Saturday, April 18, 2009

دور المرأة من أجل محتمع أفضل

يحسب خروج المرأة إلى العمل في مجالاته المختلفة نقطة متقدّمة في طريق النجاح للمرأة والمجتمع على حد سواء، وقد بات ذلك أمراً بديهياً تسعى المرأة إلى تطويره وتحسين شروطه، خاصة بعد أن فعّلت وجودها في مختلف ميادين العمل، وأثبتت جدارتها وكفاءتها العالية، وأنها يمكن أن تكون خير عون للرجل في هذا المجتمع.
ومع تعدّد الوظائف والمهمّات، بتنا نشهد بعض الوظائف التي تتطلّب خروج المرأة ساعات طويلة من أجل العمل، حتى أن بعض المؤسّسات ـ وإن كانت طبيعتها تتناسب مع المرأة ـ تستهلك من العنصر النسائي جهداً ووقتاً كبيرين. وإذا كان هذا يبدو عادياً بالنسبة الى المرأة غير المرتبطة التي ما زالت في أوج عطائها، فإنه قد يتحوّل إلى مشكلة حقيقية بالنسبة الى المرأة المرتبطة. وتتزايد هذه المشكلة وتصبح أكثر بروزاً بعد الزواج ومع وجود أطفال صغار.
من الضروري جداً وجود المرأة في الوظيفة أو في أي عمل آخر، إلاّ أنّه يجب عليها في مثل هذه الحالة أن تجري مقارنة واضحة وجلية بين ما ستنجزه وما ستخسره، بين ما ستحققه وما سيرتدّ سلباً على أسرتها. وعليها هنا أن تلتفت إلى ما يمليه عليها دينها وإسلامها، كي لا تظلم نفسها وعائلتها من حيث لا تدري، أو من حيث تظنّ أنها تنفعهما.
فمثل هذه الوظائف أو هذه الأعمال التي تتطلب جهداً ووقتاً كبيرين يتسبّبان بإجهاد المرأة وإبقائها ساعات طويلة بعيداً عن المنزل، قد تكون مقبولة عندما تكون المرأة عازبة وغير مرتبطة، لأنها تستطيع أن ترتاح في الوقت المتبقي لها، وهي ليست مسؤولة بعد عن عائلة، ولكن ذلك سيكون على حساب الأسرة بالنسبة الى المرأة المتزوجة، خاصة إذا ما وجد فيها أطفال صغار يحتاجون أمهاتهم إلى جانبهم. ومع ازدياد أعباء العمل والوقت الذي يقتضيه هذا العمل، وإجهاد المرأة بسبب ذلك، فإن هذا الأمر سيؤثّر سلباً في عائلتها، أياً تكن قدرة هذه المرأة على التحمّل والعطاء، خاصة إذا تقدّمت هذه المرأة بعض الشيء في العمر ولم تعد شابة قوية.
وهنا في مثل هذه الحال، قد نلاحظ نموذجين مختلفين من طبيعة وجود المرأة في مثل هذه الأعمال:
ـ امرأة تعمل لتساعد في إعالة العائلة، إما بسبب محدودية دخل الزوج أو عسر الحال، وهذا يعني أنها تحتاج لأن تضحّي وتتحمل أي آثار سلبية قد تنتج عن هذه الحال.
ـ وامرأة أخرى تكون في أسرة ميسورة الحال، ومع ذلك تصر على العمل برغم كونه مجهداً ويستلزم الكثير من الوقت الذي يستهلك من حساب الزوج والأولاد.
والحديث هنا عن هذا النوع من النساء، لأن هنالك مهنا وأعمالا ووظائف مريحة، تستطيع معها المرأة أن تنسّق بين الواجبات الأسرية وعملها، وهذا قد لا يتسبب بأي مشاكل، وسلبياته على المستوى الأسري أقل بكثير من النوع الآخر، حيث تضطر المرأة الزوجة ـ والأم معه لترك عائلتها حتى أيام العطل، وتكون طبيعة العمل الذي تؤديه متعباً يستدعي تأفف أفراد العائلة من إرهاقها الدائم.
