Sunday, June 03, 2007

وتبقى الروح


إلى روح الإمام الخميني العظيم (قده)
حزيران، صفاء الأديم، وزرقة السماء، سنابل قمح صفراء تتماوج بقاماتها الرّشيقة، وحبّاتها الذهبية على نغمات هواء عليل لتكشف عن وجه صبغته الشمس بسمرة لطيفة، ترتسم على قسماته علامات مبهمة، وانطلقت من عينيه نظرات كسهام حادة توزّعت عبر المدى، وغابت أفكاره في تأمّلات من نسيج الواقع وانطلاقات الماضي.
برزت من مخيّلته صورة متوهّجة تسطع بالنور وتشعّ بالضياء، وقد حفرت في أقدس مكان من هذا الرأس لتوزّع إشعاعاتها على الماضي والحاضر والمستقبل، إنها صورة ذلك الرجل العظيم الذي بدّل مسيرة حياته، بل مسيرة العالم أجمع.
تهامست الأفكار داخل ذلك الرأس وتردّد صداها على امتداد الحقول وتناقلتها البلابل والأطيار.
لقد كنت يا سيّدي وإمامي أول نور أضاء ظلمات حياتي واستمرّيت كذلك، وأنا يا إمامي لست سوى إنسان قاصر بما أعرف من علوم وقد عرفت وسمعت عن الكثير من الشخصيّات البارزة من أبطال ووجهاء وعلماء، لكنّك أنت يا سيدي كنت أمراً آخر، وبقيت في نظري أعظم شخصية عرفها التاريخ المعاصر، قلبت المقاييس رأساً على عقب، دخلت التاريخ من بابه الواسع وأعدت صياغة الموازين من جديد، فأزلت الرماد المتكدّس على إسلامنا، وكشفته عن جمره الوقّاد، فأظهرت عظمته ومقدرته على صناعة الأجيال التي يمكن أن تتخطى الأخطار وتواجه الرّزايا من أجل إحقاق الحق وصياغة العدالة.
وكلّما أبحر الإنسان في بحر علومك، تنكشف الحجب عن النفس الباحثة عن ذاتها، وتتّسع الرؤيا ليعرف أنّك أجبته عن أسئلة لم يكن يعرف كيف يطرحها، لا بل لم يكن يعرف كيف يستخرجها من قرارة هذه الذات.
سيّدي، لقد حقّقت حلم الإنبياء بإقامة دولة الإسلام على الأرض، وتطبيق دستور القرآن الكريم.
ثورتك سيدي لم تنحصر في شعبك، بل تخطّتها لتحرّك كل الشعوب المستضعفة، إلى أي دين أو إلى أي بقعة من الأرض انتمى أبناؤها، وزرعت في قلوبهم يقيناً بقدرة الحق على مقارعة الظّلم، وكرّست ذلك بإرادة لا تقهر، لتحيل حياتك إلى كوكب وضّاء ينير عالم الحقائق وتكشف ستارة الظلام التي كانت تلامس القلوب.
سيدي... مع انبلاج فجر الثورة الإسلامية أدرك قلبي نور اليقين، وجمال الدين، وروعة الإيمان، وأدرك كيف يتحرّك في هذا الزمان، كيف يعقل الحقائق، كيف يصون دين الإسلام من أعدائه المتربّصين به الشرور، وكيف أكون غيوراً على إسلامي ، مع هذه الثورة تعلّمنا الكثير، الكثير، وأقول لئن غبت عنا سيدي فقد غاب الجسد وبقيت الروح فينا تنير ظلام أرواحنا بنور إيمانك وعلمك.
طالت مناجاته في وقفته تلك، وكان وقت الفجر أخذ بالتلاشي، لترسل له الشمس شعاعاً يوقظه من أفكاره، ويحرّكه نحو تلك التلّة التي طالما اختلطت ذرّات ترابها مع عرقه وتمرّغت بها ملابسه، هناك حيث يؤكّد الوعد بالعهد، ويمضي بثبات لتحقيق ما يريد.
سرحت عيناه في زرقة السماء الصافية التي اجتاح صفاءها حركة طائر كبير، بدا صغيراً لشدّة علوّه، تبعه بعينيه وهو يحلّق في السماء بشكل دائري، وكأنه يبحث عن شيء ما.
مشى بضع خطوات على الطريق الترابي الضيق المحاذي للزرع، أخذ نفساً عميقاً وجلس على كومة من التراب على ضفة النهر الذي يمرّ من هناك، فشعر بتناغم خرير مياهه المنسابة بكل رقة وعذوبة مع صدى أفكاره التي لا زالت تتسابق في رأسه خيالات وأحداث.
لا زالت نظراته تتابع حركة المياه، وقد تركّزت على بعض الأعشاب الخضراء التي ظهرت على حافة النهر، فتتمايل معها، وكأنها تتراقص على نغمات أفكاره.
" نعم سيدي، لقد تركت فينا نهجاً لا يموت، وفكراً لا ينضب فتبقى شمساً تزداد سطوعاً في كبد السماء وتضيء كل زوايا العتمة في هذه الأرض، دون أن تعرف الأفول".
ماجدة ريا
25 تموز 1997