Thursday, October 25, 2007

الشهيد الحي


كانت تلك الشجرة تحتضنني بأغصانها التي أرخت أطرافها عليّ من كل جانب لتحميني من أي رصد يمكن أن يكشف أمري. التقطت أنفاسي بعد اجتيازي كل تلك المسافة التي تفصلني الآن عن المنطقة المحررة، تارة أهرول بين الشجر، وأخرى أزحف على الشوك. أوزّع نظراتي المتوثّبة من بين تلك الأغصان، أتفقّد كل شيء من حولي، كل شيء عادي حتى الآن.
لا يوجد أي حس بشري، أدقّق في الأشجار والشجيرات المنتشرة من حولي، فترسل لي إشارات الدفء والأنس بلونها الأخضر، فبيني وبينها حكايات طويلة، وأيام عمر تتدفق بين جنباتها، أعاود النظر إلى وجهتي الحقيقية، إلى ذلك الطريق الذي يبعد عني أمتاراً قليلة، هناك حيث أنهيت مهمتي عليه منذ بعض الوقت، وها أنا أنتظر استكمالها.
الطريق مقفرة، فهي عادة لا يعبرها سوى بعض آليات لجنود الاحتلال من وقت لآخر. عيناي مثبّتتان على الطريق، فيما لساني يلهج بذكر ما تيسّر لي من الآيات القرآنية الكريمة والأدعية، وحواسي كلّها في حالة تأهّب.
يبدأ زيز الليل أنشودته مع بدء تسرّب اللون الرمادي إلى السماء، فتملأ موسيقاه المكان، ويتحرّك النسيم ليجعل حفيف أوراق الأشجار يتناغم مع هذه الموسيقى الطبيعية والتي مصدرها هذه الكائنات الصغيرة، فأضطر إلى زيادة درجة التّحفّز لأكون أكثر تيقّظاً لأي أصوات غريبة كنت أنتظرها.
بدت لحظات الانتظار طويلة جداً، إلاّ أنها لم تفقدني حالة الجهوزية والتّأهب.
صوت هدير آليات يقترب، أصغي أكثرـ "نعم، إنها ناقلة جند" أثبّت نظراتي باتجاهها، وأستعدّ لأعدّ دقائق وصولها إلى المكان المطلوب، أضغط على زر تفجير العبوة الناسفة، فترتسم على وجهي ابتسامة الانتصار وأنا أراهم يتطايرون كالطيور المذبوحة، كان صراخهم أقرب إلى عويل الثكالى وقد تناثروا على جانبي الطريق بين قتيل وجريح.
قبضت على رشّاشي، انتصبت واقفاً، ومشيت بخطى ثابتة باتجاههم، وقد قررت أن أقضي على أكبر قدر ممكن قبل أن يستطيعوا النيل مني، لكن يبدو أن الصدمة، والمنظر المروّع أفقدهم حس المبادرة، كنت أطلق من فوهة رشّاشي الطلقات النارية باتجاه تلك الأعين الفزعة التي كانت ترمقني كما لو أنني مارد، والغريب أن أحداً منهم لم يطلق النار، ولا أعرف كيف انقضت تلك الثواني وأنا أفرغ مخزن رشاشي في كل من تبقى حياً!
الجميع الآن صرعى، وأنا أجول بنظراتي فيهم، وأتخطّاهم واحداً واحداً!
بعد أن تخطّيت الجميع، مرّرت يدي على جسدي أتفقّده، علّ رصاصتهم أصابتني ولم أشعر بها، واندهشت عندما وجدت نفسي سالماً معافى!

ومنذ ذلك الحين يطلقون علي لقب الشهيد الحي.
ماجدة ريا