فالمرأة التي تعيش في عائلة ميسورة وتعمل من أجل الحفاظ على شخصية معينة، ربما تنسيها أنانيتها هذه ـ المتمثّلة في بناء شخصية عملية متميّزة ـ في الكثير من الأحيان السلبيات التي تتعرض لها عائلتها، فيستحوذ على اهتمامها العمل من أجل الحفاظ على هذه الشخصية التي كوّنتها أثناء العمل، فلا ترى بعد ذلك تلك الآثار السلبية التي تتسلل إلى حياتها الأسرية من حيث لا تدري.
وهنا يبرز مدى استعداد المرأة للتضحية بأشياء تحبّها من أجل سعادة الأسرة وسلامة بنائها الذي تبقى هي المسؤولة عنه أولاً وآخراً، لأن واجب بناء الأسرة وتربية الأبناء والاهتمام بالعائلة يقع على عاتق المرأة بالدرجة الأولى، وإن كان بعضهم يحاول التسويق لمعادلات غربية انتهكت حرمة مجتمعاتنا، وباتت تبرز في الكثير من الأماكن وعلى حساب الأسرة، لينادي البعض بتقاسم الأدوار بالتساوي! وفي هذا الأمر إجحاف بحق كل من الرجل والمرأة، لأن لكل منهما طبيعة تختلف عن الآخر.. فلها ميّزاتها وخصائصها التي خصّها الله سبحانه وتعالى بها ويجب احترامها وفقاً للقواعد الشرعية والأعراف الإنسانية.
فحتى اذا تعلمت المرأة واستلمت وظيفة أو عملت بأي شيء، فعليها أن تلتفت إلى أنها عندما تبني أسرة فاعلة وسليمة ومعافاة تكون قد خدمت المجتمع أكثر بكثير من أن تخدم المجتمع على حساب أسرتها، فيتحلل الأبناء، وقد يشكلون في ما بعد عبئاً على هذا المجتمع، وتتحمّل الأم من جراء ذلك جزءا كبيراً من المسؤولية نظراً لتقصيرها معهم، وعدم التفاتها لمثل هذه المسائل.
إن طبيعة المرأة تفرض عليها أن تكون الزوجة والأم التي تحرص على عائلتها، فتعمل على خدمتها وتربية أبنائها، وهذا لا يمنعها أبداً من أن يكون لها شخصيتها الفاعلة على مستوى المجتمع. ولكن عليها أن تقدّر بحكمة ودراية أين يجب أن تكون، في أي مكان، وكيف تبني أولوياتها، وكيف تحافظ على أسرتها.
إن حفاظ المرأة على أسرتها ومراعاتها بما يضمن مصلحة هذه الأسرة، يكسبها الأجر الكبير عند الله سبحانه وتعالى. ففي زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جاءت نساء الصحابة يسألن رسول الله (ص)، ومنهن المرأة الأشهلية فقالت: إنكم تذهبون للجهاد والحج، ونحن نجلس في بيوتكم نغسل ملابسكم ونربّي أولادكم، فما لنا؟ فقال النبي (ص): "جهاد المرأة حسن التبعل"، أي حسن معاشرة زوجها وقيامها بفرائض دينها يعدل ذلك كله. وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على أهمية دور المرأة داخل الأسرة، هذا الدور الذي يجب أن لا تغفل عنه أبداً لأي سبب من الأسباب.
على المرأة أن تعرف أين تعمل ومتى، وكيف تختار طبيعة عملها. والأهم من ذلك أن يكون خيارها الأول الحفاظ على أسرتها التي ارتضت أن تكون فيها أماً وزوجة صالحة، وإن استوجب منها ذلك بعض التضحيات التي قد تكون كبيرة في نظرها، لكنها ستصبح صغيرة جداً أمام مكسب أسرة ناجحة.
ماجدة ريا