Thursday, September 28, 2006

معتقل الخيام



معتقل الخيام
يا حاملاً غربة الأيام
جدرانك لطالما شكت
لعنة الظالمين والظلام
غرفك لطالما بكت
في صمت واعتصام
حُرّر منك الأسرى
لكنك آثرت الكلام
وأن تروي الأحداث والمجرى
لما ارتكب فيك من آثام
فتبكي، وتُبكي
ويبقى اسمك معتقل الخيام
وها هو اليوم العدو يُعاوِد
من شكواك الإنتقام
فلا يبقي منك جداراً ولا حجر
ولا ذكرى أو حتى خبر
ومع ذلك صوتك لم يخمد
بل ارتفع مجللاً من تحت الركام
كنت وسأبقى معتقل الخيام
لن أُنسى وإن دمّروني
ولن تكفَ عن ذرف الدموع عيوني
وسأروي للأجيال القادمة شجوني
هنا عذبوا، وهنا قتلوا
ومن هنا خرج الرجال العِظام
هذه هي قصّتي يا أيها الكرام.
ماجدة ريا
16/9/2006

مشاهدات من الأرض المحررة


جلست شذا في الحديقة المتواضعة أمام منزلها القروي المؤلّف من طابق واحد ،تستنشق هواءً نقياً مشبعاً بأشعّة شمس أيار الساطعة ، ومثقلاً بأحلام الأيام القادمة ، عبق الإنتصار ينشر عبيره في كل مكان ، يبهج النفس ويهزّ الأشجان ، فيعتمل في ذاتها مزيج من المشاعر، ولا زالت ترمي بأطراف بصرها باتجاه الحقل الواسع الممتد أمامها بما فيه من عرائش بدأت تتفتّح براعمها، وأزهار برّية صغيرة افترشت الأرض هنا وهناك، وشجيرات السرو التي بدأ اخضرارها يتوهّج بعد انصرام فصل الشتاء، تاركاً لها مخزوناً كافياً من المياه التي تنعشها وتعيد إليها اخضرار الحياة، وما يلبث بصرها أن يرتفع ليحدّق بزرقة السماء وقد توشّحت ببعض الغُييمات البيضاء التي تمدّ خطوطها طويلة شمالاً وجنوباً، وكأنّي بها تريد أن تربط لبنان كلّه من أوله حتى آخره برباط الوحدة المقدّس ، وتقصّر المسافات بين مناطقه..
"ما أروع هذه الأيام .."
رفعت نظرها بالرجل الواقف خلفها الذي خرج ليشاركها روعة المنظر والمشاعر ، وهي تبتسم باطمئنان:
"نعم ، بعد حبس الشتاء الطويل هي رائعة"
"وبعد زوال الأحتلال هي أروع!"
أحضر حسن كرسياً وجلس قبالتها وقد ارتسم على وجهه صوراً من الكلام الذي يختزنه فبادرته شذا بالسؤال:
"عيناك تحدثان عن مشروع ما ؟"
"صدقت."
"خير إن شاء الله"
"هو خير ، لقد اتصل بي صديقي محمد يدعونا لقضاء ليلة في منزله في الجنوب ، على أن نذهب في اليوم التالي إلى المناطق التي كانت تحت الإحتلال وزيارة بوابة فاطمة والمعتقل..."
لم يكد ينهي كلامه حتى ظهرت إمارات الفرح والسرور على وجهها، ووقفت وهي تفتح ذراعيها وكأنّها تريد أن تحتضن هذا الخبر :
" يا الله! كم أتوق للذهاب إلى تلك المناطق."
"وها نحن سنذهب إن شاء الله السبت ظهراً وسنبقى حتى الأحد مساء".
كانت فرصة لهما للتعرف عن قرب على تلك المناطق الجميلة ، حسن كان يقود سيارته ومعه عائلته، ومحمد مع عائلته في سيارة أخرى، تسير في الأمام لأنه من أهل المنطقة ولديه خبرة بحكم عمله الصحفي، بأسماء المواقع وأماكنها، والأماكن التي نفذت فيها بعض العمليات الكبيرة والنوعية .
وكانوا في كل مكان من هذه الأمكنة يتوقّفون قليلاً ليحدثهم محمد وحسن: "هنا فجر المجاهدون قافلة للعدو، وهنا فجروا سيارة، وهذا الموقع يسمى كذا" وهكذا حتى امتلأ رأس شذا بالكثير من المعلومات التي كانت تثير فضولها وحشريتها في السابق.
وكان لسان حالها يقول: "الحمد لله الذي أعانهم وأهدانا هذا النصر الكريم بفضلهم وفضل إيمانهم وثباتهم وتضحياتهم".
وصلوا إلى معتقل الخيام الذي كان يعجّ بالزائرين، واستوقفهم المكان ..
صيحات الألم التي كان يطلقها فيه المعذّبون من قبل العملاء والإسرائيليين لا زالت تملأ المكان، لا تبرحه، فتحسّ وأنت تدخل تلك الممرّات الضيقة بأوجاع العالم تسري في عروقك، أما الغرف الصغيرة، الضيقة، المعتمة التي ما كانت ترى النور، كانت تنبض بألم، وتهمس في آذان القادمين "إنها مرحلة لا تنسى، يجب أن تحفر في الذاكرة والوجدان، وفي قلب كل إنسان، إنها دفعة ثمينة من ثمن التحرير الغالي".
كل ما في المعتقل يتحدّث، إنها البصمات التي تركت على تلك الآثار ولن تمحى، إنها ثقل الأغلال التي قضّت مضاجع الكثير من الشرفاء الأبطال الذين حملوا همّ القضية والأم، وجيء بهم إلى هذا المكان، ليقضوا أوقاتهم في غصة وحرقة، وعذاب وخنقة، يشجيهم ألم الوحشة، الفراق، التعذيب، لكنهم ما فقدوا الأمل أبداً بمن سار على خطاهم حتى أهداهم الحرية لهم وللوطن ، ليخرجوهم من زنزاناتهم، مرفوعي الرأس، معزّزين مكرّمين.
إنها القصة المثيرة التي سيرويها الكبار للصغار، والأجداد للأحفاد، قصة التضحية والوفاء والإيثار، والطريق التي تكسر الأغلال والأصفاد.
كانت الدموع تغرورق في عيني حسن وتسيل على خدي شذا ..
والجميع في ذهول ينظرون الماضي، ويتفاءلون في المستقبل طالما أن هنالك أبطالاً شجعاناً في هذا الوطن.
وسار يهم الركب من جديد، على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، وحط بهم الرحال عصراً في استراحة أقيمت عند نبع الوزاني ليتناولوا الغداء هناك.
كان المشهد رائعاً عند تلك المياه الصافية العذبة المحاطة بالأشجار المعمّرة على ضفّتي النهر، والتي ترى فيها، بهاء لبنان، جماله، عزّته وإباءه وعزيمة البقاء حراً.