Monday, November 15, 2010

أضحى مبارك


كل عام والأمة الإسلامية بألف خير

أعاده الله عليكم جميعاً بالخير واليمن والبركات

وتحرير المقدسات بإذن الله تعالى

Friday, June 18, 2010

التطور والمدنية رحمة ونقمة


"الإنسان ابن بيئته" هذا المثل لخّص مدى أهمّية وأبعاد تأثير البيئة على الإنسان إلى درجة تجعل علاقة الإنسان بها كعلاقته بأهله الذين هم أصل وجوده,
والبيئة هي كل ما يحيط بهذا الإنسان من ماء وهواء وتراب مع كل العوامل الداخلية والخارجية التي تخضع لها هذه العناصر.
ولا غرو أن هذه العوامل يكون تأثيرها طبيعياً تارة، وأخرى يأتي تأثيرها من صنع الإنسان نفسه، فالبشر الموجودون في البيئة ذاتها لهم تأثيرهم في محيطهم كما في المحيط الخارجي.
والإنسان الموغل في القرن الواحد والعشرين بلغ مراحل متقدّمة من العلم والتطوّر، إلا أن لهذه الميّزة انعكاسات وتأثيرات في حياة البشر.

ظاهر هذه التأثيرات إيجابي إذ تحسّنت حياة الناس وأوضاعهم الإجتماعية في كلّ مكان امتدّت إليه يد المدنيّة، إلاّ أن باطن هذه التأثيرات بدأ يظهر إلى العلن من خلال العديد من المؤشّرات التي يشهدها البشر ولاسيما فيما يتعلق بالتغير المناخي والتلوث المستشري والاحتباس الحراري المتفاقم، وكانت الصرخة التي أطلقت في مؤتمر كوبنهاجن والذي عقد من أجل تدارك المخاطر المحدقة بكوكب الأرض أكبر دليل على مدى راهنيتها.
هذا الواقع يؤشر إلى أن التطور المدني الذي يسعى الإنسان إلى إنجازه واستكماله إنّما هو سيف ذو حدّين، لأنّه وإن أمّن حياة مريحة للناس، إلاّ أنّه اسّس بالمقابل للكثير من المشاكل البيئية التي تسهم بشكل أو بآخر بتعكير صفو حياة هذا الإنسان بسبب الأمراض الغريبة والجديدة التي ظهرت نتيجة لهذا التطور.

فعندما يركب المرء السيّارة مثلاً فإنّها تريحه من عناء السير على الأقدام، وفي الوقت ذاته تنبعث من العادم الغازات السامة التي ـ مع تزايدها نسبة لتزايد الكثافة السكانية ـ بدأت تشكّل خطراً على حياة البشر لأنها تلوث الهواء الذي نتنفّسه، فكيف بنا ونحن أمام مصانع كبيرة، وآلات مختلفة، وأمور كثيرة، جميعها يؤدّي إلى هذه المخاطر، والتي تتزايد في الأماكن الأكثر تطوراً، كما تتزايد في الأماكن التي تكتظّ بالسكان.

فالإحتباس الحراري الناجم عن كل هذا التلوّث في البيئة يهدّد المناخ، ويؤثّر في كل شيء، وخطره في تزايد يوماً بعد يوم، سيّما وأن البلدان الأكثر تأثيراً في إيجاد هذا الخطر وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية (التي تطلق في السنة حوالي 3 مليون طن من الكيميائيات السامَّة إلى البيئة مساهمة في أمراض السرطان وتشوهات الولادة وتشوهات جهاز المناعة والعديد من المشاكل الصحية الأخرى) رفضت العمل على الحد من هذه الإنبعاثات، ولم تقدّم أيّ حلول ناجعة في المؤتمر الذي عقد في كوبنهاجن حول البيئة وإنما فقط بعض المساعدات لإسكات الدول النامية.

