Sunday, November 26, 2006

الواقع العجوز

تتدافع الأفكار في رأسها كما الريح العاصفة، تُقلّب هذه، وتنظر في تلك، وترى طموحها يتجسّد أمامها عملاقاً مارداً، لكنه ليس المارد الذي يقول " شبّيك لبيك، عبدك بين يديك!..."
وإنما مارد يزمجر، أن "ساعديني كي أكون.." ردّدي العبارة التي علي أن أقولها، فتحقّقي إمكانية وجودي.
تجلس هادئة لهنيهات، تحسبها دهراً تعدّ فيه أنفاسها اللاهثة، تفكّر في الواقع الذي يحيط بها، وتتوقف طويلاً... فهو ليس واقعها وحدها، إنه واقع جيل الشباب.
وتجول في مخيّلتها، تتأمّل صور الواقع وقدراته العجيبة في تأثيره على البشر، وهي في تأمّلها، تسمع دقّات يد مرتجفة على بابها، وتتساءل في نفسها:
" من تراه يكون؟!"
نهضت من مكانها، مستجمعة جرأتها وثباتها، فتحت... وتسمّرت عيناها على الماثل أمامها.
عجوز متعب، يتّكأ على عصاه، ويرمقها بنظرات استجداء ورحمة، وبينما هي تقرأ ملامح وجهه، قرأت اسمه الذي حفر على جبينه "الواقع"...
للحظات دبّ الرعب في قلبها اليانع، وحارت فيما تراه، عادت آلاف الأفكار تتقافز إلى رأسها " أيمكن أن يكون هذا هو الواقع؟ عجباً!..."
وبصوته المرتجف ذكّرها بوجوده قائلاً:
"" ألا تسمحين لي بالدخول يا صغيرتي؟! إنني متعب."
" عفواً تفضّل..."
افسحت له المجال متراجعة إلى الوراء، فدخل وألقى بنفسه على أول مقعد صادفه، ولبث ينظر إليها ويتأملها وقد ظهر على ملامحها مزيج من الأحاسيس المكلّلة بالخوف والحزن معاً، وما لبست أن حرّكت شفتاها ببضع كلمات:
"كنت أسمع عنك أشياء كثيرة، ولم أتصوّرك هكذا؟!"
" صحيح يا صغيرتي، فقد أرهقتني الحرب، واستنفدت مني كل ما أملك، ولم يبقى بحوزتي ما أقدّمه لكم أنتم الشباب، ولشدّة همي وحزني شخت باكراً".
" ماذا تعني أيها الواقع؟!"
" لا أريد أن أصدمك، ولكن..."
" ولكن ماذا؟!"
كانت تترقب خروج الكلمات من شفتيه المرتجفتين، وكأنها تنتظر ولادة خبر مبشّر، أو على الأقل خبراً يزيل قلقها وخوفها منه...
" عليك أن تخدميني كثيراً، قبل أن تصلي إلى ما تريدين."
" وإذا لم أفعل؟!"
" مع كل أسف، لن تحقّقي شيئاً بدون مساعدتي، وأنا أحتاج لمن يساعدني كما ترين!"
كانت نظراتها الحائرة تلاحق قسماته بكل أسى وهو يستطرد قائلاً:
" الحياة سيوفها حادة، والصراع معها عنيف، وتحتاجين للمواجهة لدرع واق، وإلا فلن تصمدي أمامها طويلاً... وعندما تساعدينني، سأوأمّن لك هذا الدرع."
أعطته إشارة الموافقة، وشرعت تتأمله بهدوء، لترى ما يمكن أن تصلح فيه... عصرت أفكارها، واتخذت قرارها بأن تبذل جهدها إذ لم يكن لديها الخيار، سوى الإهتمام بهذا الواقع العجوز كي تعيده فتياً، فهل تفلح؟ .
ماجدة ريا