Saturday, September 20, 2008

التلفاز والشهر المبارك

عندما تضجّ المدنيّة بكل تشويشها في رأس إنسان، قد يقف لحظة ويلتفت إلى الوراء، حاسداً أهلنا أيام زمان، يوم لم يكن هنالك لا تلفاز ولا حاسوب، لا فضائيات ولا شبكة معلومات.. إذ تكفي هذه الكلمات كي يشعر المرء بأنها تحاصره من كل جانب.
وبرغم الحسنات الكثيرة لهذه الاختراعات، وما قدّمته لهذا الإنسان من خدمات وتطور، وبرغم الحاجة الماسّة إليها، قد يقف المرء باحثاً عن لحظة سكون عاشها الأهل أو الأجداد في سابق الأزمان، لحظة لا يوجد فيها سوى عشق الأرض وضوء القمر والأحبة من حوله، يعطي لكل منهم نصيبا ويبقي النصيب الأكبر للتهجد والعبادة في آناء الليل، خاصة في مثل هذه الأوقات من أيام السنة، حيث يتفرّغ للصيام والعبادة ورأسه مرتاح من كمد هموم هذه الدنيا ومتطلّباتها ومشاغلها.
رُبّ قائل: هيهات أن نحصل على لحظة مثل تلك اللحظة، فإنها بعيدة عنا بعد الأرض عن السماء.. ولكن هناك من يقول شيئاً آخر، وهذا القائل بالطبع ليس من بلادنا، بل من بلد بعيد في أقاصي الشرق، من الهند.. إذ يقول واصفاً أحوال بعض المسلمين هناك في شهر رمضان المبارك: "مع قدوم شهر رمضان يقوم المسلمون في القرى والأرياف بتخزين مقتنياتهم من التلفزيونات والأطباق اللاقطة للفضائيات ويخرجونها بعد نهاية شهر رمضان".
وبرغم أنه يتابع كأنه غير مقتنع بما يفعلون يقول: "إن كل أشهر العام للعبادة، ليس رمضان فحسب"..
فهؤلاء الناس ما زالوا مقتنعين بأن هذا الجهاز سيسلبهم أثمن الأوقات من هذا الشهر الفضيل، لذا يفضلون إبعاده عن أنظارهم حتى لا يضعفوا أمام مغرياته التي قد لا يستطيعون مقاومتها، فيقطعون دابر هذا الأمر على أنفسهم بقرار عرفي يطبّق على الجميع كأنه حكم مبرم، ويلتزم به الناس في أرياف الهند بكل طيب خاطر، ليصرفوا جلّ أوقاتهم في هذا الشهر الكريم في العبادة.
ولعلّ العبرة هنا ليس في الانقطاع عن التلفاز ونزعه كلياً من أمام الأعين، وإنما في إعطاء الأمور العبادية حقها من الوقت.. وهذه السمة متوافرة في مسلمي الشرق الأقصى بمجملهم على ما يبدو، حيث تأصّلت في نفوسهم حتى أكثر بكثير من بعض الناس في بلداننا العربية.. إذ هناك من يقول: "ما لفت نظري هو أن شهر رمضان لدى مسلمي الصين شهر للتعبد والتقرب إلى الله، وقضاء معظم الوقت في المسجد، بينما في البلاد العربية ـ مهبط الرسالة ومبعث الإسلام ـ يصبح شهر رمضان موسماً لمعرض تلفزيوني ـ سينمائي، تتسابق فيه شركات الإنتاج لعرض آخر ما توصلت إليه من مسرحيات وبرامج ترفيه ومسلسلات تشل وتقضي على وقت الصائم، ولا حول ولاقوة إلا بالله!".
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التلفاز لا يُشكّل بالضرورة عاملاً سلبياً، بل هو واحد من اثنين: إما سلبي وإما إيجابي، ومن يُحدّد ذلك هو الشخص الذي يحدّد بإرادته ما يشاهد على التلفزيون.
يمكن لهذا الجهاز أن يتحول إلى عامل إيجابي عندما نحسن استخدامه، فهو يبث برامج توعية، ونستمع من خلاله إلى قراءة القرآن الكريم والأدعية. فتستطيع مثلاً ربة المنزل أن تستمع إلى كل ذلك وهي تحضر وجبات الإفطار، فيكسبها ذلك جواً روحانياً جميلاً، إضافة إلى شعورها باللذة لأنها تعد الإفطار للصائمين، وتزداد لذتّها عندما يكون بين الصائمين أطفال ينتظرون ما تعد لهم.
يحتاج المرء فقط إلى إرادة الاختيار والتحكم في ما يريد فعله، فيستفيد من التلفاز في وقت هو يحدّده، ويحرص في اختياره على ما يريد أن يشاهده ليجعله مما يزيد في حسناته، متنبّهاً الى كل ما يمكن أن يصادفه من أمور يمكن أن تحرفه عن المسار الصحيح.
فليس من الضرورة الإبعاد ولا الإقصاء، ولكن من الضرورة تقسيم الوقت بشكل جيد لا يأخذ من وقت عبادتنا، ومن الضرورة اختيار ما نحضر بشكل دقيق، خاصة في أيام شهر رمضان المبارك، لأننا إذا كنا نردّد في أيامنا العادية ما ورد في دعاء كميل: "لأنه لا يكون إلا عن غضبك وانتقامك وسخطك، وهذا ما لا تقوم له السموات والأرض، كيف بي وأنا عبدك الضعيف الذليل، الحقير المسكين المستكين؟!".
فما بالنا لا قدّر الله إذا حل بنا هذا الغضب في شهر رمضان المبارك، الذي يقول فيه النبي (ص): "الشقي هو من حُرم غفرانه".
نعوذ بالله من غضب الله، وأعاننا جميعاً لنكون ممن رضي عنهم فأرضاهم.
ماجدة ريا