والمعلوم أن خطر التغيّر المناخي بدأ فعلاً في الظهور، من خلال بدء ذوبان الثلوج في القطبين الشمالي والجنوبي وارتفاع منسوب مياه المحيطات، وتهديد بعض الجزر بالغرق، كما هي الحال مع جزيرة توفالو الواقعة في المحيط الهادي، من ناحية أخرى فإن التغيّرات المناخية تؤثّر سلباً في بعض الأماكن، وخاصة في البلدان العربية التي تعاني أصلاُ من شح في موارد المياه، مما يزيد في تصحّر الأراضي، وقد أشار بعض التقارير إلى أن هذا الأمر سيؤدي إلى خفض الإنتاج الغذائي فيها بنسبة 50 في المائة.

وأظهرت دراسة علمية لمعهد بوتسدام الألماني للدراسات والأبحاث المناخية أن هذه التقلّبات المناخية تساعد على ارتفاع نسبة الحموضة في البحار والمحيطات وهذا سيؤدّي إلى انخفاض الأوكسجين وتهديد النظام الطبيعي فيها.

وفي دراسة أشرف عليها البروفسور دافيد بيمنتل, أستاذ البيئة والعلوم الزراعية في جامعة كورنيل الأمريكية, وجد الباحثون أن 40% من الوفيات في العالم سببها تلوث المياه والهواء والتربة.
لذا يؤكّد د. بيمنتل أنّه: "لدينا مشاكل بيئية جدّية لمصادر الماء والأرض والطاقة, وأصبحت هذه الآن عبئاً على إنتاج الغذاء ونقص التغذية وحدوث الأمراض".

ويشير المتخصصون فى الأمراض السرطانية إلى أن حوالي 80% الى 90% من أمراض السرطان سببها تدهور البيئة من حولنا.
ويتفق معظم الباحثين على أن العوامل النفسية والاجتماعية تلعب دورا مهما في كيفية شعور الأشخاص وبالطريقة التي يظهر المرض فيها.

فإذا ما عدنا إلى العناصر الثلاثة التي تحيط بالإنسان نرى أنها تعاني من ثقل وطأة تعاطيه معها، فالتربة ملوّثة بالعديد من المواد الكيميائية والكائنات الحية الدقيقة التي تنتقل للإنسان مباشرة من خلال اللمس والإتصال أو من خلال الماء والغذاء. والهواء ملوّث بدخان الكيميائيات المختلفة، والماء إما مفقود في بعض الأماكن، وأما موجود وهو غير صالح للإستعمال، ورغم ذلك يستعمله بعض الناس الذين لا يجدون البديل مما يؤدّي إلى انتشار الأمراض المميتة بينهم، سيما مرض الملاريا القاتل.

كما أنّ بعض الميكروبات تصبح يوماً بعد يوم مقاومة للأمراض. وكنتيجة لعوامل التغير الجوي والدفء العالمي مع التغيرات في التنوع البيولوجي وتأثير تطور الطفيليات وقابلية الأنواع السامَّة لغزو مناطق جديدة, نتج عن كل ذلك أمراض مثل السل والإنفلونزا كعوامل تهديد رئيسية.

يشير أحد التقارير إلى أن 30% من أمراض الأطفال تتسبب فيها العوامل البيئية، وأن واحداً من بين كل خمسة أطفال، ممن يعيشون في أفقر مناطق العالم، لن يتمكنوا من الحياة بعد سن الخامسة، بسبب أمراض متصلة بالبيئة. إلاّ أنّه بالإمكان تفادي حدوث 13 مليون حالة وفاة سنويا، لو عمل الإنسان على تحسين البيئة؛ وهذا ما أكّدته منظمة الصحة العالمية إذ أشارت إلى أنّ التدخلات الجيدة التركيز يمكن لها أن تسهم في توقّي الكثير من تلك المخاطر البيئية.

