماجدة ريا

"جين بيت" اللعبة الجينية: حرب جديدة تحتاج إلى موقف

الكائن الغريب اسمه "جين بيت" أي الحيوانات الأليفة الجينية وهو الاسم الذي أطلقته عليه الشركة المصنّعة الموجودة في كندا وهي شركة "بيوجينيكا".
وهذه الشركة تعمل في الأبحاث الجينية منذ حوالى العام 2003، كان لها أن توصّلت مؤخراً إلى إنتاج هذا الكائن الغريب من أجل طرحه في الأسواق كلعبة للصغار.
تؤكّد الشركة أن هذا الكائن هو مزيج من جينات بشرية وجينات حيوانية!
قامت الشركة بخلط هذه الجينات للحصول على ما يشبه المسخ البشري، إذ أن هذه اللعبة تعتبر كائناً حياً، ينتمي إلى فئة الثدييات لكنه لا يستطيع التناسل، كما تحكمّت الشركة بموضوع سنوات حياته، فأنتجت منه نوعين، أحدهما يعيش لمدة سنة، والآخر يعيش لمدة ثلاث سنوات فقط.
كما تحكّمت الشركة المنتجة بالصفات والخصائص التي تمنحها لشخصية اللعبة من خلال استخدام الهندسة البيولوجية وألوان جينية فتحدّد هذه الخصائص كل نوع من هذه اللعبة حسب لونه، فاللون الأحمر يشير لكون اللعبة أكثر عدوانية وصرامة، أما الأخضر فيشير لهدوء واستقرار الحالة المزاجية للعبة، ويوجد منها سبعة أنواع مختلفة.
وهكذا تكون الشركة المنتجة قد حدّدت العمر الأقصى، والطبيعة لكل شخصية من خلال الهندسة الجينية التي اعتمدتها فيها.
يأتي هذا بعد أن حدّدت طبيعته وتركيبته الجينية الغريبة التي أعطته صفة الكائن الحي، فهذه اللعبة تتنفس ولها أوعية دموية وعظام وقلب ينبض وعظام تتحرك، تنزف إذا جرحت وقد تموت إذا أُسيئت معاملتها! لديها مشاعر وأحاسيس، تأكل وتجوع، غير أنها لم تخلق من أبوين كسائر الكائنات الحية.
ومن أجل المحافظة عليها زُوّدت هذه اللعبة بأجهزة رصد لحركات القلب وفتحات تهوية وتغذية، كما زُوّدت بأنابيب تغذية تتصل بعبوة طعام ملحقة بحقيبة محمولة داخلها وضعت خصيصا لتوفير التغذية المطلوبة لها بهدف إبقائها سليمة ونائمة، خاصة عند وضعها على أرفف المحال التجارية وعلى الرغم من ذلك فهي لا تخرج فضلات.
وعند بيعها، تُقدّم الشركة المنتجة لمن يشتريها مواد بروتينية معينة يتناولها هذا الكائن مرة أسبوعيا كي يبقى على قيد الحياة.
هذا الكائن يستطيع التفاعل مع مستخدميه بعد أن يُخرج من الصندوق البلاستيكي حيث يتخلص من حالة البيات الذي تتمكن منه طوال وجوده في الصندوق، ويفتح عينيه بالتدريج في خلال ما يقرب من 20 دقيقة.
إلاّ أنه لا يستطيع أن يتحرّك إلا حركات بسيطة للغاية تشبه حركات الطفل الحديث الولادة، فهو لا يمشي على قدمين ولا على أربع ولكنه يهتز في حركته ولا تصل هذه الحركة حتى إلى مستوى الزحف البطيء.
وهذا ما يُضفي عليه صفة الكائن العاجز تماماً سوى عن أنه يشعر بالألم لحالته، أو ربما لوجوده!
إن مسألة وضع مثل هذه اللعبة في الأسواق تُمثّل خطراً كبيراً على نفسية الأطفال وتنشئتهم، عدا عن أنها تُشكل تعدياً صارخاً على خلق الله سبحانه وتعالى الذي جعل الإنسان في أحسن تكوين! فإلى أي هوية يأخذ هؤلاء المتطفّلون على العلم "الإنسانية"، وإلى أي درك ينحدرون بها؟
ولو بقينا في مضمار رد الفعل التلقائي للأطفال، فالطفل عندما يفقد لعبة لا تحس ولا تشعر، لعبة بلاستيكية، يحزن لأنه فقد شيئاً يخصّه، وإذا ربّى قطة وتعلّق بها، وبدأ يشعر بأنها تستجيب له، سيحزن أكثر وأكثر عند فقدها، فما الحال مع هذا الكائن الذي يحس ويشعر ويتفاعل مع الطفل، ومن ثم يذهب إلى أجله المحتوم؟ أي وضع نفسي سيواجه الطفل عندها؟؟
عندها تطلب منه الشركة بكل بساطة أن يعيد هذا الكائن إليها لتستفيد منه مجدّداً في إعادة تدويره، أو يتوجّب عليه عندها أن يدفنه في حديقة المنزل! وكأن شيئاً لم يكن؟ فكم سيترك ذلك من آثار سلبية على نفسية هذا الطفل!
من المؤكّد أن الهدف تجاري بحت بل ذهب البعض إلى وضعه في خانة تحدي قدرة الله جلّ وعلا والعياذ بالله من مثل هذه الأفعال، فها هي الشركة حدّدت سعر اللعبة الواحدة بألف ومئتي دولار! هذا في المحال التجارية التي تخصّها حيث يقتصر وجود اللعبة حالياً عليها فقط، وما زالت الشركة المنتجة تنتظر حتى الآن الحصول على الموافقة الرسمية من الجهات المعنية لإطلاق المنتج العجيب في شتى أنحاء العالم، حيث يأمل مسؤولو الشركة الحصول على تصريح البيع والترويج قريباً.
وهذا يعني أن المعركة ما زالت في بداياتها من أجل الوقوف في وجه انتشار هذا المنتج، ومنع وجوده في أسواق بلداننا العربية والإسلامية، ولعل مثل هذه المعركة بدأت بوادرها تظهر حيث حذّرت بعض دول المنطقة من تداول مثل هذه الألعاب في أسواقها متخذة تدابيرها الخاصة في ذلك من خلال التشديد على منافذ دخولها سواء كان ذلك عبر الموانئ أو المطارات وأيضاً عبر المناطق الحدودية البرية بعد أن أكدت بعض المنظمات والهيئات الاسلامية تحريم تصنيع وتداول مثل هذه الألعاب، فيما أكد مصدر مطلع بالإمارات عدم تداول اللعبة المذكورة بالبلاد لعدم دخولها أصلاً.
كما أطلقت بلدية دبي منذ مدّة حملة تستغرق أسبوعاً للتأكد من خلو دبي من ألعاب جينية، وتمّ التّأكد أن الإمارة لا توجد فيها هذه اللعبة.
واعتبرت دائرة الشؤون الاسلامية والعمل الخيري بدبي أن تصنيع مثل هذه الألعاب خروج عن صحيح الدين الإسلامي وسائر الأديان وانتهاك لحقوق الإنسان.
ولا بدّ هنا من أن تستمرّ الحملات تباعاً للتأكّد المستمر سواء في دبي أو في أي مكان آخر من أجل درء خطر وجودها قبل حدوثه.
ولا بدّ من الوقوف ملياً أمام هذا التحدّي الجديد، ولا سيما أنه ما زال في بداية التسويق له، ولا بدّ من قيام حملة شاملة ومؤثرة، أولاً لاستنكار مثل هذه الأعمال، وثانياً من أجل منع وصولها إلى بلداننا بشكل قاطع.
ويبقى ذلك في عهدة الجميع، أفراداً ومجموعات وهيئات دولية رسمية وغير رسمية، إذ يجب أن يكون التحرّك بمستوى التحدي، وقبل تفاقم المشكلة.
ونسأل الله العافية لهوية بني البشر.
ماجدة ريا

Wednesday, October 15, 2008

الكائن الغريب




هل يتحوّل العلم إلى لعنة؟
إنه عصر الجينات والتحكّم بها!
تطوّر العلم، وتطوّره لا يقف عند حدود، وفي كل يوم بل وفي كل ساعة، وربما في كل دقيقة، تسمع عن خبر علمي جديد أو اكتشاف جديد أو تقنية جديدة.. وحقول التجارب جارية على قدم وساق، لا تقف ولا تتوقّف، منها ما يرقى بالإنسان ومنها ما يأخذ في طريقه كل شيء، من دون حدود ولا محرّمات.
في السنوات القليلة الماضية كان السجال حامياً حول مسألة الاستنساخ، سيما في ما يتعلّق بالبشر، وما بين موافق ومعارض لم يتوقّف هذا الأمر، والمعنيون به استمرّوا في أبحاثهم وتجاربهم غير آبهين لمن يوافق ومن يعارض.. ورأينا النعجة "دوللي" وغيرها من الحيوانات التي جرى استنساخها.
إلاّ أنّ هناك سؤالاً يفرض نفسه بقوة: هل يكون العلم من أجل الإنسانية وبنائها وتطورها؟ أم يكون فقط من أجل العلم وإجراء التجارب دون النظر إلى نتائجها؟ وإذا ما نُظر إلى نتائجها فما هو المعيار؟
هناك من قال إن مثل هذه الأمور تخدم الإنسانية.. ولكن هل كل الأبحاث تخدم الإنسانية! وهل يُسمح للعلماء فعل كل ما يريدون؟ وتحقيق كل تجاربهم دونما حسيب أو رقيب؟ وماذا عندما يصبح المعيار هو تحقيق الأرباح والمتاجرة بالعلم على حساب القيم والأخلاق الإنسانية، حتى لا نقول الدين، لأنه لا يوجد دين من الأديان السماوية يعارض القيم والأخلاق؟!
اليوم سمعنا عن الابتكار الجديد، ابتكار يهتزّ له الوجدان، ويؤلم الضمير الإنساني، ويقهر كل كائن يسعى لرقي بني عرقه من البشر.
اليوم تعرّفنا الى ما توصّلت إليه يد اللاعبين بالجينات من ابتكار فظيع!
تعرّفنا إلى تطور مريع ينزل بمخترعيه إلى الدرك الأسفل، إذ يمكن للإنسان السوي أن يتوقّع أي شيء، لكنه قد لا يتوقّع حدوث مثل هذا الأمر أبداً!
وعند التفتيش على الدوافع والأسباب سيجد أنها مادية بحت، تجارية بحت، ضاربة بعرض الحائط أي إحساس انساني.
فماذا نتوقّع عندما تُخلط الجينات البشرية مع أخرى حيوانية؟ من أجل إنتاج كائن حيّ غريب ومهجّن؟
سمعنا عن تهجين النباتات، ولكن عندما تهجّن النباتات فهي تطعّم بنباتات تماثلها بشيء ما، وهي كلّها نباتات.
وسمعنا عن حيوانات هجينة، سواء جاءت مبنية على إرادة إنسان أو لأن الحيوان حيوان يمكن أن يتزاوج مع حيوان يشبهه ولا يكون من فصيلته.
ولكن ما لم نتصوّره قط أن تُخلط الجينات الإنسانية بأخرى حيوانية! ويا للأسف، إلى أي درك وصل مثل هؤلاء المدّعين للعلم، ولم يفكّروا بتلك الروح التي ستنشأ عن عملهم ذاك، وهم يدركون أنها تتألم وتشعر كأي كائن آخر!
والهدف هو بيعها كلعبة للصغار وجني الأرباح الطائلة، لأن الجميع سيتّجه إلى شراء هذا الكائن الغريب الذي لم يسبق أن رأى أحد مثله أو حتى تصوّر وجوده، أو فكر بأنه يمكن أن يوجد أصلاً.
هذا الأمر مثير لفضول جميع الناس الذين سيفاجأون بوجوده.
ولكن كيف يُقدّم هذا الكائن للصغار الذين يشترونه؟ وماذا سيُقال لهم عندما ينتهي أجله المحتوم، لأنه يعيش فترة محدّدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات؟ وكيف سيتقبّل الصغار فقدانه بعد ذلك؟
وماذا عن مشاعر هذا الكائن الضعيف الذي افترى عليه العلماء بإيجاده؟ وهل بات الإنسان رخيصاً إلى الحد الذي تجمع جيناته بالجينات الحيوانية من أجل إرضاء فضول وجموح بعض الأشخاص غير الأسوياء؟
كيف يُسمح لهم بذلك؟ كيف يُسمح بانتشار مثل هذا الأمر من دون وازع أو رقيب؟
بئس العلم والعلماء عندما يكون الأمر على هذا النحو.. ونسأل الله العافية والنجاة أمام كل ما نسمع ونرى.
ماجدة ريا

