Friday, June 09, 2006

الوقت وسياسيونا

نحن في لبنان ندرك أهمية الوقت جيداً، والسياسيون القدماء الجدد يعلّموننا كيف ندرك هذه الأهمية ساعة بعد ساعة، ولحظة بعد لحظة. ننظر في مفكرة أيامنا، ونحسب التاريخ يوماً بعد يوم وننتظر... ويا لأهمّية الوقت مع الإنتظار!
.بلد بكامله ينتظر، مع ما للإنتظار من دغدغات للأعصاب
وأنا يمكن أن أشهد لأعصاب اللبنانيين بأنها من أقوى الأعصاب التي يمكن أن تتمتع بها الشعوب... لشدّة ما تحمّلت منذ وقوع الزلزال الكبير( المتمثّل باستشهاد الرئيس رفيق الحريري) والذي قوّض الأرواح وترك أجساداً هائمة على مذبح شعار الحرية والسيادة والإستقلال!
يقطّعون الوقت، يحتاجونه، يشعرون بأهميته إلى درجة أنه أصبح هو الروح الذي يعيشون من خلالها، بانتظار أن يستكمل الزلزال فعلته ويدمّر ما تبقى من شيء اسمه "لبنان".
ولا زال لدى اللبنانيين أعصاب تنتظر!
ولا زال التشنّج يولّد التشنج، والألم يتفاقم بألم أعظم منه، وعيون أطفال شاخصة إلى صراع مجهول، وشباب قوتُهم غليان الدم، ورجال ونساء ينظرون نحو السماء "رحمتك يا الله!"
منذ الزلزال والمتحكمّون في البلد، يعيشون على الأمل الزائف، بقلب وجه لبنان وتغيير هويته، ويطالبون الآخرين بالانتظار...
مؤيّدوهم ينتظرون حدوث معجزة، فينقلب البلد رأساً على عقب، وخصومهم ينتظرون انتهاء المهزلة السخيفة، والحلم الزائف..
مؤيّدون يؤججون نار الفتن ويشحنون النفوس بشتى أنواع التفرقة والعنصرية، وخصوم ينظرون إلى حال البلد المتردي فيتحسّرون على هذا الوقت المهدور من حياة بلد حقّق أعظم انتصار في تاريخ العرب المعاصر، وكيف أن البعض يمعن تجريحاً في هذه العزّة وهذه الكرامة... لأنه لا يدرك قيمة لعزة أو لكرامة!
وعلى أمل أن يتحول الوقت إلى صالحهم، يطالبون بالإنتظار.
انتظروا... انتظروا نتيجة التحقيق!... انتظروا تقرير ممثل الأمم المتحدة... تارة في التحقيق، وطوراً في القرارات الجائرة من الراعية لمجلس الأمن "الولايات المتحدة الإمركية"...
انتظروا أيها اللبنانيون... الوقت مهم جداً، فاسمحوا لنا بتقطيعه!...
حتى الآن ... لا أعرف ماذا ينتظر هؤلاء؟ وهل هم حقاً موقنون أنه يمكنهم قلب الأمور رأساً على عقب؟ وبتغيير مسار بوصلة لبنان المثقلة بدماء الشهداء وآلام الجرحى وعذابات الأسرى... والتي يحملها لبنانيون لطالموا ضحوا في سبيل عزة هذا الوطن، ولا زالوا مستعدّين للتضحية؟
فهل هم حقاً قادرون على تغيير المسار؟ أم أنهم يقتطعون فترة من زمان حياة لبنان ويطلونها باللون الأسود الذي يناسب مزاجية بعضهم السوداوية؟
نعم... في بلدي سياسيون.. هكذا يتعاملون مع الوقت!
ماجدة ريا ـ 9/6/2006

