Wednesday, May 20, 2009

أهل الوفا وفاء للمقاومة






أطفئت الأنوار إلا من نور تلك الشاشة العملاقة التي شدّت القلوب إليها بانتظار الحدث، فالفيلم الذي سيعرض ليس فيلماً عادياً، ولعلّه باكورة أعمال كثيرة ستتلاحق فيما بعد، فهو الفيلم الأوّل من نوعه والذي يحاول أن يقدّم نموذجاً يحاكي إحدى عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان.

فحتى اليوم ما زالت التجربة الغنية التي خاضت غمارها المقاومة الإسلامية في لبنان وما تزال في التصدي الناجح والمبهر لأعتى قوة همجية عرفها التاريخ، ألا وهي الصهيونية، ما زالت غريبة عن الوسط الفني، بعيدة عن تناولها في المحافل كأعمال فنية من أفلام ومسلسلات تلفزيونية، رغم أنها تشكل ثروة فكرية كبيرة وفريدة من نوعها يمكن الإستفادة منها على مستوى العالم.

وما زال الحديث عن هؤلاء الفوارس الذين سطروا أروع الإنتصارات خجولاً في الوطن الذي قدّموا في سبيله كل غال ونفيس، فكيف ستكون الحال على مستوى الوطن العربي والإسلامي إذاً! لا بل كيف ستكون في العالم كلّه حيث يوجد لهذه المقاومة أنصار ومحبون ومتطلّعون إلى مسيرتها، وكم من هؤلاء الأنصار على مستوى العالم يتوقون لمعرفة أية تفاصيل عن حياة هؤلاء المقاومين، عن أعمالهم، عن كل تفصيل يمكن أن يقرّبهم منهم أكثر فأكثر.

فالمقاومة التي هي طريقة تفكير ومعاملة، والتي هي أخلاق وقيم نبيلة، ما زالت غير معروفة بالنسبة للكثيرين من الناس الذين عاشت في قلوبهم، وهتفوا لها، وأحبوها إلى حد العشق، حتى اختلطت كلمات المقاومة الإسلامية في لبنان مع ذرّات دمائهم المنسكبة في شرايينهم، على امتداد العالم ، كل هؤلاء الناس الذين تحيا المقاومة في نفوسهم إلى حد التقديس يبحثون عن أعمال تقرّبهم منها، تجعلهم يعيشونها عن قرب.
وليس هناك أفضل من الأعمال الفنية بكل أشكالها أداة لعملية التقريب هذه، لينصهر العاشق بالمعشوق، والمقاومة بناسها وأهلها، إضافة إلى أن هذه الأعمال تقدّم صورة حقيقية عن هؤلاء الأبطال لكل العالم وتدحض ادعاءات الماكرين والمتربّصين شراً بهذه المقاومة الشريفة، والأهم من ذلك فإن هذه الصورة ستكون برسم من يبحثون عن الحقيقة، أولئك الذين لم يجدوا أنفسهم بعد، أو أولئك الذين شوّش الإعلام المعادي أفكارهم، لا بدّ لهم أن ينظروا في الحقائق، وأن يعيشوا هذه التفاصيل خاصة عندما يُقدّم الفيلم مشهداً حياً من حياة المقاومين وصورة عن طبيعة عملهم بالصوت والصورة وبكل وضوح، رغم أنه قد لا يتمكّن من الدخول في أدّق التفاصيل التي تشكّل خصوصية عند هؤلاء الأفراد الربّانيين الذين قد لا نستطيع مجاراتهم حتى في التمثيل، أو في أية أعمال فنية أو كتابية تقدّم صورة عنهم، إذ يبقون أكبر من كل الصور ومن كل ما يمكن أن يُقال أو يقدم، لكن بالتأكيد هذه الأعمال تستطيع أن تحاكي عقول الناس، وأن تقرّبهم من المشهد الحقيقي، وأن تضيء قبساً من نور إلهي.

موضوع الفيلم يحاول تسليط الضوء على عملية نوعية نفّذها مجاهدو المقاومة الإسلامية سنة 1994 في منطقة تسيطر عليها قوات الإحتلال الإسرائيلي بشكل محكم، فيعرض عملية التخطيط والتنفيذ لهذه العملية النوعية مع ما يرافقها من أحداث تواجه المقاومين أثناء العملية، وكيف يتم تخطّي كل تلك الصعاب، إلى أن تتكلل العملية بنجاح كبير بتفجير محكم في قافلة للعدو الصهيوني على طريق الخردلي دير ميماس يؤدي إلى قتل وجرح الكثير من الصهاينة والعملاء.
مشهد سيذكره التاريخ كغيره من آلاف المشاهد التي ما زالت مغمورة ولم تكشف عنها الصورة بعد، لكنها محفوظة، تنتظر دورها لتظهر ذات يوم.

قصة الفيلم حقيقية حتى بتفاصيلها وقد رواها شادي قبيسي وهو من الذين عاشوا العملية يومها، وكتب السيناريو والحوار فيها كاتب من كتّاب المقاومة وعشّاقها الدكتور فتح الله عمر وأخرجها المخرج القدير نجدت أنزور الذي طالما قدم لنا أعمالاً فنية رائعة، ومسيرته الفنية هي نهج إبداعي متواصل عبرت إلى قلوب المشاهدين خلال سنوات عمله، وقام بدور البطولة الممثّل القدير عمار شلق، مع نخبة من الممثلين المبدعين.
كما ساهم في إنجاح هذا العمل الجيش اللبناني، المقاومة الإسلامية في لبنان، تلفزيون المنار، بلدية يحمر، منتجع الفردوس السياحي، مستشفى الشهيد راغب حرب، والإعلام الحربي في المقاومة الإسلامية، أما المنتج لهذا العمل الفني الرائع فهي: الجمعية اللبنانية للفنون "رسالات" التي قدّمت سابقاً أعمالاً فنّية مختلفة حول المقاومة وما زالت تسعى إلى تقديم المزيد من الأعمال التي تسهم في تقديم صورة نابضة بالحياة عن المقاومة، وقد قدّم هذا العمل في قاعة رسالات (بلدية الغبيري) بحضور المخرج وفريق العمل وشخصيات لبنانية بارزة ، إضافة إلى حشد من الإعلاميين ومن جمهور المقاومة.

الفيلم يُعرض للمرة الأولى، وقد تمّ افتتاحه وتقديمه كهدية متواضعة من أهل الوفا إلى المقاومين الشرفاء الأحياء منهم والشهداء، وعلى رأس المسيرة القائد الجهادي الكبير الذي ما زالت روحه ترعى المقاومة وتنبض فيها الشهيد القائد الحاج عماد مغنية، بمناسبة عيد المقاومة والتحرير الذي يصادف في 25 أيار، على أن يكون هذا العمل انطلاقة لمزيد من الأعمال التي تحاكي مسيرة المجاهدين المشرقة، وتضحياتهم المضيئة، وانتصاراتهم التي شرّفت الأمة على امتدادها، وأعطت زخماً لكل أحرار العالم كي يتابعوا في هذا الطريق، ويجدّوا في المسير، لأن مثل هذه العطاءات تنتهي بالإنتصارات.
ماجدة ريا