Saturday, September 27, 2008

المسلمون في شهر الرحمة

الشهر الكريم يضيء أيامنا بنور تنتشر أشعّته في رحاب الأرض الواسعة، إذ لم يبقَ مكان في العالم إلا وقد قصده أحد من المسلمين، فأناره بنور الإسلام ورسالته السمحة.
حيث يحل المسلمون يحملون معهم دينهم بكل تطبيقاته وأحكامه، التي يدخل في صلبها شهر رمضان المبارك، الذي هو خير الشهور وأفضلها، والذي فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر.
يحتفي المسلمون في جميع أقطار العالم بهذا الشهر الفضيل، ربما يكون لكل بلد ما يميّزه في احتفائه، لكن الجميع يشتركون في الصيام والقيام والتهجّد والتعبّد والتقرّب إلى الله في كل ما أمر به.
يجتمع المسلمون في العالم على الاحتفال ببداية هذا الشهر الكريم، فيفرحون لقدومه ويزينون الساحات والبيوت، ومنهم من يقوم بطلاء البيوت ابتهاجاً كما في السودان، ويهنّىء المسلم أخاه المسلم بقدوم شهر الرحمة. وفي بعض البلدان يتزاورون من أجل هذه التهنئة كما هي الحال في المغرب.
ولبعض البلدان تقاليد خاصة يقومون بها مع قدوم الشهر الكريم نذكر منها:
ـ في جزر القمر يخرج السكان في الليلة الأولى من شهر رمضان حاملين المشاعل متجهين إلى السواحل، حيث ينعكس نور المشاعل على صفحة المياه، ويضربون بالطبول إعلانا بقدوم رمضان.. ويظل السهر حتى وقت السحور.
ـ في باكستان ينشغل الباكستانيون مع قدوم شهر رمضان بإجراءات السفر لعمرة رمضان التي يحرصون عليها حرصا شديدا، ولا يمنعهم عنها إلا ضيق ذات اليد.
ـ في اليمن، قبل رمضان بثلاثة أيام، تبدأ مآذن صنعاء بالترحيب بالضيف الحبيب، فتبدأ مئذنة الجامع الكبير بالتكبير والتهليل. كما تقفل معظم المحال التجارية أبوابها، لذلك يقوم اليمنيون بتخزين احتياجاتهم خلال شهر شعبان.
ـ في تايلاند حيث يمثل المسلمون ثلث المجتمع التايلاندي، لا بد من أن يُفتح في كل مدينة وكل قرية مسجد جديد في شهر رمضان، حتى لو كان المسجد صغيرًا ومتواضع البناء. وتسعى كل قرية ومدينة طوال العام لجمع الأموال حسب إمكانيات كل أسرة لبناء المسجد الجديد، ويحرص معظم الأشخاص على العمل بأنفسهم في بناء هذه المساجد أيًّا كان نوع العمل.
ويهتمّ المسلمون هناك بالأشخاص الذين يحفظون القرآن بأكمله، إذ يحملونهم على الأكتاف في مظاهرات فرحة، ويُطاف بهم في الشوارع، وعندما يبدأ شهر رمضان تعلن أسماء الذين حفظوا القرآن الكريم، وتتردد أسماؤهم على كل الألسنة، ويسمح لهم بتلاوة القرآن في المساجد.
وفي اليوم الأول من شهر رمضان لا بد من أن تذبح كل أسرة تايلاندية مسلمة ذبيحة احتفالاً بشهر رمضان.. حتى أن الأسر الفقيرة تكتفي بذبح أحد الطيور. المهم أن الذبح في اليوم الأول للصوم عادة تايلاندية منذ سنوات طويلة تحرص عليها كل أسرة.
ـ في السويد يستأجر المسلمون "مصلّيات" يقيمون فيها الصلوات والشعائر المختلفة، وتفتح أبوابها في رمضان طيلة اليوم، حيث تحيى أول ليلة بصلاة الجماعة وحلقات الذكر وقراءة القرآن.
ـ في الفلبين تُعتبَر أيام رمضان بالنسبة للمسلمين عطلةً اختياريةً من أعمالهم من أجل التفرّغ للعبادة. كما يخرج الأطفال مرتدين الثياب المزركشة حاملين في أيديهم ما يشبه فوانيس رمضان، حيث يستقبلون المصلين بالأغاني والأناشيد. ثم يزورون المساكن المجاورة للمسجد، ويظلون على هذه الحال حتى يحين موعد السحور، فيقومون هم أنفسهم بإيقاظ الأهالي لتناول السحور.
ـ في ليبيريا توزع السيدات "اليروريم" (وهي أكلات خاصة من الأرز)على الأسر غير المسلمة التي تشارك المسلمين شهر رمضان. وتقيم قبيلة "مادنجو" التي معظمها من المسلمين طوال الشهر موائد في الطرق أوقات الإفطار، ويحرص أي شخص من كل أسرة على الإفطار على هذه الموائد في الشوارع بالتناوب.
ـ في تنزانيا تكثر الزيارات وتبادل الهدايا بين العائلات. ويصوم كل الشعب المسلم في تنزانيا، بداية من الأولاد في عمر 12 سنة حتى الشيوخ، وهم يصفون المفطر بالإلحاد والزندقة والكفر.
ـ في بريطانيا تقوم الجمعيات الإسلامية بإعداد الإفطار الجماعي في المساجد، ثم يتبع ذلك محاضرة ثم صلاة الجماعة. وفي هذه الأماكن يشعر المسلمون بالجو الرمضاني حيث يفتقدونه في الشارع والأماكن العامة.
ـ في تشاد تبرز سمة التكافل الإسلامي في أبهى صورها، حيث يتسابق الأثرياء من المسلمين في تقديم وجبات الإفطار للفقراء والمساكين وعابري السبيل.


جميع المسلمين يحتفون بهذا الشهر الكريم، ويهتمّون اهتماماً جيداً بعباداتهم، كما يهتمّون بإعداد أنواع الأطعمة المخصصة لهذا الشهر، وهي تختلف من بلد لآخر، حيث يشتهر كل بلد بنموذج معين من الأطعمة الخاصة بسكانه، إلا أن الحليب والتمر يظل الصنف المشترك بين الجميع لتعمر بها الموائد.
ويزداد اهتمام المسلمين بشهر رمضان في الأيام العشرة الأخيرة منه، إذ يشعر المسلمون بأن أيام هذا الشهر
الكريم آخذة في الانقضاء، كما أن لهذه الأيام فضلا كبيرا، ففيها ليالي القدر.. حيث يتفرّغ المسلمون بشكل أكبر للعبادة، تصل لدى البعض إلى حد الاعتكاف في المساجد من أجل الاستفادة من كل دقيقة متبقّية من هذا الشهر الفضيل.
ـ في باكستان في العشرة الأواخر يتناول الرجال طعام السحور مُجتمِعين في المساجد القريبة من منازلهم، وقبل وقت السحور يقرأون القرآن الكريم.
ـ في اليمن نجد هتافات الوداع في الأيام الأخيرة منه، والتي تُعبِّر عن حزنهم لفراق شهر رمضان.
ـ في دمشق في العَشرة الأواخر تنهمك النسوة في إعداد حلوى العيد، وخاصة المعمول المحشو بالجوز أو الفستق الحلبي. وهي أيام لا يعرف أهل دمشق فيها النوم والسكينة، فترتدي المدينة حلة قشيبة من الأنوار تنير المآذن والمساجد والطرق.
ـ في السودان في العشرة الأواخر يزداد الناس خشوعاً وتعبداً، ففيها صلاة التهجد وتحري ليلة القدر. كل مجموعة تسعى لزيارة جميع أهل القرية أو المدينة التي يقطنون فيها.
ـ في تشاد في العشرة الأواخر من رمضان يحتفل المسلمون عادة بليلة القدر التي وصفها الله في كتابه العزيز بأنها خير من ألف شهر، حيث يكثرون من الذكر، وفي الوقت نفسه يستعدون لاستقبال عيد الفطر المبارك..
وهو العيد الذي يستعد له كل المسلمين في أقطار العالم. نسير نحوه سريعاً، تفصلنا عنه أيام قليلة، عسانا نستطيع أن نغتنمها، فيكرمنا الله سبحانه وتعالى ويجعلنا من عتقائه من النار.
ماجدة ريا