Thursday, June 08, 2006

مدينة الوقت

شارع عريض، أشجّار باسقة تظلّله، ينعكس من اخضرارها ألوان بيضاء وزّعت بشكل متباعد ومتواز، جعلها تتدرّج من اللون الأبيض المبهر، إلى بياض رائق يتسلّل منه الضوء ليترك مكاناً للأخضر الغامض الذي يفصلك عن ضوء مبهر جديد...
أسير في ذلك الشارع وروحي تلاحق تلك الأضواء المتناغمة كما لوحة الحياة، عندما لفتني وجود بوّابة كبيرة تدعو المار من جانبها للولوج في داخلها.
"يا لها من بوابة غريبة كما الإسم الذي نحت في لوحة علّقت فوقها لتعرّف عمّا في داخلها".
ردّدت ذلك مع نفسي وأنا أقرأ تلك اللوحة " مدينة الوقت".
وأخذتني التساؤلات على حين غرّة: "مدينة الوقت؟! أي مدينة هذه؟ هل أجد فيها ما أبحث عنه، وما شغل الناس كثيراً؟... لا بد أن أدخل وأتأكّد بنفسي، ماذا يوجد داخل هذه المدينة الغريبة!".
دنوت من البوابة، وقلبي يخفق بوجل لغرابة ما يرى، وسرعان ما لمحت ذلك الحارس الفارع الطول، القوي البنية، المتناسق الملامح. لكنها ملامح جامدة، لا توحي بأي شيء، كما لو أنها ملامح تمثال لا يبشّرك بحزن أو بفرح، حتى عيناه، جامدتان لا تتحرّكان، وأنا في حيرتي من أمر حارس لا يرى ولا يسمع ولا يتحرّك. انتبهت إلى يده المرفوعة، التي تحمل سيفاً طويلاً مقوّساً ينزل ويرتفع دون توقّف وبسرعة هائلة، على عرض تلك البوّابة.
" هكذا إذاً؟! الأمر في غاية الخطورة!"
وردت إلى ذهني مباشرة عبارة "الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك!" تردد صدى هذا المثل في قلبي وعقلي معاً ولكن بوتيرة تتناغم مع حركة سيف مسلّط على الرقبة، ورغبة جامحة في دخول هذه المدينة الغريبة! وأخذني التفكير... والقرار هو أنه لا بد من الدخول، ففي هذه المدينة ما أبحث عنه ولن أضيّع الفرصة!
وجاءني هاتف كما لو أنه صادر عن هذا الجماد الذي لا يتحرّك ليضعني أمام حقيقة لا جدال فيها: "حذار للمرور، الدقيقة لها ثمنها، والثانية أيضاً، بل ربما الجزء من الثانية يكون له كلمة فصل بين حياة أو موت!".
***
"إذن هذا الحارس لا شأن له بأية حسابات، علي أن أحسب حساب الدقيقة والثانية..."
حدّقت بالسيف كي أضمن لنفسي سرعة المرور في اللحظة المناسبة قبل نزوله، راقبته حتى بدأ بالارتفاع إلى أعلى، وما إن وصل إلى أعلى نقطة يصلها، حتى كنت، كسرعة البرق وولوج الريح، من الباب دخلت.
وعندما أصبحت في مأمن من ذلك السيف، أخذت نفساً عميقاً، وسرّحت ناظري في تلك المدينة، قبل أن أشرع في البحث عن طلبي.
صادفت أول ساكن من سكان هذه المدينة، وسألته:
"هنا في مدينة الوقت، ما أهمية الوقت لديك؟"
وقف، أمعن النظر إلى وجهي كأنه يريد أن يتعرّف إلي وقد استغرب سؤالي، ثم ما لبث أن أجاب:
" امنحيني وقتاً لأفكّر." ثم استطرد مبتسماً "هذا هو"
"ماذا؟!"
"أهمية الوقت من أهمية ما نفكّر فيه."
تابعت طريقي، مررت بآخر، كان رجلاً متقدما في السن، ولا زال يعمل بجد، وسألته السؤال ذاته، فكان جوابه:
" الوقت يا ابنتي هو في أهمية ما نقدمه من أعمال".
تابع عمله، فيما أنا تابعت طريقي، التقيت بثالث جالساً في أحد المقاهي يتناول قهوته بهدوء غير عابىء بشيء, فسألته.. وكان الجواب:
" أهمية الوقت في أن أقضيه كما أحب وأرغب!"
تركته ومضيت وأنا أسأل نفسي "أين أجد ضالتي؟ ومن سيعطيني الجواب الشافي؟!"
وبينما أنا في حيرتي، اقتربت مني طفلة صغيرة، وبدلال الأطفال سألتني "هل تبحثين عن شيء سيدتي؟"
ابتسمت لها وأنا أجيبها: "أبحث عن جواب لسؤال يحيرني!"
" ما رأيك لو تأتين معي لتسألي أبي، فهو حكيم هذه المدينة".
"ولمَ لا يا عزيزتي، سآتي معك."
عندما دخلت إلى حيث يجلس ذلك الرجل الذي بدا عليه الوقار، استبشرت خيراً، وازدادت فرحتي عندما سمعت كلماته التي قضت على حيرتي وجعلتني أهز رأسي موافقة:
"أهمية الوقت يا ابنتي هو في أن ندرك أنه مهم".
ماجدة ريا