لقد توصل بعض الباحثين الألمان إلى إيجاد حل لمشكلة التغيّر البيئي، بعد العديد من الدراسات العلمية ورأوا أن ذلك يكون عبر بناء مفاعلات بيئية ضخمة مهمتها تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث من مداخن محطات توليد الطاقة والذي تقوم بامتصاصه الطحالب، وتحويله إلى وقود بيئي يمكن الاستفادة منه.
ويمكن الإهتمام بزرع الأشجار التي تعتبر الرئة التي تتنفّس منها الأرض، وتزيد من كمّيّات الأوكسيجين المتناقص بسبب هذه الإنبعاثات السامة.

خلاصة القول أن المشاكل التي أوجدها التطور قد تكون أكبر مما قدّم للإنسان من تقنيات ورفاهية، وإذا لم يتم الإلتفات بشكل جدّي إلى هذه المشاكل والسعي لمعالجتها بشكل فعّال فقد تكون البشرية أمام أزمة حقيقية، لذا فإن الإهتمام بالبيئة من أهمّ الأمور التي يجب الإلتفات إليها، إن على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي، إضافة إلى مسؤولية المؤسّسات العامّة والخاصّة، نظراً لما لها من تأثير على حياة الجميع.
ماجدة ريّا

Wednesday, March 03, 2010

Wednesday, February 17, 2010

يوم رحل العماد


ماجدة ريا
اهتزّ السكون، جيوش من الغيوم الداكنة جاءت من هنا وهناك، تصادمت محدثة شريطاً لامعاً طويلاً، ودوياً استيقظ معه كل كائن من شدّته، انكشف معه ظلام تلك الليلة الحالكة السواد، استمرّ ذلك الشريط اللامع يرتجّ أمام العيون التي نهضت فزعة من سباتها لتنظر إليه، فتشيح عنه مسرعة لشدّة توهّجه.
نهض حيدر مسرعاً، تسمّر أمام النافذة، يحدّق نحو البعيد، يحاول أن يستكشف ما يجري..
متسائلاً في نفسه: "هل هو حلم؟"
أطال النظر في السماء يبحث عن جواب يهدّئ روعه، فتستكين أعصابه التي جعلته يرتجف كما لو كان في يوم عاصف شديد البرودة، لم يأته جواب شاف، وكأن شيئاً لم يحدث...
ذلك القنديل الكبير ما زال معلّقاً في مكانه حيث تركه البارحة قبل أن ينام، وما زال يتلألأ وسط تلك اللآلىء المتناثرة في السماء، حتى الهواء ما زال ساكناً بالكاد تتحرّك معه أغصان الشجر.
وضع معطفاً على أكتافه، وخرج يتمشّى في الحديقة، رغم برودة الطقس، برودة تلازم أيام شهر شباط ولياليه، خرج لأنه كاد يشعر بالإختناق داخل غرفته، مشى ببطء، وكأنّه يعدّ بلاط الرواق حيث ثبّت نظراته، أما أفكاره فكانت ما زالت مشوّشة فيما أحسّ أنه رأى، يحاول أن يتأكد، هل كان ذلك حقيقة أم حلماً.
تهيّأ له أنه يسمع أصوات تكبير وتهليل تتردّد في السماء، أصاخ السمع جيداً، آذانه تسمع بوضوح ذلك التكبير، تساءل برهبة "أيمكن هذا؟ ربما هو رأسي المشوّش الذي يجعلني أسمع وأشعر.. ولكن ما الذي يحدث لي؟!"