Saturday, September 20, 2008

التلفاز والشهر المبارك

عندما تضجّ المدنيّة بكل تشويشها في رأس إنسان، قد يقف لحظة ويلتفت إلى الوراء، حاسداً أهلنا أيام زمان، يوم لم يكن هنالك لا تلفاز ولا حاسوب، لا فضائيات ولا شبكة معلومات.. إذ تكفي هذه الكلمات كي يشعر المرء بأنها تحاصره من كل جانب.
وبرغم الحسنات الكثيرة لهذه الاختراعات، وما قدّمته لهذا الإنسان من خدمات وتطور، وبرغم الحاجة الماسّة إليها، قد يقف المرء باحثاً عن لحظة سكون عاشها الأهل أو الأجداد في سابق الأزمان، لحظة لا يوجد فيها سوى عشق الأرض وضوء القمر والأحبة من حوله، يعطي لكل منهم نصيبا ويبقي النصيب الأكبر للتهجد والعبادة في آناء الليل، خاصة في مثل هذه الأوقات من أيام السنة، حيث يتفرّغ للصيام والعبادة ورأسه مرتاح من كمد هموم هذه الدنيا ومتطلّباتها ومشاغلها.
رُبّ قائل: هيهات أن نحصل على لحظة مثل تلك اللحظة، فإنها بعيدة عنا بعد الأرض عن السماء.. ولكن هناك من يقول شيئاً آخر، وهذا القائل بالطبع ليس من بلادنا، بل من بلد بعيد في أقاصي الشرق، من الهند.. إذ يقول واصفاً أحوال بعض المسلمين هناك في شهر رمضان المبارك: "مع قدوم شهر رمضان يقوم المسلمون في القرى والأرياف بتخزين مقتنياتهم من التلفزيونات والأطباق اللاقطة للفضائيات ويخرجونها بعد نهاية شهر رمضان".
وبرغم أنه يتابع كأنه غير مقتنع بما يفعلون يقول: "إن كل أشهر العام للعبادة، ليس رمضان فحسب"..
فهؤلاء الناس ما زالوا مقتنعين بأن هذا الجهاز سيسلبهم أثمن الأوقات من هذا الشهر الفضيل، لذا يفضلون إبعاده عن أنظارهم حتى لا يضعفوا أمام مغرياته التي قد لا يستطيعون مقاومتها، فيقطعون دابر هذا الأمر على أنفسهم بقرار عرفي يطبّق على الجميع كأنه حكم مبرم، ويلتزم به الناس في أرياف الهند بكل طيب خاطر، ليصرفوا جلّ أوقاتهم في هذا الشهر الكريم في العبادة.
ولعلّ العبرة هنا ليس في الانقطاع عن التلفاز ونزعه كلياً من أمام الأعين، وإنما في إعطاء الأمور العبادية حقها من الوقت.. وهذه السمة متوافرة في مسلمي الشرق الأقصى بمجملهم على ما يبدو، حيث تأصّلت في نفوسهم حتى أكثر بكثير من بعض الناس في بلداننا العربية.. إذ هناك من يقول: "ما لفت نظري هو أن شهر رمضان لدى مسلمي الصين شهر للتعبد والتقرب إلى الله، وقضاء معظم الوقت في المسجد، بينما في البلاد العربية ـ مهبط الرسالة ومبعث الإسلام ـ يصبح شهر رمضان موسماً لمعرض تلفزيوني ـ سينمائي، تتسابق فيه شركات الإنتاج لعرض آخر ما توصلت إليه من مسرحيات وبرامج ترفيه ومسلسلات تشل وتقضي على وقت الصائم، ولا حول ولاقوة إلا بالله!".
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التلفاز لا يُشكّل بالضرورة عاملاً سلبياً، بل هو واحد من اثنين: إما سلبي وإما إيجابي، ومن يُحدّد ذلك هو الشخص الذي يحدّد بإرادته ما يشاهد على التلفزيون.
يمكن لهذا الجهاز أن يتحول إلى عامل إيجابي عندما نحسن استخدامه، فهو يبث برامج توعية، ونستمع من خلاله إلى قراءة القرآن الكريم والأدعية. فتستطيع مثلاً ربة المنزل أن تستمع إلى كل ذلك وهي تحضر وجبات الإفطار، فيكسبها ذلك جواً روحانياً جميلاً، إضافة إلى شعورها باللذة لأنها تعد الإفطار للصائمين، وتزداد لذتّها عندما يكون بين الصائمين أطفال ينتظرون ما تعد لهم.
يحتاج المرء فقط إلى إرادة الاختيار والتحكم في ما يريد فعله، فيستفيد من التلفاز في وقت هو يحدّده، ويحرص في اختياره على ما يريد أن يشاهده ليجعله مما يزيد في حسناته، متنبّهاً الى كل ما يمكن أن يصادفه من أمور يمكن أن تحرفه عن المسار الصحيح.
فليس من الضرورة الإبعاد ولا الإقصاء، ولكن من الضرورة تقسيم الوقت بشكل جيد لا يأخذ من وقت عبادتنا، ومن الضرورة اختيار ما نحضر بشكل دقيق، خاصة في أيام شهر رمضان المبارك، لأننا إذا كنا نردّد في أيامنا العادية ما ورد في دعاء كميل: "لأنه لا يكون إلا عن غضبك وانتقامك وسخطك، وهذا ما لا تقوم له السموات والأرض، كيف بي وأنا عبدك الضعيف الذليل، الحقير المسكين المستكين؟!".
فما بالنا لا قدّر الله إذا حل بنا هذا الغضب في شهر رمضان المبارك، الذي يقول فيه النبي (ص): "الشقي هو من حُرم غفرانه".
نعوذ بالله من غضب الله، وأعاننا جميعاً لنكون ممن رضي عنهم فأرضاهم.
ماجدة ريا

Saturday, September 13, 2008

أنت تدعم ... أنت تقاوم

في ربوع هذا الشهر الكريم ترعرعت المقاومة، ومن فيض بركاته استمرّت نشأتها وفي كل الشهور، ليكون شهر رمضان المبارك شهر البذار، فيُنبت زرعاً طيباً، وثمراً ليس ككل الثمار، وتتحول المقاومة إلى شجرة طيبة جذعها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أُكلها في كل حين، انتصارات وعز وإباء.
من ذلك المجسّم الصغير "مجسّم القدس الشريف" وما له من رمزية في قلوب المؤمنين التي تهفو إليه، ذلك المجسم الذي يُشرق منه نور المجاهدين وعلى رأسهم سيد المقاومين سماحة السيد حسن نصرالله، منه ينبثق الارتباط بحبل الله المتين، لنعتصم به فلا نتفرّق أبداً بإذن الله.
منه تتولّد حكاية شعب سُمي بشعب المقاومة، فكان أهلاً لتلك التسمية العزيزة، حتى أدهش العالم بصورته التي ازدادت إشراقاً عندما بزغ نورها الوضّاء خلال عدوان تموز 2006 الذي شنّه العدو الصهيوني الغاشم على لبنان عامة، وعلى المقاومة وأهلها خاصة، فكانت وقفتهم المشرّفة تلك مستمدّة من وقفة المقاوم المجاهد الصامد على الجبهة داخل طوق من النار الذي لم يرهبه، بل أطفأه بنور إيمانه، وصلابة عزيمته، وقوة شكيمته، ومن كل ذلك استمدّ أهل المقاومة نور الصمود وصلابة الموقف.
لم يفهم العالم حينها كيف لهؤلاء الناس أن يقفوا كل تلك المواقف المشرّفة، كيف للمرء أن يفقد كل ما يملك ليس من ممتلكات فقط، بل حتى أحياناً يفقد المرء عائلته أو جزءاً منها، فيرفع رأسه نحو السماء ليسأل: "ربّي هل وفّيت؟ خذ حتى ترضى"، فيعوّضه الله سبحانه وتعالى صبراً وعزاً وكرامة، ويعوّضه بحياة مطمئنة، فبذكر الله تطمئن القلوب.
لم يكن من السهل أن يُهزم هؤلاء الناس، برغم آلة الدمار الحادة التي استخدمت كما لم تُستخدم مثلها آلة من قبل، لا هنا ولا في أي مكان آخر، ومع ذلك، لم ينجح من راهن على فك اللحمة بين المقاومة وأهلها، لم يستطيعوا أن يدركوا ماهية ذلك الرابط بينهما، فمن أم تحثّ ولدها ليكون مقاوماً، إلى زوجة تؤيّد زوجها المقاوم، أو بنت تفخر بأبيها، أناس المقاومة منهم ولهم، وهم جزء لا يتجزّأ، وكلّ لا يتفكّك، والجميع متّصلون بالمقاومة من خلال ذلك المجسّم الصغير الذي يتربّع في صدر كل بيت من بيوتهم، لتكون المقاومة في قلب كل مؤمن ومؤمنة من الأطفال الذين يشاركون أهاليهم في أحايين كثيرة بوضع الصدقات ومن مصروفهم الخاص حباً بالمقاومة والمقاومين في ذلك المجسم الصغير الذي كتب عليه "هيئة دعم المقاومة"، إلى الكبار الذين آمنوا بهذا النهج، نهج المقاومة الشريف الذي هو من أقصر السبل المؤدّية لله سبحانه وتعالى، فيشاركون المقاومة في كل يوم بما تجود به أياديهم الخيّرة مهما كان المبلغ الذي يوضع في ذلك المجسّم بسيطاً، فقد يخرج منه ثمن رصاصة تقتل عدواً في الجبهة، أو ربما أكثر من ذلك، الكل شريك في المقاومة، ولذا كان القول "أنت تدعم، يعني أنت تقاوم"، ولعلّ هذا المجسم هو سبيل من عدّة سبل يمكن لأهل المقاومة أن يتواصلوا من خلالها مع هيئة دعم المقاومة الإسلامية فيساهموا في ري هذه الشجرة الطيبة التي هي المقاومة، ويتمتّعوا بشعورهم بها على أنه ليس مجرد شعور بالتأييد فقط، وإنما هو شعور بالمشاركة وفي دعم هذا الوجود المبارك.
إن لهذا الشهر الفضيل تأثيرا كبيرا على مجريات حياتنا، والشقي فيه هو من حرم مغفرة الله ورضوانه، والسعيد فيه من تقبّله الله وقبل منه أعماله، ففي هذا الشهر الكريم تقسّم الأرزاق، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وفيه يفرق كل أمر حكيم..
لذا فإن ما يفعله المرء في هذا الشهر ينعكس عليه في مسيرة حياته إما ايجاباً وإما سلباً، تبعاً لما يصدر عنه من أعمال، ولذا وجب علينا التقرّب أكثر فأكثر من الله سبحانه وتعالى بكل ما نقوم من أعمال، سواء بالدعاء، فلا ننسى أبداً مجاهدي المقاومة الإسلامية، ولا سيما المرابطين على الثغور من أجل حماية الوطن، أو بالأعمال الخيرية والصدقات التي من خلالها يمكن دعم المقاومة أيضاً، ونسعى جاهدين للابتعاد عن كل ما يوجب سخط الله وغضبه، كي نضمن لأنفسنا الجانب الإيجابي الذي يعطينا زخماً لمتابعة ذلك الخير طيلة العام، إلى أن يعود إلينا شهر الخير والبركات من جديد، حيث يُشكّل عاملاً لُشحذ الهمم، واندفاع الناس بشكل تلقائي لفعل الخير، فتكون الأرواح متّصلة بالله، والأعين معلّقة بالجنان، الكل يسعى نحو رحمة الله ورضوانه، وهو مدرك أن أكثر تجارة رابحة هي التجارة مع الله، ومن أحسن ممن يقرض الله قرضاً حسناً فيوفّيه أجره يوم القيامة، فكيف إذا كان ذلك في أفضل الشهور، حيث تضاعف الحسنات؟
في هذا الشهر الكريم، الذي وصّانا فيه الله سبحانه وتعالى أن "تحنّنوا على أيتام الناس، يُتحنّن على أيتامكم"، أفلا نذكر فيه أيتام المقاومين الذين قدّموا حياتهم فداءً لنحيا جميعاً أعزّاء؟
وفي هذا الشهر الكريم نذكر الجرحى والمعوّقين من الذين قدّموا راحتهم، وضحّوا بأجسادهم لنحيا أعزاء؟
في هذا الشهر الكريم، نذكر كل تلك العوائل الكريمة، العزيزة التي ساهمت في عزة الوطن، وفي ذلك المجسم الصغير داخل بيوتاتنا، ندعم ونساهم في هذه المقاومة الشريفة التي هي منا ولنا.
ماجدة ريا

