Thursday, February 12, 2009

وقفة رجل

مهداة إلى أستاذي
يمرّ الناس من أمامي كأنّهم خيالات، أدرك حقيقة وجودهم، وأشعر أنهم قدموا للمواساة، لكن رأسي لا يستطيع أن يستجمع ما أنا فيه، فبالكاد يدي تصافح أيديهم بحركة تلقائية، أو أرد عليهم بكلمات يمكن أن لا تضل طريقها إلى شفاهي، فهي مجرّد كلمات الشكر والإمتنان، وأنا لا زلت أقف بينهم أغوص في أعماقي، فتراني فقدت صمّام الأمان، وبات الأوكسجين الموجود في الهواء لا يكفيني إلى درجة أشعر معها بالإختناق.
أبتلع مرارة الكأس، مذهولاً، أسال نفسي عمّ حل بي؟ ها أنا أفقد الخيط الأخير الذي كان يربطني بكل ذلك الماضي العتيق، ذلك الماضي الذي انقطعت عنه ذات يوم، رغم كل ما كان يُقال عن حبنا وحياتنا وانسجامنا، رغم كل تلك الحياة الراقية، رغم كل شيء.. انقطع كل شيء، وبقي منه طفلان، صبي وفتاة، كانا الماضي الذي كبر ، وكبر إلى أن تجسّد بأجمل شاب وأروع فتاة.
تربيا في أحضان عائلتي الجديدة، لم نبخل عليهما بالعاطفة، بل رأيت نفسي وروحي في ابني البكر، وفي إشراقة وجه ابنتي عشت نضارة الحياة.
أتنهّد لأتنشّق بعضاً من الهواء المفقود، فأشعر أن تنهيدتي هي أكبر من زفرة وجع من اقتطع شيء من ذاته!
عندما بتروا ذراعه بسبب ذلك الورم، ظننت أنه سيعيش ولو من دون ذراع، سيكمل دراسته الجامعية، سيكبر وسيتابع الطريق..
لم أصدّق يومها، ربما لأنني ما أردت أن أصدّق، فالحقيقة سرعان ما صفعتني، صفعتني بقسوة اختطاف زهر الربيع من بين يديّ، تشبّثت به، لكنني لم أفلح في استبقائه، لم يبقَ بل غادر وفارقنا على عجل من ضاقت به الدنيا، واستعجل الإرتحال إلى العالم الآخر، تاركاً أريجاً من ذكرى تتربع على عرش قلبي.
هنا مرّ، هنا جلس، هنا كان يغفو على أحلام الصبا، ترى هل رافقته في رحلته الطويلة؟
غادر على عجل، غادر ولم يبقَ..
بقيت لينا... زوّجتها، وفرحت بها، وأنجبت لي أحفاداً..
كانت تتألّق كطفلة مدلّلة، حتى عندما كان يمتدّ بها العمر، فما يزداد فيها سوى المرح والبراءة، وغمّازتا خدّيها تطويان الضحك، وتعبّئانه في سلاّت الذاكرة، ليتسرّب منها متحوّلاً إلى حزن عميق يلفّ غياهب الأعماق، تترقرق الدموع في عيني، أحبسها، لا أريد أن أبكي، هل أبكي أمام الناس؟ أم أنتظر إلى أن أجلس في غرفتي وأقفل الباب على نفسي ، أشعر برغبة ماسة في البكاء تجتاحني بمرارة، ولكن هل استطيع...؟
الأحفاد الصغار ينتظرون أن يجلسوا في حضني بعد أن يغادر الناس، أن يسألوني بلهفة جارحة أين رحلت ماما؟ أين تركتنا؟ لماذا لم تعد؟ لا تتركنا يا جدو ابقَ معنا.
ها هي الدموع تهمل من عيني رغماً عني، أرفع يدي الثانية لأمسحها قبل أن يشعر بذلك أحد.. ربما شعروا!
قلبي يشتعل بالنار، يحتاج لكثير من الدموع كي تطفىء لظاها...
أيضاً لا أصدّق ما جرى لي، لم تشكُ من شيء سابقاً...
هو ألم في الضرس! قال الطبيب أنه يجب أن نخلعه، لاستئصال الورم الذي تحته، أيعقل هذا...
خُلع الضرس، وخُلع قلبي معه!
لماذا؟ لماذ يحدث كل ذلك؟
هل يجب لصفحة ذلك الماضي أن تُطوى وتُرمى في دفتر ذكريات قديم؟
كنت قد طويتها يوماً، لكنني ما أردت أن أطوي أولادي معها؟
ما تصورت أنني سأشهد دفنهما بهذ السرعة!
لم يمهلاني كثيراً حتى غابا، تاركَين في القلب غصة وحرقة!
تركاني... رجل يقف وسط الناس، يبحث بينهم عن صورة ولديه، فيغمض عينيه ليراهما في أعماق قلبه.
لماذا؟
ما زالت كلمة لماذا تطرق رأسي بقوة فتطحنه، أهو امتحان إلهي؟ امتحان إنهاء كل تلك الحياة؟
يا له من امتحان!
إلهي أعني على تخطي هذا الإمتحان الذي أدمى قلبي.
ماجدة ريا
21/6/2008