كانت ليلة طويلة، بزغ بعدها فجر يوم جديد، مشى بخطى متثاقلة نحو عمله، كان متعباً لأنه لم ينم جيداً، ولأن ما جرى أثناء الليل ما زال يتردّد صداه في ذهنه، يحاول أن يبحث عن هدوء يُفترض أن يعيد إليه طبيعته وسكونه، فإذا به يواجه في مكان العمل صمتاً ثقيلاً لم يعهده من قبل، وكأنه ترقّب لحدث صاعق.
جال بعينيه المتعبتين في المكان، فتراءى له أنه يرى صاعقة الليل في عيون الجميع، وشبّت في قلبه نار حامية، وكان آخر شيء وقع نظره عليه في تلك الغرفة التي جمعته ببعض الزملاء، هو التلفاز حيث كان يبث قراءة للقرآن الكريم، وخبر مكتوب عن استشهاد قائد جهادي كبير..
تجمّد في مكانه، وشخصت العيون باتجاه التلفاز لمعرفة من هو هذا القائد، وعندما قرأ الإسم حرفاً حرفاً، مسّت الحروف أعماق قلبه، هناك حيث كان هذا الإسم ينبض بصمت "الحاج عماد مغنية"
"لا ... لا يمكن! كيف يحدث هذا"
لم يستطع أن يمنع تساقط دموع حارة على خديه، وكانت كل الخدود قد ابتلت، والقلوب التهبت، وثارت الدماء تغلي في العروق.
كان حيدر من بين قلة من الناس الذين يعرفون أن الحاج عماد مغنية هو ذاته الحاج رضوان، وكان يدرك تماماً ما هو موقع هذا الرجل العظيم وما معنى اندماج هذين النورين في نور واحد ارتفع فجأة إلى السماء، فأصبح أكثر توهجاً وسطوعاً لينير دروب العالم بأسره من عليائه، بعد أن كان سنى نوره قد تغلغل في دروب المقاومين شعلة ضياء لا تنطفىء.
وقف حيدر غاضباً، أخذ يروح ويجيء في الغرفة ويفرك في كفيه والنار تتوثب في عينيه، تبحث عن سبل لحرق المعتدين، لم يكن قادراً على الوقوف في مكان واحد.
أخذ يتفرّس في وجوه الرفاق حيث بدا الحزن واضحاً، والنقمة جليّة في وجوه الجميع، وكأن الإستنفار العام قد أعلن على حين غرة، والجميع متحفّز لنقطة الإنطلاق، لكنهم ينتظرون صافرة لم تطلق بعد.
دخل إلى غرفة حسين زميله ورفيقه ليجده قد وضع يديه في قبضة تحت ذقنه وكأنه يمسك قبضته من أن تفلت منه لتلاكم ما يصطدم بطريقها، وكانت نظراته لا تقل توثّباً عن حيدر، اقترب منه هذا الأخير واضعاً يديه على المكتب وقد التقت نظراتهما في حقل من حريق، سأله:
"هل سمعت؟ هل سمعت الخبر؟!"
هز رأسه، واختنق بعبرته!
"هذا أمر عظيم! لم أتصور أنه يمكن أن يحدث يوماً!"
"إن قائداً عظيماً مثل الحاج رضوان، لا يمكن أن تنتهي حياته إلاّ بهذا الشكل، شهادة عظيمة تفتح لنا الطريق أمام مجد آخر للمقاومة"
"لكن هذا مؤلم جداً! لا يمكن احتماله"
"سننتقم لدمائه الزكية يا حيدر.. سننتقم"
"أكيد سننتقم! أكيد"
كان يقول ذلك بحدّة قويّة حتى لكأن كل عضلة من جسمه هي التي تتوعّد.
جلس دقائق قليلة شعر بها وكأنها دهر طويل، لكنه كان يشعر أن دماءه تفور، نهض مسرعاً وهم بالخروج فاستوقفه حسين بقوله:
"إلى أين أنت ذاهب؟"
" لا تلمني حسين، أشعر أنني لست قادراً على المكوث في مكان واحد، سأذهب إلى علاء لأرى ماذا لديه."