وعاد رشاد

كانت السنوات تزحف بطيئة حاملة السيدة وداد نحو العجز.
كرهت دائماً تلك الكلمة، لكنها لم تستطع أن تمنع العمر من أن يجري وراءها بشكل حثيث، وهو يحمل كل معاني هذه الكلمة المخيفة، كانت أمنيتها دائماً أن تسلم الروح قبل كل ذلك، لكن شيئاً واحداً كان يجعلها تتشبّث بالبقاء حيّة تنتظر...
رشاد، كان آخر العنقود، ذلك الطفل المدلل الذي غدا يافعاً فجأة، شديد العود، قوي البنية، كم كانت تعتز به عندما كان يتباهى بعضلاته المفتولة وهو ما زال في ريعان الشباب، كانت تعتز كما لو كانت هي صاحبة العرض والعضلات، فتبتسم له وتسأله :
"لِمَ تربّي كل هذه العضلات يا رشاد؟ هل ستلعب "المصارعة؟".
يقهقه ضاحكاً وهو يعيد كلمتها الأخيرة "المصارعة... نعم المصارعة، لكن ليست تلك التي ترينها عبر شاشات التلفاز!".
"لم أفهم؟".
"أماه! أمامنا عدو شرس، ويحتاج أن نتعلّم أمامه كل فنون القتال والمصارعة للقضاء عليه".
"من تقصد؟ العدو الصهيوني؟".
"نعم يا أماه! أما ترَين ماذا يجري في فلسطين المحتلّة؟ وكيف يعيث فيها فساداً!".
"ولكن فلسطين بعيدة جداً عنا؟ وبيننا وبينها بحار ومسافات.. كيف ستذهب إلى هناك؟".
يبتسم وهو يجيبها "لن أعدم وسيلة، سأفعل أي شيء يمكن أن يوصلني إلى هناك..".
"وهل أضمن أنك ستعود لو ذهبت إلى هناك؟ أما ترى ما يحدث فيها من موت ودمار؟".
ما زالت تتذكّر وقفته الشامخة تلك ورأسه المرفوع وهو يبتسم لما قالت، فما أراد أن يخيفها بقوله:
"وهل أنا ذاهب لأعود؟ سأقاتل أعداء الله حتى الشهادة".
كان يعلم أن ذلك سيكون قاسياً جداً على قلبها المتعلّق به، فصمت، واكتفى بأن ربّت على كتفها وهو يبتسم.
سعى إلى ذلك كسعيه وراء الحلم، حتى كان أن فقدته ذات يوم ولم تجد منه سوى تلك الرسالة التي ما زالت تشمها كل يوم وتضمها إلى صدرها برغم مرور السنوات الثماني والعشرين، ما زالت تشم رائحته فيها وهو الذي لم يعد إلى أرضه ولو محمولاً على أكف الرجال!
كانت دائماً تتمنّى استمرارية الحياة فقط لتعيش على حلم عودته، تحلم أن يعود إلى أحضان ذلك التراب الذي طالما استذكر صورته، وطالما تساءل عن مصير تلك العضلات المفتولة. أعوامها السبعون جعلتها تبدو كأنّها في التسعين من العمر، ففي كل سنة من غيابه عنها كانت تكبر سنوات تخطّ تجاعيدها وتحفر أثرها على وجهها، وتشد ظهرها أكثر فأكثر نحو عكّازها الذي يساعدها على حمل جسدها المتضائل مع الأيام.
أكثر ما كان يزعجها في رحلة عمرها تلك الهمسات التي كانت تسمعها من هنا وهناك، حتى من أقرب المقربين: "هل حقاً تنتظرين أن يعود ذات يوم؟".
كان واضحاً أن تلك الهمسات كانت تحمل في طيّاتها الكثير من الاستحالة المغلّفة بسخرية مريرة، فتشعر بوخزة ألم في صدرها، وتجيب بثقة غريبة: "الله كبير!".
ها هو غسّان حفيدها يركض ليرتمي في أحضانها بعد كل تلك السنوات الطوال، يحضنها، يمسك وجهها بين يديه، ويثبّت نظراته في وجهها الذي اعتلى محياه الاستغراب:
"هل تظنين أن عمي رشاد سيعود؟!".
لم يكن الاستغراب من السؤال بقدر ما كان من طريقة طرحه والحركات التي رافقته، لأنها كانت تنبئ بشيء ما ربما أحسته في الآونة الأخيرة، شيء من الارتياح الغامض والانتظار لحدث لم تستطع إدراكه.
"الله يعطيني خيرك؟ ماذا وراءك يا غسّان؟".
قالت ذلك بصوت مرتجف وأردفت: "ما الذي فكّرك في هذا الموضوع الآن؟".
"حدث عظيم يا جدّتي! عظيم إلى درجة لم نكن نحلم بها!... لكن أنت! لطالما كان هذا حلمك!".
"أنا لا أفهم شيئاً مما تقول؟".
"جثمان عمي رشاد سيعود يا جدتي.. جثمان عمي رشاد سيعود".
"ماذا تقول؟ وكيف سيعود".
"سأشرح لك كل شيء..".
جلس قربها وهو يحتضن يديها الباردتين، ويمسح دموعها الحارة عن وجنتيها المتجعّدتين، وأخذ يخبرها عن المقاومة الإسلامية في لبنان، يذكّرها بانتصار أيار 2000 وانتصار تموز 2006، ذلك الانتصار الذي زغردت له برغم بُعدها لأنه انتقم لها من أشد أعدائها، وشعرت من خلاله انها انتقمت لدماء رشاد على يد هؤلاء الأبطال، ولكن ما لم تكن تعرفه أنها أيضاً ستشارك في حصد ثمار ذلك الانتصار..
أخبرها أن المقاومة الإسلامية في لبنان، ورجال حزب الله الأبي، قد أجروا صفقة تبادل على الأسيرين اللذين اتخذهما العدو الصهيوني ذريعة لشن عدوان تموز الخائب على لبنان وما استطاع تحريرهما، أو حتى معرفة أي شيء عنهما، وأن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قد صدق في وعده كما في كل مرة، بأن الأسيرين لن يعودا إلا بصفقة تبادل عبر مفاوضات غير مباشرة، وقد أصرّ أن تشمل الصفقة أجساد كل الشهداء اللبنانيين والعرب إضافة إلى كل الأسرى اللبنانيين الأحياء، وها هي هذه الصفقة تتم بإذن الله وببركة دماء الشهداء التي لا تثمر إلا الانتصار.
زغردت... نعم زغردت، وخرجت مسرعة نحو الردهة حيث جلس الجميع ينتظر، وقفت في الباب، وزغردت من جديد.
كل الأنظار توجّهت نحوها، وغسّان حفيدها لحق بها ووقف خلفها، خشية أن يصيبها شيء من شدة الفرح الممزوج بحزن دفين، لكنها بقيت متماسكة، وعلا صوتها مترجرجاً في المكان:
"أما قلت لكم إنه سيعود يوماً؟!.. هيا، قوموا أعدوا حفل استقباله، هيّئوا له عرس الشهادة الذي استحقّه...
الآن سيرتاح قلبي، وسأطمئنّ إلى أنّ قرة عيني سيرقد في جواري بسلام...".
وأغمضت عينيها، وأسلمت الروح.
ماجدة ريا

Sunday, September 07, 2008

الشهر المضيء


انبلجت عتمة الأيام، ليشعّ نور الشهر الكريم مضيئاً، محمّلاً بالخيرات والمكرمات.
ها نحن قد ولجنا إلى فسحة من أعمارنا، فسحة هي المحطة المثلى من كل عام، نجدها قد افترشت أيامنا لتزيل عنّا ما علق من خلالها بأنفسنا من أدران هذه الدنيا، فهل نعطيها حقّها؟
وهل نعرف قيمة هذه الأيام المباركة؟ وكيف يُستقبل هذا الشهر الكريم؟
ولعلّ استقبال الناس لهذا الضيف الكريم متنوّع بتنوّع درجة ثقافتهم، ومدى تشكّل الوعي لديهم بفضل هذا الشهر وأهميته على حياة الإنسان فيما يتعلّق بكل جوانب هذه الحياة، وتأثيراته فيها سواء كانت معنوية أم مادية.
فمعظم الناس يدركون عظمة هذا الشهر، ينتظرونه بفارغ الصبر، يستبشرون بقدومه لتلهج ألسنتهم بدعاء الشكر لله "الحمد الله الذي بلّغنا إياه"، فيقبلون عليه بقلوب مفتوحة، ترغب بأن تغترف قدر ما تستطيع أن تدرك من مغفرة ورضوان.
وهنا تختلف درجة السعادة ومحاولة السعي عند الأشخاص أيضاً، وإذا ذكر شهر رمضان قد يتعلّق الواحد منهم بجانب يعنيه ويهتم به أكثر من غيره، فبعضهم أول ما يستذكر، يستذكر رغبته في قراءة القرآن الكريم، والأدعية والأعمال المختصة بهذا الشهر، بحيث يصب جل اهتمامه على الأمور العبادية برغم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في خطبته الشهيرة في استقبال شهر رمضان: "أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة"، ولكن يبقى أنه لحلاوة تلك العبادات مع الصوم نكهة أخرى وطعم يستلذّ به كل محاول للتقرب من الله سبحانه وتعالى، إضافة إلى أجرها الذي يضاعف بدرجات في هذا الشهر الكريم حيث تغل الشياطين، وتغلق ابواب جهنم، وتفتح أبواب الجنان، حتى لكأن الصائم المخلص لربه يستشعر نفحاتها ويتذوّق حلاوتها.
والبعض إذا ذكر شهر رمضان، سال لعابه لأطايب الطعام، وكأن كل ما يعنيه منه السفر الممدودة، وأصناف الطعام المختلفة، حتى إذا ما صام نهاره، كان همه أن يبلغ الإفطار بما يحمل له من تخمة، تعيقه عن أداء الأمور العبادية.
وهناك نوع من الناس يفرحون بقدوم شهر رمضان لأنه تحول إلى مهرجان عرض لأفخم الإنتاجات التلفزيونية التي يعمل عليها طوال العام، وتتسابق المحطات الفضائية في اختياراتها، لجذب المشاهدين إليها، ليتحوّل الشهر الفضيل إلى أفضل سوق لهذه الإنتاجات، فترى بأن بعض الناس قد تحوّل إلى مجرّد متابع لها، ربما يتنقّل بين المحطّات لاصطياد ما يشبع رغبته تلك، التي تصبح هاجسه، حيث تشكل عاملاً مسلياً لقضاء الوقت لا بل القضاء على الوقت.
وإذ تتنوّع الأعمال المقدّمة وتتدرّج في تصنيفاتها بين ممتاز وجيد ومقبول، إلى أن نصل إلى غير المقبول (والمقصود فيها برامج اللهو والخلاعة وما أكثرها) ومع ذلك فهو يعرض، ويسحب وراءه مجموعات من الناس، الذين ينجرون وراء أهوائهم دون قيد أو رادع، أو احترام لحرمة هذا الشهر العظيم.
غير أن الفضائيات تختلف بطريقة اهتمامها بالضيف الكريم، وفقاً لطبيعة مديريها، فيبرز تنوع البرامج فيها وفقاً لذلك:
هناك بعض المحطات تحافظ على التزامها بل وتزيد منه في هذه الأيام المباركة، فتراقب كل صغيرة وكبيرة من أجل المحافظة على حرمة هذا الشهر الكريم، وتوليه أهمية خاصة يستحقها، وتختار برامجها بدقة وعناية، وتعطي لكل شيء حقه، فتؤمن برامج تثقيف للناس حول ماهية هذا الشهر الكريم دون أن تثقل عليهم، فتكون البرامج من الناس وإلى الناس ومن القلب إلى القلب، وتعرض فيها المعلومة بطريقة سلسة ومحببة، وتترك وقتاً لبعض المسلسلات التلفزيونية التي لا تعتبر تضييعاً للوقت، وإنما فيها من روح بث المقاومة واستنهاض الجماهير وتركيز مفهوم الوطن عند الناس، وحتى الترفيه في تلك المحطات يأخذ نكهة الالتزام بحيث إن المرء يمكن أن يلجأ إليها في أي وقت يريد.
وهناك نوع آخر من المحطات تسوّق للبرامج التي أعدّت لهذا الشهر من دون معيار واضح تجاه ما هو مسموح أو ما هو غير مسموح، وهنالك منها من يذهب أبعد من كل ذلك فتملأ جلّ أوقاتها باللهو والمجون.
ولعلّ البعض من الناس، يزعجهم قدوم هذا الشهر الكريم لأنهم يعتبرون أنه يحدّ من حريتهم، ويفرض عليهم الامتناع عن الملذّات التي اعتادوها، فيشعرون بأنه ربما يثقل عليهم ويحدّ من حركتهم، ويحرمون أنفسهم من لذة الاستمتاع بالشعور بالصوم الحقيقي الذي يسعد معه الصائم حتى بجفاف ريقه أيام الحر الشديد، عندما يتذكر الحديث الشريف "خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"، وربما هناك من يصوم منهم لأن الصيام مفروض عليه، أو ربما حياءً من الناس لأن الكل صائم، أو ربما لا يصومون. وقد يصل الأمر بالبعض إلى درجة المجاهرة والتفاخر بما يرتكبون من معصية، غير مبالين لأن استهتارهم بالحياة قد بلغ حداً أعمى بصيرتهم عن حقيقة هذا الشهر وماهيته، وما يحوي من كرامات ومكرمات لمن يحفظ حرمته، ويسعى لمرضاة ربه، الذي وعد الناس "الصوم لي وأنا أجزي به".
واذا ما وصلنا إلى الذين قد ابتعدوا أشواطاً كبيرة عن روح الإسلام سنجد أن هذا الشهر قد تحول ـ والعياذ بالله ـ إلى موسم مثمر لمحبّي اللهو والسهرات الماجنة التي تقام حتى الصباح، ولعلّ الصيام لا يعنيهم في هذا الشهر، وكل ما يعنيهم منه جني الأرباح، وتكديس الأموال، وجذب الناس من أجل جرّهم إلى الإثم، مع وجود هذا الكم من الفجور، وهم لا يجرّون إليهم سوى ضعاف النفوس الذين تمكّن منهم الشيطان حتى بات ملازماً لهم، فلا يدركون بركة هذا الشهر، ولا يحصلون على تقديماته للمؤمنين.
ومهما كانت المغريات التي يقدمونها، فإن النفس المؤمنة والمحصنّة بحب الله، لا يمكن لها الانجرار وراء أي من تلك المغريات التي يمكن أن تقدّم أياً كان نوعها، وإنما يحرص المؤمن في كل الأوقات، ويزيد حرصه في أيام شهر رمضان المبارك، على اجتناب كل المعاصي، ليحقق معنى الصوم الحقيقي، الذي من ضمنه ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن صمتم فلتصم أسماعكم وأبصاركم وألسنتكم وجوارحكم.
ويبقى على المرء أن يحرص دائماً على برمجة وقته أولاً، بما يتناسب مع عمله وقدرته، فيقسم أيضاً وقته إلى كل ما يريد فعله ولا يتركه للعشوائية حتى لا يكون شيء على حساب شيء آخر، ويضع في حسابه أن لحظات هذا الشهر هي من أثمن اللحظات التي يجب أن يعطي لكل لحظة فيه حقها، فيسعى فعلاً ليغترف من مغفرة الله والخيرات التي أعدها للمؤمنين قدر ما يستطيع، لعله يحظى بكامل المغفرة والرضوان ويكون من الذين أعتقهم الله من النار، ووهبهم جنة عرضها السماوات والأرض.
ماجدة ريا

