Saturday, February 09, 2008

الغروب

بحثت عن مكان تستطيع أن تركن فيه سيارتها في ذلك المكان المكتظ، ولم تجد... دارت مرة واثنتين في المكان حتى رأت سيارة تهمّ بالمغادرة فأسرعت تأخذ مكانها.
تاهت نظراتها بين الوجوه، كباراً، صغاراً... يسيرون ذهاباً وإياباً على ذلك "الكورنيش"، فهو المتنفّس الأمثل لتلك الكثافة السكانية في هذه المنطقة... فهذا طفل يركض بين يدي أهله الذين يتابعونه بنظرات مسؤولة كي لا يتوه وسط هذا الزحام، وهذا كهل يعدّ خطواته علّها تدفع الدم في جسمه الهرم، وشباب وشابات يهرولون، أو يتسامرون بوشوشات وهمسات يغيب صداها مع صدى الأمواج التي تعانق هذا الشاطىء!

"
يا لها من لحظة تأمّل!" حدّثت نفسها برهبة وهي تتكىء على السور وتيمم وجهها شطر تلك الزّرقة الصافية... حاولت جمع امتداده في عينيها، فكان بكبره ووسعه كأنه كل شيء.. إلاّ أن صدى أمواجه التي كانت تتكسّر عند الصخور تحت السور كانت تقول لها "إن كلّ شيء مهما امتدّ وكبر ينتهي عند حدود." حاولت سبر أغواره، وأن تخترق صفحته الزرقاء فتمعن النظر لترى رهبة عظيمة بعمق المشاعر، وتتناسى كل الضوضاء التي حولها فيصبح وجودها جزءاً من ذلك اللون الأزرق اللا متناهي! حتى يكاد يلتصق بزرقة السماء...
لكن لوناً أرجوانياً بدأ يتسرّب ليحدّد فاصلاً بين صفحة ترسل اللون وأخرى تعكسها، ويتمدّد ذلك اللون الأرجواني البديع المرسل من ذلك القرص الأصفر القادم باتجاه النهاية والآخذ بالتواري خلف تلك الزرقة الممزوجة بالأضواء!
مرّة أخرى، حدّثتها نفسها قائلة "يا لها من لحظات مشبعة بأجمل ما يمكن أن تنتج المشاعر الإنسانية من حسٍّ بهذا الوجود!..."
غرب القرص المستدير، بعد أن نشر سجّادة أرجوانية، نارية تبدو لصيقة مع تلك الصفحة الزرقاء، لكنها ما لبثت أن تبدّدت شيئاً فشيئاً في أحضان لون آخر هو بسواده أيضاً من ألوان الوجود!... إنه سواد يفكّ سحر السفر في متاهات الحلم الأرجواني والزرقة الصافية فتزداد وحشة، ويتعاظم سرّها... أفلتت السور من بين يديها، تراجعت إلى الوراء، واختفت من حيث أتت.
ماجدة ريا