هز رأسه موافقاً معه، فهو يعرف كم أن حيدر شديد العصبية والتوتر، لكنه أردف قائلاً:
"إذا علمت شيئاً أخبرني"
"ان شاء الله"
كان علاء يبدو هادئاً رغم هذا الخبر الصاعق الذي فجّر غضباً في كل القلوب، لكن نظراته كانت تبدو أكثر حزماً ومليئة بالتحدي، وجّه كلامه إلى حيدر قائلاً:
" هلاّ هدأت قليلاً؟"
" كيف أهدأ بعد الذي حدث؟ لا استطيع"
"بل عليك أن تهدأ"
" يجب أن نفعل شيئاً، يجب أن نرد بقوة"
"بالتأكيد سنرد يا حيدر، ولكن الرد الإنفعالي لا يجدي، هذا الرد لا بد وأن يكون غير كل الردود"
" وهل سننتظر طويلاً؟ أشعر أنني بحاجة لأن أفجر نفسي في ذلك الكيان الغاصب"
"هلاّ هدأت يا حيدر؟ كل شيء في أوانه جميل"
كانت نبرة صوت علاء تشي بالقوة والصرامة، مما دفع حيدر إلى الصمت لكن الثورة في داخله لم تهدأ أبداً.
" والآن علينا الكثير لنفعله، علينا الذهاب للمشاركة في التحضير للتشييع"
مسح وجهه براحة يده محاولاً خنق عبراته، وهو يحسد رفيقه على رباطة جأشه رغم معرفته بمدى حبه وإخلاصه للشهيد، لكنه رجل يستطيع أن يتحكّم جيداً بعواطفه.
كان يوم التشييع مهيباً، لم يشهد له لبنان مثيلاً من قبل، تذكر حيدر مباشرة يوم احتشد الناس في مثل ذات الشهر قبل سنين، كان ذلك في 16 شباط من عام 1992 يوم استشهد سيد المقاومة السيد عباس الموسوي رضوان الله عليه، كان أيضاً يوماً عظيماً، هكذا تكون أيام القادة الشهداء وهم يحملون على أكفّ أحبتهم، عظيمة، زاخرة بالعطاء، لا تنسى.
اليوم المشهد ربما أقوى وأشد، سيما وأن مؤيّدي المقاومة في تزايد مستمر، وبعد كل تلك السنوات، وبعد الإنتصارات التي كان الشهيد الحاج رضوان قائدها، جاء المشهد أقوى من كل الكلمات والعبارات.
كان حيدر يتزاحم مع الكثيرين من أجل الوصول إلى نعش الشهيد، حيث ارتفعت الأيادي للتبارك منه، ولم يستطع أن يغالب دموعه عندما استطاعت يده أن تمر على نعش الشهيد، شعر كأنه يلمس قطعة من الجنة، ولكن النيران في قلبه بقيت مستعرة لا يطفئها سوى رد يقصم ظهر العدو.
عندما عاد في أواخر النهار إلى المنزل، كانت زوجته قد عادت أيضاً لتوّها من الحسينية التي اجتمعت فيها النساء، من أجل المباركة بالشهادة، وإقامة العزاء.
كان التأثّر بادياً على محيّاها، والحزن جلياً في رنّات صوتها:
"أتعرف يا حيدر أن والدة الشهيد امرأة عظيمة؟"
"يكفي أن تكون قد أنجبت وربّت مثل الشهيد عماد لتكون عظيمة"
"نعم لكنني أقصد موقفها اليوم، لقد فاجأ الجميع"
"أعرف رباطة جأشها وحبها للمقاومة، ليست هذه المرة الأولى، فقد قدّمت شهيدين قبل الآن"
" أتعرف ماذا قالت اليوم؟"
"ماذا قالت؟"
"إنها حزينة لأنه لم يعد لديها أبناء لتقدّمهم شهداء في هذا الطريق، لقد خجلنا من كلامها، كانت النظرات تلاحقها بذهول بينما هي تقبع في عرش تواضعها، هنيئاً لها.."