Friday, August 29, 2008

أطفال القرى في الصيف: الحاجة ماسة إلى النشاطات الهادفة

كتبت ماجدة ريا
انتصف الصيف، أو ربما يقول البعض انه شارف على الانتهاء، ولا سيما الأطفال الذين ينظرون إليه كمتنفّس من ضغط سنة دراسية كاملة، يحملون في قلوبهم الصغيرة أمنيّات أكبر لأيّام يريدونها أن تطول وتطول.
هذا ما يبدو لنا من الوهلة الأولى، ونراه جلياً لدى شريحة كبيرة من الأطفال، لكننا لن نغفل الاستثناء، فنلتفت إلى أولئك الصغار الكبار الذين لا يعرفون من معنى الطفولة إلاّ اسمها، وحتى هذا الاسم قد لا يحصلون عليه، لكنّهم قد يتمنّون هم أيضاً أن يطول فصل الصيف ليستمرّوا في تقديم المساعدة في لقمة عيش عائلاتهم الفقيرة أو المعدمة، وهكذا قد يلتقون مع أقرانهم في تحقيق الأمنيّة، برغم أن أمانيّهم متباعدة ابتعاد قطبين.
في هذا المنتصف، نستطيع أن نقف وقفة تأمّل، في حال هؤلاء الأطفال، لنرى الكثير من الفوارق التي تلقي بظلالها على هذه الفئة العمرية، فنلاحظ اختلاف التعاطي معها باختلاف درجة الوعي لدى الأهل، والمجتمع، إذ أنّه لكل منهما دور في تحديد وجهة مسار الطفل، وطبيعة خياراته التي يمكن أن تضيق عندما يضيق أفق المعرفة، ويمكن أن تتّسع إلى ما لا حدود له... وبين هذين يرتع عالم من الطفولة البريئة التي تحتاج دائماً إلى من يمسك المجذاف ليقود مركبها نحو بر الأمان النفسي والجسدي.
إذا ما ألقينا الطرف نحو القرى، لتناهى إلى أسماعنا مباشرة صخب الأولاد في الشوارع، أو في فسحات المنازل، ونرى الأطفال غارقين أمام شاشات التلفاز الذي يسلبهم ساعات طويلة من اليوم، تشكّل استراحتهم من عناء اللعب في تلك الفسحات، وفي أحسن الحالات قد تجدهم ملتصقين بشاشات الكمبيوتر مندمجين في الألعاب الإلكترونية التي تستولي أيضاً على كل حواسهم مع ما يرافقها من ضرر نادراً ما يُلتفت إليه.
هذا لا يعني أن القرى خالية من الأنشطة الصيفية، بل هنالك أنشطة وإن بدت ضئيلة نسبة لما يوجد في المدينة، وذلك يعود لعدة أسباب منها أن المدينة تحتوي على كثافة سكانية عالية، ومجالات الأطفال فيها تكون أكثر محدودية إذ يحتاج الطفل إلى مثل تلك الأنشطة التي تخرجه من حدود الأبنية المعلّبة التي تضيق بها أنفاسه في فصل الصيف، ولذا يكون الإقبال فيها على مثل تلك الأنشطة الصيفية أكثر وأكبر من القرى، التي قد لا يلتفت فيها الكثير من الأهالي إلى مثل تلك الأمور، فيترك الطفل لحياة صيفية عشوائية، يلعب ويلهو ويستمتع على هواه، دون برنامج أو تدريب.
فهل يجب أن تهدر أوقات الصيف هكذا؟
وهل يجب أن يترك القرار فيها للطفل كي يختار كيف يمضي أوقاته إلى حد يصل إلى العبثية؟
ولماذا ما زال الناس في القرى لا يولون هذا الأمر أهمية كاملة؟
ربما الأوضاع الاقتصادية الضيقة أثّرت على الكثير من الناس، وحتى الذين يُعتبرون من ذوي الأحوال المتوسطة ما عاد بإمكانهم وسط الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار أن يحقّقوا لأولادهم ما يطمحون إليه.
ولكن مع هذا يمكن لهؤلاء الناس أن يؤدوا دور المرشد لأولادهم، حتى عندما لا يستطيعون تسجيلهم في دورات صيفية هادفة، أو ترفيهية، أو دورات لكسب أية مهارة تغني حياة الطفل وتساعده على قضاء أوقات ممتعة، خاصة عندما يتعلّق الأمر بتنمية هواية ما لدى هذا الطفل.
يمكن للأهل أن يساعدوا أطفالهم في المنزل، من خلال تقديم التوجيهات، وعدم ترك الطفل يعبث كما يشاء، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّه يمكن الالتفات إلى خيارات هذا الطفل والانتباه إليها، ومساعدة الطفل ليكون سعيداً فلا نحرمه من أشياء يحب القيام بها، بل على العكس نلتفت إلى تلبيتها وتنميتها، فإذا كان يحب المطالعة أحضرنا له القصص الممتعة، وعندما لا نستطيع شراءها يمكن استعارتها من الأقارب والأصحاب الذين نعرفهم عن طريق تبادل الكتب والقصص التي تغني ثقافة الطفل، حتى إذا كان يحب الكمبيوتر فيمكن أن نلفت نظره إلى استخدامه ليقوّي معلوماته بدلاً من قضاء أوقات طويلة في اللعب الذي يتلف أعصابه، ويرهق جسده الصغير، وسيجد متعة عندما يكتشف أنه يستطيع الاستفادة من هذا الحاسوب بتسخيره لأمور كثيرة تفيده في حياته، فإذا كان يحب القراءة أحضرنا له ما يقرأه من خلال الحاسوب، وإذا كان يحب الرسم والفنون دربناه على كيفية استخدام الكمبيوتر لتحقيق ذلك، ونترك له فسحة معقولة ليقضيها براحته، إن الأمر لا يكلّف الأهل سوى الالتفات إلى أولادهم لبعض الوقت، ومساعدتهم من خلال لفت نظرهم إلى أمور تربوية ومفيدة، وفي ذات الوقت لا تثقل على الطفل ولا تقيّده، بل على العكس من ذلك إذ أنها قد تشكل مصدر سرور وسعادة لأنه سيكتشف أنه يستطيع تحقيق أمور كثيرة مفيدة بشكل ممتع.
ومن هنا نستطيع القول ان المسؤولية بالدرجة الأولى تقع على عاتق الأهل، الذين يمكن أن يساعدوا أولادهم أياً تكن حالتهم، فعليهم توجيههم نحو الأفضل دائماً.
ويبقى أنه هنالك مسؤولية كبرى على المجتمع أيضاً، إذ يتوجب عليه تأمين الأنشطة التي تناسب الأطفال، وهذا ما نراه من خلال الدورات الترفيهية والأنشطة الصيفية والمخيمات، ولا ننسى أهمية الحياة الكشفية في فصل الصيف حيث تبلغ الذروة في أنشطتها.
بالإضافة إلى ذلك يقع على عاتق المجتمع مسؤولية ثانية وهي بث الوعي بين أهالي الأطفال لأهمية هذه الأنشطة، وأهمية تنظيم حياة أولادهم حتى في فصل الصيف، خاصة في القرى، وحتى عندما يتعلّق الأمر بالترفيه واللعب كي يتعوّد الطفل منذ صغره على أن الوقت لا يهدر، ولا يكون للعبث، فعندما نلعب نلعب لهدف، وعندما نقوم بأي تصرفّ وإن كان للاسترخاء والمتعة لا بدّ أن يكون هنالك هدف، ويبقى الهدف الأساس هو صياغة شخصية الطفل وبناؤها بشكل فعال ومتكامل وتربوي صحيح.

