Saturday, January 24, 2009

المرأة في غزّة سند المقاومين

من قال إن مجتمعاً فيه مثل هذه المرأة يمكن أن يُهزم؟
أنظروا في وجهها الذي ألقت عليه السنون حملها وحفرت فيه التجاعيد، فازدادت نظرة عينيها ثقة وقوة وعزيمة، هذا الحمل في التصدّي للاحتلال على مدار السنين، أعطى تينك اليدين هذه العزيمة.
لله درك من امرأة أخت للرجال.
إنّها امرأة من غزّة الصمود والإباء، لم تحنها محن الاحتلال، بل وقفت شامخة كشلاّل قوة هادر، تعبّر عن ذلك الأنموذج الرائع الذي لم تكتفِ معه المرأة بالعناية بالأسرة، وتربية الأبناء، ومساندة المقاومين، والمساهمة في معالجة الجرحى، بل أبى البعض منهنّ إلا أن يكن في سوح القتال، أن تحمل القاذف أو الرشاش، وأن توجّهه إلى نحر من أراد أن ينحر الوطن والأبناء، والزوج والأهل والأحبة، لتقول للعدو: حتى نحن النساء سنقاتلك حتى الرمق الأخير، ولن يكون لك في أرضنا قرار أو مستقر.
نعم، أولئك الصهاينة يخافون من الطفل والمرأة، الطفل الذي يرمقهم بعينيه فتتكلّم نظراته: "لن يبقى حقنا مغتصباً، سننتزعه منكم مهما طال الزمن ومهما قتلتم منا، فلن تقتلوا فينا الإرادة".
هذا الطفل قد ربّته امرأة من أرض الرباط، جبل فكرها بتراب الأرض، فسرى حبّها في الشرايين، لتغذّي به أبناءها، ولتتجلّد به على أعدائها، أولئك القوم الصهاينة الذين لفظتهم البشريّة، ليبنوا وكرهم على أرض فلسطين الطاهرة، لكن هذا لن يدوم طويلاً.
إن ما فعله الصهاينة في عدوانهم على غزة، جلا الغبار عن الصورة فيها، فظهرت نقية، واضحة كالشمس في رابعة النهار، إنها صورة المرأة التي أعطت بلا حدود، غطّت وجه ابنها الشهيد بيدها وهي تقول بعزم وايمان: "مبارك عليك الجنة يا ولدي، نلتقي هناك بإذن الله". إنها المرأة التي وقفت عند ركام بيتها لتقول: "سنسكن في خيمة ولا ننحني"، "هنا ولدنا، هنا نعيش وهنا نموت".
فمنذ أكثر من سنتين، كان الكيان الصهيوني الغاصب قد فرض حصاراً ظالماً على أهالي غزة، فضيّق عليهم العيش، فكان يقع على المرأة العبء الأكبر في تسيير أمور أسرتها وإطعام أطفالها بما تيسّر من القليل القليل.
ومع انعدام توافر الأشياء الأساسية التي تساعد في تسهيل الأمور، سعت المرأة إلى توفير البدائل بوسائل بدائية فعادت لتقتني فرن الطين، من أجل تأمين الرغيف للأبناء، لكنها لم تركع، ولم تضعف، بل بقيت خير سند للتمسك بقضية الأرض والوطن، بقضية الحق الذي يجب أن يصان، وإن بلحظات مجبولة بالصبر والعذاب.
كانت النسوة في غزة يتعاونّ على قضاء حوائجهنّ بما تيسّر لهن من أجل تعزيز الصمود، وبعد زمن من الحصار جاء هذا العدوان السافر ليحاول القضاء على تلك الأنفاس التي تجاهد لتبقى برغم خنقها وإغلاق السبل والمنافذ في وجهها، لكن المرأة في غزة لم تسقط، بل تحمّلت كل ظروف القهر والحرمان دون أن يفتّ ذلك من عزيمتها على الصمود، ولم يدفعها ذلك إلى دعوة أبنائها لرفع الراية البيضاء، فاستشرس العدو في بث الرعب والدمار في كل مكان، ومع ذلك فقد وقفت بكل عزة وكرامة وأغمضت عيون الشهداء بيديها، وودعتهم بسلام، ولمست جراح الأبناء بشغاف القلب، وضمدتها بدموع العين وصبر الإيمان وقوة العنفوان.
إن قصف المراكز الإنسانية والمؤسسات النسوية في القطاع التي كانت تنطلق منها النساء للمساعدة لم يحل دون أن تقوم تلك النسوة بدورهن الكامل أثناء العدوان، بل إن المساندة الاجتماعية باتت تؤدّى عبر النساء مباشرة دون اللجوء الى تلك المراكز التي لم تعد تتمكن من العمل، ولذا فإن نشاطات المؤسسات النسوية تركزت في المناطق السكنية والاحياء بشكل غير مركزي، فتقوم كل ناشطة نسوية بعملها في المنطقة التي تسكن فيها، وتبقى مطالبة بإسعاف الجرحى ومساعدة المحتاجين والعائلات الثكلى والتي تحتاج الى المواد الغذائية، هذا ما أشارت إليه المسؤولة عن هذه المراكز.
إحدى العجائز أعلنت بكل عزم وهي مريضة تصارع الموت "لن نتنازل برغم الحصار"، في حين تستمرّ النساء في الإنجاب من رحم المأساة، لتؤكد للعالم رغبة هذا الشعب بالحياة، برغم أنف سياسات الإبادة والإفناء.
لك تنحني الهامات يا أماً في غزّة الصابرة، وتنظر في عطاءاتك محققة، تتعلم دروس التربية والعطاء، التضحية والفداء، وبعد كل ذلك، تكونين خير سند في الجهاد.
لله درك يا أيتها المرأة الصامدة، من مثال.
ولا بدّ لهذا العدو الصهيوني الغاشم أن يفهم، وأن يتعلّم أن كل جنونه لم ولن يكسر شوكة المقاومين ولا صمود أهلهم، ولا عزيمة المرأة في هذا المجتمع المقاوم.
ربما تعلّقهم في الدنيا يجعلهم يعتقدون أن طبيعة الإنسان مجبولة على التعلّق فيها، ولم يفهموا أبداً أن هنالك نوعاً من البشر قد تعلّق بالآخرة، ونذر نفسه وعياله لله سبحان وتعالى، ومهما قتلوا أو دمروا فإن ذلك لا يرهب أهل المقاومة أبداً.
يزدادون إجراماً يوماً بعد يوم، يظنون أن هذا الوجع سيجعل المقاومة تستسلم، ولم يدروا أن وثيقة الصمود والعزيمة في المواجهة تكتب من هذا الوجع، وبدم هذا النجيع المستمر حيث تسطر البطولات، وتحفظ الكرامات، وتبنى الأوطان.
هنيئاً لك يا غزة بهذه المرأة الصامدة الصابرة، بتربيتها وأبنائها، بزوجها وأهلها، بمجتمعها الذي تساهم في بنائه بدموع القلب وقوة الإيمان.
ماجدة ريا