لفظت كلماتها وهي تغالب دموعها، ولم تستطع إلا أن تجهش بالبكاء.
"هنيئاً لها"
في اليوم التالي كان حيدر يسير في الطريق فتلتقي عيناه بتينك العينين اللتين ما زالتا تضجّان بالحياة، حتى وهما في صورة احتلّت كل الأماكن والقلوب، كان يبدو وكأنهما تتحدّثان مع الناظر إليهما تسألانه: "لكم عشت بعيداً عنكم وانتم في قلبي ووجداني، فهل عرفتموني الآن؟".
هي صورة تشدّ الناظرين إليها بخيط الحنين إلى الأرض ومشهد الأسطورة المتبلورة من الإنتصار في تموز.
كان يطيل النظر إليه وكأنه كان يتحدث معه، ثم يتابع طريقه وكل نبض فيه يتوعد أن يقتص من العدو الصهيوني، وعندما التقى بحسين سأله هذا الأخير:
"أتعرف؟ لم يتجرّأ العدو الصهيوني على تبني العملية"
"الجبناء! لكن أصابعهم واضحة مهما أنكروا؟ كما أنني سمعت رئيس الموساد يتكلم عن العملية وعن نجاحها"
"صحيح لكن جبنهم يمنعهم من تبني العملية مباشرة ، أما رئيس الموساد فيعتبر ذلك انجازاً عظيماً حققه بعد سنوات من الجهد والملاحقة لقائد عظيم مثل الشهيد عماد، فهل تريده أن يتخلى عن الإعلان عن انجازه الآن؟ إنهم يعيشون لدنياهم فقط..!"
"نعم، لكنهم سيقعون في شر أعمالهم، وسيرى هو ورؤسائه في أي جحيم أوقعهم هذا الإنجاز!."
"أنه أكثر من جحيم، لقد أعلنوا أعلى درجات الإستنفار في كل اسرائيل تحسباً لأي رد"
"كم أتحرّق لتلك اللحظات، لن تنطفىء نار قلبي إلا بها"
"توكل على الله يا رجل، فالرد آت لا محالة"
"ونعم بالله"
كان علاء قد وصل لينضمّ إليهما وقد سمع الجمل الأخيرة فخرجت منه كلمات بدا واضحاً أنها تحوي الكثير من السخرية بهذا العدو:
" تقول أعلنوا الإستنفار في اسرائيل؟ "
"صحيح، هذا ما سمعته"
"بل هم أعلنوا أعلى درجات الإستنفار في كل العالم، في كل بقعة يتواجد عليها إسرائيلي، إنهم يعيشون في حالة من الرعب الحقيقي، يطلبون من كل الإسرائيليين في العالم أخذ الحيطة والحذر، أما المسؤولون.. فلا تسأل."
قال حسين: "حماية وأمن مشدّد.. ولكن أين سيهربون عندما تحين الساعة القاضية."
مسحة ابتسامة ساخرة من احتياطات العدو علت وجه علاء وهو يجيب:"صحيح"
"إنها أخبار طيبة، لكن لن يشفي غليلي إلاّّ.." قال حيدر ذلك وهو يضم قبضة يده ويلقي بها نحو الطاولة بحركة تنم عن عصبية ظاهرة، فسأله علاء:
"حيدر! هل تشك في أنه سيكون هنالك رد على هذا الإغتيال؟"
أجاب حيدر بشكل حاسم: "بالتأكيد لا، لا أشك في ذلك أبداً"
علاء: "إذاً لا تستعجل الأمور، قلت لك أن كل شيء سيأتي في أوانه"
حيدر: " نعم، لا بدّ وأن ذلك اليوم سيأتي!"
وهنا تدخل حسين قائلاً:
" وحتى ذلك اليوم دعهم يعيشون جحيم الرعب من هذا الرد قبل أن يتذوّقوه."
أغمض حيدر عينيه وهو يتمتم:
"اللهم انصرنا على أعدائنا يا رب العالمين."