الانتقاد/ العدد1288 ـ 8 آب/ أغسطس 2008

Monday, August 25, 2008

متى نراك: عمل مشهدي استأهل المشاهدة











متى نراك: عمل مشهدي استأهل المشاهدة كتبت ماجدة رياانشقّت عتمة المسرح عن نور تلألأت على جدرانه كلمات تحملنا على جناحها فتخفق قلوبنا لذكرها، وتلهج بها مشاعرنا "الأمل الموعود". ويظهر شخص من تلك الإضاءة بثياب ناصعة البياض كبشارة الملائكة، وصوت رخيم ينشد شجن فراق الإمام المهدي(ع).هذه هي بداية المسرحية الإنشادية المستوحاة من التوق لرؤية الإمام المهدي المنتظر، ومناجاته في ذكرى ولادته الميمونة، لتتضمّن الكثير من المعاني الراقية التي تربطنا بهذه المناسبة العظيمة، وتقدّم بأسلوب فني رائع الصوت والصورة والأداء المسرحي ليضع كل ذلك لمساته على الوجدان ويرسخ في أعماقه.الإضاءة، الحركات، الصوت، الديكور كل ذلك يشدّ المرء ليتابع بكل جوارحه، وليعيش تفاصيل هذه المسرحية الإنشادية بروحها ومعناها، ويتأثّر بها إلى حد تدمع معه العين من شدّة الخشوع. يشترك في الأداء المسرحي مزيج من كل الأعمار، من شباب، وشابات، وفتيان وفتيات بلباس ناصع البياض، والجميع في حالة الإنتظار..تخلّل المسرحية حكمة وتوجيه على لسان الفنان القدير "علي شقير" فينزل عن المسرح، ويكون أكثر قرباً من الجمهور وهو يحثّه من خلال كلماته وصوته الجهوري المليء بالخشوع على العمل بجد وجهد تمهيداً لظهورالإمام المهدي(ع)، مشيراً على الحاضرين أن يكون الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) ساكناً في كل حركة من حركاتهم وهمسة من همساتهم وفعل من أفعالهم لنذكر الإمام دائماً وليحضر في قلوبنا في كل صلاة وكل دعاء من أجل تعجيل الفرج، فلا بدّ من الإستعداد الجيد لنصبح أهلاً لقدومه المبارك. يأتي ذلك بعد مشهد يوحي بالتنازع على زيف هذه الدنيا من خلال شد الملاءات السوداء فيما بين عدد من الشبان، كل يريد جذبها نحوه، فتكون هذه الحكمة تذكرة بأن العمل الصالح والتضحية وإخلاص النية في العمل هم الذين يساعدوننا في التمهيد لظهور الإمام(ع). تركزّ المسرحية على توضيح الأداء والأعمال اللذين يمكن أن يساعدا المرء في عملية التمهيد لظهور الإمام (ع)، فمثلاً خلال العرض تتقدم إحداهنّ وعلى ذراعها طفل تنذره لله، ويكون المسرح ما زال مليئاً بكل هؤلاء الذين وقفوا ليشاركوا بملابسهم البيضاء، ومن ثم يغادر كل من على المسرح ليبقى طفل واحد يتحدث عن والده الذي ذهب إلى الأرض الخضراء حيث الإمام، هكذا أخبرته أمه، ويتمنى رؤية الإمام المهدي ورؤية أباه، يكبر الطفل وهو خاشع متضرّع لله ساجداً في محراب صلاته، تسعى روحه باتجاه نور الإمام المهدي(ع) ، فيظهر بلباس المقاومة، ويشير إلى أن دماءه ودماء الشهداء هي التي ستعبّد الطريق وتمهّد لقدوم الإمام (ع).بعد ذلك يأتي مجموعة من الشباب بلباس المقاومة، ليؤدّوا لوحة مشهدية وانشادية رائعة، ولا يخفى على أحد مدى تأثير المؤثّرات البصرية والصوتية على الإنسان، وأهمية تسخيرها من أجل الإضاءة على أمور أساسية مؤثّرة على حياتنا، مثل هذا العمل المسرحي الإنشادي الذي يساعد على إنعاش هذه الذكرى المباركة، فهذه الأمور تجذب الناس، وتجعل تلك المفاهيم عالقة في وجدانهم، بل تجعلهم أكثر تفاعلاً معها، وبحثاً عن حقيقتها، لأنها تدخل إلى النفس بشكل محبّب، فللموسيقى الهادئة وقع خاص على الروح فكيف عندما تحمل في طياتها جمالاً في روح الكلمات تنعش الأمل في الأمل الموعود، وتهشّم ركود الحياة لتدفعها نحو التعلّق أكثر بمخلّص البشرية المنتظر...هذه المسرحية تقيمها في هذه الأيام وحدة الأنشطة الإعلامية في حزب الله على "مسرح رسالات" التابع لبلدية الغبيري، وقد ساهم في هذا العمل الهيئات النسائية في حزب الله، فرقة الفجر الإنشادية، فرقة الولاية النسائية وعدد من الفنانين ويستمرّ عرضها حتى نهاية الأسبوع.ويبقى السؤال: متى نراك يا سيدي ومولاي، يا حجة الله...متى نكحل عيوننا بلقياك؟ إننا ننتظر بشوق المحبين.
ماجدة ريا
جريدة الإنتقاد الإلكترونية

Tuesday, June 17, 2008

المدارس على شبكة الانترنت: فوائد كبيرة وآفاق مفتوحة

هل من الضروري تواجد المدارس على شبكة النت؟ وما مدى أهمية مثل هذا الأمر؟
هل المدرسة تمثّل فقط المكان الذي يذهب إليه الطالب لتلقّي علومه ونيل شهاداته؟ أم أن هنالك دوراً آخر أهم وأكبر يكون منوطاً بها ؟ وما الدور الذي يمكن أن تلعبه شبكة الإنترنت في خدمة المدارس؟

المدرسة هي المكان الذي تحتضن الإنسان طفلاً، ليتخرّج منه بعد ذلك شاباً، ويلتحق إما بالجامعة لمتابعة دراسته، وإما ليزاول مهنة يريدها، المهم أنه يقضي الوقت الأكبر من أيام طفولته وترعرعه في أحضان المدرسة، لذلك فإنها تشغل من نفسه حيّزا كبيراً، ويتأثّر بتنشئتها وتربيتها، إضافة إلى أنه يحمل الشهادة التي يرتبط اسمه بها.
من هنا يمكن القول إن المدرسة تلعب دوراً كبيراُ في حياة المرء، وفي التأثير عليه، ولذا تقع على عاتقها مسؤوليات جسام أمام تزايد تحدّيات التطور العلمي والتكنولوجي الحاصل في العالم، ولا يمكن غض الطرف عنه، لأنه بدأ يدخل إلى كل مكان، ويفرض نفسه كجزء من حياة البشر. ومن المفترض أن تلعب المدرسة الدور الأكبر في تهيئة وتجهيز الناشئة للإنخراط في عملية التفاعل مع هذا التطور الموجود.
اليوم سنتحدّث فقط عن أهمية تواجد المدارس التربوية على الشبكة، من خلال انشاء موقع خاص بكل مدرسة، يتضمّن شرحاً وافياً عن عملها كمؤوسسة تربوية.
لا يبدو الموضوع جديداً في الطرح، إذ بالفعل هناك عدد من المدارس اليي استحدثت مثل هذه المواقع، وبدأت برفدها بما ترغب من معلومات عن المدرسة ونشاطها، تاريخها وطلابها ومعلميها وإدارييها...
لكن هذا النموذج من المدارس ما زال نادراً إذا ما قورن بنسبة المدارس الموجودة فعلياً، بينما المطلوب أن يعمّم هذا النموذج على كل المدارس، خاصة وأن كلفة إنشاء موقع على الأنترنت لا تشكّل عقبة أمام المصاريف التي تنفقها المدرسة على أمور أخرى، كما أن هذه الكلفة لا تذكر أمام الفوائد الجمّة التي ستحقّقها المدرسة من خلال إنشائها لمثل هذا الموقع الخاص بها خاصة إذا أجادت إدارته.
سنتحدّث قليلاً عن الفوائد التي يمكن أن تجنيها المدرسة من إنشائها موقعاً خاصاً بها على شبكة الإنترنت، وهي تشمل نوعين من الفوائد هما فائدة دعائية، وفائدة تربوية.
ـ الفائدة الدعائية: لا يخفى على أحد أن وجود موقع لأي مدرسة على شبكة الأنترنت يمثّل دعاية كبيرة لها أمام كل الذين يفدون إلى هذا العالم الرحب، ليس في مكان تواجدها وحسب وإنما في جميع أقطار العالم، وما أكثر الذين يتوجّهون إليه لأنه بات يشكل عصباً مهماً من الحياة لا يمكن تجاهله أو التغاضي عن أهميته.
هذا العالم الذي يدخله الصغار والكبار، المتخصصون والباحثون، العاديون والهاوون.. كل أصناف البشر، كل يمكن أن يجد له استراحة ومكان ما يقصده في هذا العالم، ولا بد للصروح التربوية أن تكون موجودة فيه بشكل فاعل، تُمكّن الباحث عنها من ارضاء فضوله.

الفائدة التربوية: بالتأكيد الفائدة التربوية هي أكبر وأعم، وتزداد أهميتها مع تمكّن المدرسة من القدرة على التعاطى بشكل جيد مع الموقع من أجل تفعيله ليؤدّي الدور المطلوب منه، وهذا ليس بالأمر السهل باعتبار أن مجتمعنا ما زال يجهل وبشرائح كبيرة منه أهمية الدور الفاعل لشبكة الأنترنت، من الناحية التربوية ومن ناحية التسهيلات التي يمكن أن تقدّمها للأهل والطالب معاً. إلاّ أن هذه الصعوبة يمكن تذليلها إذا ما اعتمدت سياسات ناجعة لتخطّيها.
فمثلاً: تدريب طلاب المدرسة على آلية استخدام الكمبيوتر وهذا أصبح متاحاً ضمن منهجية التعليم الحديثة، يتبعها تدريبه على استخدام الشبكة عندما يصبح بعمر يسمح له بذلك.
أن تتحدّث المدرسة من خلال القائمين عليها بشكل مستمر من أجل إيجاد الوعي الكافي لهذا الأمر لدى الطلاب الذين يمكن أن ينقلوه بدورهم إلى الأهل ليتفاعلوا معهم من هذه الناحية، لأن الطالب لا يستطيع أن يفعل شيئاً بمفرده و يحتاج إلى دعم أهله إن من أجل إيجاد بدل الإشتراك الشهري للإتصال بشبكة الأنترنت، أو لإعطائه مصاريف الإتصال بها عندما يكون مضطراً لذلك، كما يمكن للمدرسة أن تقيم برامج توعية للأهل، سواء باستدعائهم إلى اجتماعات توعية تقيمها، أو أوراق ترسلها لهم تتحدّث فيها عن أهمية هذا الأمر.
عندما تدرج المدارس المعلومات الكافية عنها، فإنها تسهّل الكثير من الأمور، فالحديث عن تاريخها وإنجازاتها يعطي المرء فكرة واضحة عنها، تمكّنه من اختيار الصرح التربوي الذي يريد أن يسجّل أبناءه فيه.
يمكن للمدرسة أن تدرج تعريفات بمعلّميها وكفاءاتهم، وهنا سيشعر الطالب بأنه يعرف معلمه أو معلمته بشكل أكبر وأكثر إيجابية، وسيسود جو من الإلفة بين الطلاب ومعلّميهم، بين الطلاب والمدرسة ككل، لأن الطالب سيشعر بأنه يعرف كل شيء عن مدرسته، فيحبّها أكثر، وينكسر بذلك حاجز الرهبة الموجود بينه وبينها.
كما يمكن أن يتضمّن الموقع نهج المدرسة وسياساتها وبرامجها التربوية، والإرشادات التي تريدها، ووضع أي شيء تربوي يمكن أن يساهم في دفع العملية التربوية إلى الأمام.
لا بل يمكن أن تضع المدرسة وبشكل يومي على موقعها على الانترنت خريطة البرامج والدروس وحتى الواجبات المفروضة على الطلاب، بما يسهّل على أولياء الأمور متابعة اولادهم والتعرف على المراحل التي وصلوا إليها في الدراسة.
كما يمكن إعطاء كل طالب مساحة خاصة يمكن الدخول إليها من قبل الأهل عبر اسم وكلمة سر غير معروفة إلا من قبلهم، وفي هذه المساحة السريّة يمكن للأهل الاطلاع على كل المعلومات الخاصة بأبنائهم وتقدمهم في الدراسة والمشاكل التي تعترضهم في الصفوف ومع المعلمين.
وأهم ما يجب أن تضعه المدرسة في موقعها هو بريدها الإلكتروني الذي يمكّن الطلاب أولاً والآخرين ثانياً سواء من الأهل أو غيرهم من التواصل مع إدارة المدرسة كلما احتاجوا إلى ذلك دونما انتظار أو تضييع للوقت، ويمكن أن تحل الكثير من الأمور العالقة من خلال مثل هذا التواصل.
ومن المفيد أن يكون للمعلمّين ايضاً بريدهم الخاص بكل واحد منهم يمكن الطلاّب من التعاطي معهم بإيجابية ومن دون خوف.
إن مثل هذه الأمور ستقرّب المسافات بين الجميع.
هنالك ناحية مهمة لا بد من الإشارة إليها ايضاً وهي أن وجود بريد المدرسة الألكتروني ضمن الموقع سيمكّن أي جهة كان من الإتصال مع هذه المدرسة دون صعوبة تذكر، فمثلاً هنالك مسابقات تقام حالياً عبر الإنترنت يكون نطاقها أكبر من الوطن الصغير وتمتد لتشمل الوطن العربي الكبير، إن وجود عنوان المدرسة على النت سيمكّن منظّمي هذه الجهات من التواصل مع المدارس من اجل إعطاء طلابها فرصة المشاركة في مثل هذه المسابقات.
ربما أيضاً يكون هنالك ندوات فكرية أو تربوية تنظّم من جهات دولية عبر حوارات على النت، وكي تتمكن المدارس من المشاركة بشكل فاعل لا بد وأن يكون لها وجودها على شبكة الأنترنت.
وربما تقوم المدرسة هي ذاتها بإنشاء مثل هذه الحوارات التربوية والدعوة إليها من خلال اتصالها بشبكة الانترنت.
لقد تحوّل العالم كله إلى قرية صغيرة، يمكن من خلالها أن يتواصل الكل مع الكل، لكن حتى يتم ذلك لا بدّ لكل شخص أو مؤسسة أو مجموعة من أن يجد له مكاناً داخل هذه القرية الكونية التي تقدّم التسهيلات الكثيرة وتختصر الكثير من الوقت لكل من يريد أن يعبر عن رأيه أو يتواصل مع الآخر أو يقدّم فكراً للآخر.
نعم، لا زالت العملية في بداياتها، البعض بدأ، ولكنه ما زال يخطو خطواته الأولى، ولكن كثر لم يبدأوا بعد، رغم كل هذه الأهمية، ما يزالون يعيشون ضمن المسار التقليدي الذي يؤخرهم عن اللحاق بركب التطور الذي يتسابق مع الزمن.
هي دعوة للإلتحاق بهذا الركب، فيستفيد من ذلك المدرسة والطالب والمجتمع ككل.
ماجدة ريا

Tuesday, June 10, 2008

المتطرّفون الجدد في لبنان

ربما صُدم الكثير من اللبنانيين بما صدر عن فريق الموالاة من مواقف، خاصة فيما يتعلّق بإعلان إيقاف المشاورات في تشكيل الحكومة.

ربما ازدادت صدمتهم عند حدوث تلك الإعتداءات على المواطنين الأبرياء في أماكن محدّدة في لبنان محسوبة على فئة معينة، اعتداءات صادرة وبشكل علني تحت عنوان مذهبي بحت، وتُغذّى من قبل وسائل إعلامهم بما يؤججها ويجعل أوارها يستعر.

لكن وقفة مدقّقة في كل ما جرى سابقاً، تجعل المرء يشعر أن ذلك الفريق المتجانس من حيث تشكيلته من رؤساء ميليشيات سابقين، من ذوي التاريخ الذي يُشهد له بالإجرام والإستعداد الدائم لحرق الوطن على من فيه حتى وأن حرقوا بالطريق محازبيهم من المصطفّين وراء عصبيتهم المُقيتة تلك، أن ما قام به هذا الفريق يأتي في سياق طبيعته وتركبه.

لقد تنفس اللبنانيون الصعداء بعد اتفاق الدوحة، الذي قد يبدو للمراقب المدقّق أنه مجرد مزحة، وربما يتحوّل إلى مزحة ثقيلة إذا استمرّ فعلاً ذلك الفريق في الإنزلاق في ذلك المنزلق الخطر.

ما يجري يجعل بعض الأسئلة تطرق الرأس بمطرقة حادة " هل هؤلاء لا يريدون من اتفاق الدوحة إلا انتخاب الرئيس فقط؟

وإبقاء الأمور على ما هي عليه من التعطيل؟

وعدم التوافق على الكثير من الأمور الأخرى التي يبدو أنها شديدة الحساسية؟

هل يظنّ هؤلاء أنهم يستطيعون أن يلعبوا أكثر في ملعب بات واضحاً أنه رطب جداً وفي كل خطوة انزلاق قد تكسر رِجلاً أو يداً أو ربما عنقاً؟

من المستفيد من كل هذا التأجيج في المشاعر وتوجيه الصراع باتجاه خطير جداً ظناً منهم أنهم يجرّون البلد إلى حرب مذهبية؟

ما زالوا يصرّون على غيّهم، ولا يريدون لهذا البلد أن يستقر، لأنهم ما زالوا ماضين في تنفيذ المخطّط الأمريكي الهدّام، يتقلّبون معه كيفما تقتضي الحاجة، يبدون ما لا يبطنون، يتلطّون وراء أقوال كاذبة من أجل الوثوب في أي لحظة إلى تمزيق اشلاء الوطن.

لا أمان مع هؤلاء، كم من مرة تعهّدوا ونكثوا العهود في اللحظات الأخيرة؟

كم من مرة انقلبوا وتقلّبوا وفق أهواء السيد الأمريكي؟

هل وصلنا فعلاً إلى الحائط المسدود ؟ إلى حافية الهاوية ؟ ولماذا؟

ماذا يريد هؤلاء؟

سلاح المقاومة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

مهما لعبوا أو تلاعبوا بالظروف والمعطيات، فإنهم حالمون وواهمون، ولا يدركون ما يفعلون، يسيرون على غير هدى، ينفذون ما يُطلب منهم، حتى وإن كان ذلك الطلب هو الإنتحار!

بئس الساسة هؤلاء، ومسكين هذا الوطن الذي كُتب عليه أن يحمل منهم كل هذا!

مسكين هذا الشعب الذي لا يعرف كي ينقذ نفسه من هؤلاء المرتزقة الذين لا يتوانون عن قتلهم كرمى لعيون الأمريكي ومن أجل حماية الأمن الإسرائيلي!

ولكن هذا الشعب المسكين الذي تحمّل فظاظة وفظاعة ما ارتكب العدو الصهيوني في حقّه، هو من سينتصر، مهما فعل هؤلاء ومهما كانت ألاعيبهم الشيطانية فإن الحق أقوى وما خاب من تمسّك بحقّه.

ماجدة ريا

Wednesday, June 04, 2008

أيها المسافر

أيها المسافر نحو شعاع الشمس
لتقطف منه لؤلؤ الحقيقة
وسر الوجود
دعني أبحر معك
في بحر عينيك
أمسك بالشراع
نجذّف معاً نحو شطآن الأمان

في هدأة الروح
ألمس جرحي المتّصل بالأرض
يحفر أثلاماً لبذور الحياة
أسقيها دمي
والدموع
أغرس فيها زهور الأعراس
ليرتع فيها الفراش الملوّن
يتناقل حكايات الحب الحنون
والعصافير تتلاقى أسراباً أسرابا
زغاريدها أعياد ميلاد
وألوان انتصار موشّح
يلوّن الأخبار بتلاوين البِشر
وروح الجنة قد أقبل
يزفّ الشهداء

ها هي أقواس النصر تتلاقى
فنمشي تحتها في ممر طويل
وصوتك يرنّ في أذني
انتظرني إني آتية إليك
أعدّ عدة أسفاري
كم وددت لو تكون مثل عدتك
خفيف الحمل غالي الثمن
فتحملني الملائكة بسرعة البرق
إلى عالم الملكوت
إلى عالم لا يفنى.

ماجدة ريا

Tuesday, April 01, 2008

يوم الأرض

أذكر الأرض فتهتزّ شراييني
ويتدفّق إليها حنيني
شلاّلاً يغويني ويدعوني
تعالي إلى القلب
حيث العشق الأكبر
حيث الحب الأزهر
وعبق التراب ينشيني
لا... لا تنسيني!

حبك يا فلسطين
تغريدة الزمن
وعشق بألف لون ولون
لون الحياة
لون العزة
لون البطولة والشرف
وطفل يقف على ترابك شامخاً
والدمعة في عينه لؤلؤة
تكشف زيف العالم
وتمضي بثبات
لتقول أنا الأرض
أنا الأرض وسأبقى
أنا الهواء والشمس والقمر
وسأبقى
لن تنزعوني من أرضي
لن تسلبوني حقي
وحقي الضائع سيعود
مهما جار قوم اليهود
ومهما تنازل من تنازل
إن اللآلىء التي في عيوننا أقوى
وهي التي ستعيدك إلينا

صبراً يا أرضي
فإن زهر الإنتصار آت
وطهر دماء الشهداء
هو صانعه

مع أطيب تحياتي لكل أهل فلسطين الصامدين الصابرين
ماجدة ريا

Saturday, February 16, 2008

مرحلة ما بعد اغتيال الشهيد القائد عماد مغنية


أجمع الخبراء الإستراتجيون والمراقبون السياسيون أن المرحلة التي بدأت منذ لحظة الإغتيال هي مرحلة مختلفة تماماً عن سا بقاتها، لا بل هي مرحلة مصيرية، خاصة بعد خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله.
كيف لا تكون كذلك وقد قال فيها صاحب الوعد الصادق أنها ستؤرّخ لسقوط اسرائيل!
لقد ارتكبت اسرائيل حماقة كبرى، بالتأكيد لا تملك أن تكون على مستوى تحمّل نتائجها، فكما في حرب تموز خطّطت ونفّذت واكتشفت عقم خططها، وفشل تفكيرها، فهي اليوم تقع في ذات الشرك وتظنّ أنها بفعلها هذا ستكسر شوكة المقاومة أو ترهبها؟!
بعض المحللين الإسرائيليين ـ وإن كانوا قلّة أدركوا أن قيادتهم أخطأت في فعلها هذا، معتبرين أن اسرائيل اغتالت قبلاً الأمين العام السابق السيد عباس الموسوي في 16 شباط 1992 وكان أن استلم مكانه السيد حسن نصرالله الذي تعتبره أشدّ وأقوى، إلا أن اسرائيل ما زالت تراهن على طبيعة تفكيرها وتحليلها وتقديرها للأمور، ولكن وحسبما يؤكد السيد ـ والذي يصفه الكثيرون أنه خبير في الأمور النفسية ـ أن "هؤلاء" لا يعرفون (لأنهم ينتمون لثقافة مختلفة تماماً) إن دم‏ الحاج رضوان يزيدنا قوة وتماسكاً ووحدة وصلابة وحافزاً لمواصلة الطريق بأفق أوسع وأكبر ان شاء الله. فهم لا يدركون أبداً مدى الوحدة العاطفية والروحية ومدى التماسك داخل صفوف المقاومة، ناهيك على أنها تشكّل حافزاً قوياً لمواجهة التحدّيات، وللإنتقام لتلك الدماء الطاهرة.
عادة، واعتماداً على مقياس ثقافتهم، يحاول الإسرائيليون اللعب على المتناقضات، والأمور النفسية التي يمكن أن تشكّل عامل ضغط على الطبيعة الإنسانية، ولكنهم لا يدركون كيف يمكن أن تكون طبيعة الأمور الإنسانية عند المؤمنين، ولا درجة مقياسها، ولا يعرفون بها أصلاً.
ففي حرب تموز، كانوا يهدمون البيوت ويقتلون الناس، وعندما كانت تجول كاميرات الصحافة العالمية على المهجرين الذين دمرت بيوتهم فيسمعون ما يجعلهم يقفون مذهولين:
فمن يقول تدمّر منزلي؟ فدا المقاومة، ومن تقول استشهد ابني ؟ فدا المقاومة.. وكلام يطول والكل يقدم النفس والمال والبيت فداء للمقاومة عنوان العزة والكرامة.
واليوم تظن اسرائيل أن اغتيال القائد قد يفتح نوعاً من الصراع على القيادة، أو يحدث بلبلة في صفوفها، لأنهم لا يفقهون طبيعة هذه المقاومة، ولا يمكن لهم أن يفهموا شيئاً.
منذ اللحظات الأولى يُعيّن القائد الخلف لخير سلف، وتسير الأمور بسرعة كبيرة، ويعلن السيد أن المقاومة قد اتمت كامل جهوزيتها للمواجهة، فحرب تموز لم تتوقف، والقائد عماد استشهد في سياقها، وإن كان في أرض غير أرضها ووقت غير الوقت الذي يتعارف انها حصلت به، ولم يكن هنالك وقف لإطلاق نار، أما الذي تبدّل اليوم فقط هو تغيير مقاييس اللعبة، بحيث أن الأمور اصبحت مفتوحة على مصراعيها، فعندما تغتال اسرائيل الشهيد القائد عماد مغنية على أرض غير لبنانية، فهذا يعني أنها وسّعت دائرة الصراع، ومن حق المقاومة أن ترد في أي مكان تراه مناسباً، وكذلك الزمان الذي تختاره.
ومن الواضح أن حالة هستيريا الخوف تجدّدت في اسرائيل، ورفعت حالة التنأهب إلى الذروة في كل مكان، على الحدود استنفار من وراء الدشم المحصنة بحيث لا ترى لهم وجوداً، في الداخل والخارج حيث تواجد اليهود على الكل ان يتوخى الحذر، الإسرائيليون يعيشون ذروة الهلع من حدوث اي شيء لن يستطيعوا لا هم ولا غيرهم التكهّن به بالتأكيد ، سيما بعد المفاجآت التي كان يظهرها أداء المقاومة خلال حرب تموز، فهم يعرفون أن المقاومة ستضرب بقوة.
فلينتظروا!
ماجدة ريا

Saturday, February 09, 2008

الغروب

بحثت عن مكان تستطيع أن تركن فيه سيارتها في ذلك المكان المكتظ، ولم تجد... دارت مرة واثنتين في المكان حتى رأت سيارة تهمّ بالمغادرة فأسرعت تأخذ مكانها.
تاهت نظراتها بين الوجوه، كباراً، صغاراً... يسيرون ذهاباً وإياباً على ذلك "الكورنيش"، فهو المتنفّس الأمثل لتلك الكثافة السكانية في هذه المنطقة... فهذا طفل يركض بين يدي أهله الذين يتابعونه بنظرات مسؤولة كي لا يتوه وسط هذا الزحام، وهذا كهل يعدّ خطواته علّها تدفع الدم في جسمه الهرم، وشباب وشابات يهرولون، أو يتسامرون بوشوشات وهمسات يغيب صداها مع صدى الأمواج التي تعانق هذا الشاطىء!

"
يا لها من لحظة تأمّل!" حدّثت نفسها برهبة وهي تتكىء على السور وتيمم وجهها شطر تلك الزّرقة الصافية... حاولت جمع امتداده في عينيها، فكان بكبره ووسعه كأنه كل شيء.. إلاّ أن صدى أمواجه التي كانت تتكسّر عند الصخور تحت السور كانت تقول لها "إن كلّ شيء مهما امتدّ وكبر ينتهي عند حدود." حاولت سبر أغواره، وأن تخترق صفحته الزرقاء فتمعن النظر لترى رهبة عظيمة بعمق المشاعر، وتتناسى كل الضوضاء التي حولها فيصبح وجودها جزءاً من ذلك اللون الأزرق اللا متناهي! حتى يكاد يلتصق بزرقة السماء...
لكن لوناً أرجوانياً بدأ يتسرّب ليحدّد فاصلاً بين صفحة ترسل اللون وأخرى تعكسها، ويتمدّد ذلك اللون الأرجواني البديع المرسل من ذلك القرص الأصفر القادم باتجاه النهاية والآخذ بالتواري خلف تلك الزرقة الممزوجة بالأضواء!
مرّة أخرى، حدّثتها نفسها قائلة "يا لها من لحظات مشبعة بأجمل ما يمكن أن تنتج المشاعر الإنسانية من حسٍّ بهذا الوجود!..."
غرب القرص المستدير، بعد أن نشر سجّادة أرجوانية، نارية تبدو لصيقة مع تلك الصفحة الزرقاء، لكنها ما لبثت أن تبدّدت شيئاً فشيئاً في أحضان لون آخر هو بسواده أيضاً من ألوان الوجود!... إنه سواد يفكّ سحر السفر في متاهات الحلم الأرجواني والزرقة الصافية فتزداد وحشة، ويتعاظم سرّها... أفلتت السور من بين يديها، تراجعت إلى الوراء، واختفت من حيث أتت.
ماجدة ريا

Tuesday, January 22, 2008

هيستيريا في اسرائيل

بعد مرور حوالي عام ونصف على حرب تموز، لا زالت تداعياتها وآثارها ماثلة للعيان كما لو انها البارحة، رغم كل الزخم الأمريكي المبذول من أجل تحقيق اي إنجاز يغطي على بعض من الهزيمة النكراء التي مني بها هذا العدو، ويفعل المستحيل من أجل دعم أولمرت رئيس الوزراء الفاشل الذي قام بهذه الحرب على لبنان بإيعاز منهم، واستمرّ فيها أيضاً بإيعاز منهم وهم الذين امتنعوا عن إيقافها رغم أنها ما كانت تحصد سوى المدنيين وما كانت تدمّر سوى البيوت الآمنة للأبرياء، كما تفعل اليوم تماماً في غزة. وكل ما يحاول الرئيس الأمريكي فعله بدءاً من أنابوليس، وانتهاء بجولته على الدول العربية، كان ركيزته دعم اسرائيل، ودعمها ودعمها... سيما مع اقتراب صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد الذي يحتمل أن يؤثر على رئيس الوزراء الإسرائيلي "أولمرت" ومن يدري إن كان سينفعه ما اتعب نفسه بوش في تقديمه له.
في هذا الظرف يطل حديث قائد المقاومة في يوم العاشر من المحرم ليشعل في الكيان الصهيوني هيستيريا جنونية ظهرت في مختلف وسائل الإعلام.

وقد كتب فيها الأستاذ محمود ريا:
"من يشاهد الهستيريا التي سادت المؤسسة السياسية والإعلامية الصهيونية بعد الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في ذكرى إحياء عاشوراء يوم السبت يمكنه ان يفهم ببساطة حجم الهزة العنيفة التي أصابت المؤسسة العسكرية في هذا الكيان والتي ارتدت على الساسة وعلى أولئك الذين يسمون أنفسهم إعلاميين وهم ليسوا أكثر من صدى للمؤسسة الأمنية يرددون ما تلقنهم إياه ويعبرون عما يختلج في أذهان القادة العسكريين.
كان "القصف الكلامي" عنيفاً جداً، يذكّر بقصف العرب للصهاينة في حروبهم السابقة، وإلقائهم في البحر وتدمير كيانهم وطردهم شر طردة، لنستيقظ في اليوم التالي على هزائم عربية شنيعة لا يمكن تصورها.
من التعابير الهابطة التي لا يمكن أن تصدر عن "رجال دولة" إلى التهديدات باغتيال السيد حسن نصر الله، إلى محاولة تفسير الدين الإسلامي وإعطاء فتاوى في ما يجوز وما لا يجوز، إلى نفي وجود أشلاء لجنود صهاينة لدى المقاومة الإسلامية.. إلى العودة عن النفي والاعتراف بوجود أشلاء عشرة جنود على الأقل، منظومة من الأساليب المتميزة التي استخدمها العرب سابقاً للتنفيس عن هزائمهم المتتالية أمام الصهاينة، يلجأ قادة العدو إليها اليوم من أجل التنفيس عن هزيمتهم المنكرة أمام المقاومة الإسلامية وعجزهم عن مواجهتها أو فعل أي شيء ضدها.
إلا أن "النكتة" تكمن في دعوة وزيرين صهيونيين إلى اغتيال السيد نصر الله، وتساؤلهما عن سبب عدم حصول ذلك حتى الآن، ما يشير إلى حالة انفصام عن الواقع يعيشها هؤلاء الذين حاولوا الإيحاء بأنهم يتحكمون بالواقع ويكتبون الماضي ويرسمون المستقبل.
لماذا لم يغتالوا السيد نصر الله إلى الآن !؟
ربما بساطة الجواب هي التي تذهلهم: لأنهم لم يستطيعوا ذلك، وليس لأنهم لا يريدون ذلك.. لقد بذلوا كل ما لديهم من طاقات، هم وحماتهم الأميركيين، من أجل تحقيق هذا الهدف الغالي، ولكنهم.. بكل بساطة.. فشلوا.
هل يلامون لو ماتوا كمداً، ولو عضوا اصابعهم ندماً وحسرة، ولو انفجروا وهم يطلقون الشتائم النابية والتعابير الخارجة عن المألوف؟
لا.. لن يلومهم أحد على فعلهم هذا، كما لن يلومهم لو قتلوا أنفسهم بأيديهم نتيجة عجزهم، أو لو خرجوا في الشوارع يولولون ويشدّون شعورهم ويصرخون.
لن يلومهم أحد.. لأنهم عاجزون."

الهم الفلسطيني، والوجع الفلسطيني يبقى حاضراً في خطابات سيد المقاومة، فلم يغب عنه الحديث عما يجري في غزة، وطالب الدول العربية والشعوب العربية بتحرك فاعل من أجل فك الحصار عن غزة، ومن أجل الضغط لإيقاف شلال الدم والمجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني في حق أهلنا الصامدين في غزة.
لعّل الشعوب العربية تحرّكت نخوتها بعدما تجاوزت اسرائيل حدود المعقول في توحّشها، لكن الحكومات العربية لا تسمع ولا ترى، وكل ما جادت به هو دعوة على مستوى المندوبين من قبل الجامعة العربية للتداول فيما آلت إليه الأوضاع في غزة! كل هذا العنف الصهيوني، هذا القتل وهذا الحصار الذي هدد أرواح الكثير من الأبرياء لا تراه، بل ويخرج أحد المسؤولين ليطالب بضم اسرائيل إلى الجغرافيا، ورفع حالة العداء معها!
فهل يكفي أن يتنهّد الإنسان ليطفىء نيران قلبه؟ وهل يكفي أن يبكي على مثل هذه الحال؟!
أم يجب أن ترفع الشعوب أصواتها أن كفى ذلاً وكفى تخاذلاً؟
ماجدة ريا