الخجل عند الأطفال

الطفل هو تلك الزهرة الندية التي تزيّن حياتنا، وتملأها فرحاً وسرورا. وهذه الزهرة تحتاج منا إلى الكثير من العناية والرعاية كي تنمو جميلة، وتحافظ على زهوها وألقها.
والخجل هو نوع من الأمراض النفسية التي تنتشر في المجتمعات الإنسانية التي يمكن أن تؤثر سلباً في حياة الطفل وإبداعه، ولا بد من مساعدته ليبقى لتلك الزهرة عطرها الفواح.
فالدراسات العلمية تشير إلى أن الخجل هو أكثر الأمراض النفسية انتشارا بين مجموع أي شعب بنسبة من 8 إلى 12%. ويصيب هذا المرض الأطفال والمراهقين والكبار، على أن نسبة انتشاره تكون أعلى بين الأطفال والمراهقين، حيث تشير الدراسات أيضاً إلى أن هناك نسبة كبيرة من المراهقين يتألمون من انفعالية مفرطة أمام بعض الأشخاص والمواقف، فيشعرون بالخجل من التعبير عن المشاعر.
ومن هنا يجب علينا النظر في حال هؤلاء البراعم التي تتفتح بيننا، والعمل على مساعدتها لتتمتّع بشخصية سوية وسليمة.
ولا بدّ لنا من النظر في الأسباب التي يمكن أن تؤدّي إلى الخجل، لكي نصل إلى الحلول المناسبة لها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن التغيرات الفسيولوجية والكيماوية التي تحدث للإنسان من الخجل الاجتماعي، سببها أن الإنسان يولد باستعداد معيَّن لهذا، والبيئة إما تطفئ الاستعداد أو تعززه. وهذه البيئة تكون نواتها العائلة التي تتعامل مع هذا الطفل بشكل مباشر، ومن ثم المجتمع الذي يحيط به، والأشخاص الذين يخالطهم، إضافة إلى البيئة المدرسية التي يوجد فيها.
فعندما يسود المنزل، وهو البيئة الأساسية لهذا الطفل، أجواء سلبية، فإنها بلا شك ستنعكس على نفسيته. فالقسوة من قبل الأهل والتعنيف والعقاب القاسي والتهديد المستمر للطفل، والنقد القاسي والمستمر خاصة أمام الآخرين، والمقارنة السلبية بين الأطفال، كل تلك الأمور تجعله يعيش في حالة نفسية صعبة، وتجعله يخاف من فعل أي شيء قد يسبب السخط عليه، أو قد لا يرضي من حوله، فيتردّد في التعبير عن رأيه أو عن رغباته، بل ربما يُحجم عنها أحياناً.
إضافة إلى ذلك فإن الخوف الزائد من قبل الأهل على الطفل والنابع من الرغبة في حمايته، وخاصة من قبل الأم، يُضعف ثقة الطفل بنفسه ويجعله متردّدا وخائفاً من كل شيء حوله.
وكذلك فإن ضعف العلاقات الاجتماعية أو انعدامها وعدم الاختلاط بالآخرين يجعل الطفل غير قادر على التعاطي مع هؤلاء، وغير قادر على التكيّف معهم عند اضطراره للحضور بينهم.
ومن هنا يتبيّن لنا أن للتربية دوراً أساسياً في بناء شخصية الطفل وتعزيز ثقته بنفسه، إضافة إلى تعزيز قدراته وملكاته التي تجعل منه سيد هذه النفس.
من المهم هنا اتباع بعض الخطوات التي تساعد في تدعيم ثقة الطفل بنفسه، أهمها أن نتعامل معه على أنه شخصية مستقلّة لها احتياجاتها وعالمها الذي يجب تفهمّه من جهة، وإفهامه وتوعيته من جهة أخرى بما يتناسب مع عمره.
وهنا يوصي خبراء التربية بأن نتّبع معه أسلوب الحوار منذ الصغر، فنصغي إلى كل ما يقول، نقوّم ما يحتاج إلى تقويم من دون استخدام أساليب النقد الجارح، بل نشرح ما هو جيد، ونشجّع ما هو جيد لديه ونثني عليه، ونؤمّن له ما يساعده على تنمية مهاراته حتى نبني ثقته بهذه القدرات مهما كانت صغيرة. وإن لم تكن موجودة نؤمن له ما يستطيع فعله، ونساعده لأن يكون قادراً عليه، على أن لا نفرض عليه أشياء لا يحبها.
إن الحنان والمحبة التي نغدقها على الأطفال هي التي تساعدهم على بناء ثقتهم بأنفسهم، فعندما يشعر الطفل بأنه غير مرغوب فيه سواء في المنزل أو في المدرسة أو في المجتمع، فإنه سينطوي على نفسه، لذا لا بد من أن يشعر بمحبة الآخرين له وباستيعابهم لما يفعل. لذا فالتربية الحديثة تُشجّع على التعاطي بإيجابية مع الطفل وعدم التقليل من شأنه أو قدراته، بل البحث دائماً عن الأمور الإيجابية وتشجيعه للتقدم، وتفهّم أخطائه ومساعدته على تجاوزها من خلال تقديم العون له لا من خلال تأنيبه ومعاقبته وانتقاده.
كما أنه من المهم أيضاً الالتفات إلى التفاعل الاجتماعي ومساعدته على أن يكون له أصدقاء جيدون.
هنالك حالة من الخجل تنشأ لدى الطفل بسبب حالة إعاقة جسدية يعاني منها، في هذه الحالة يكون دور الأهل مهماً في طريقة التعاطي مع هذه الحالة. فبعض الناس يخجلون إذا كان عندهم في المنزل مثل هذه الحالة، وهذا خطأ شائع، إذ يجب عليهم العيش مع هذه الحالة على أنها أمر واقعي لا يُخجل منه. وكم من المعاقين أنجزوا في حياتهم ما لم ينجزه أشخاص طبيعيون! لذا يجب أن يساعدوا طفلهم على تقبل الأمر الواقع والتصرف بإيجابية معه، ودفع الناس أيضاً للتصرف بإيجابية مع مثل هذه الحالة.
ولا بد في النهاية من الالتفات إلى مسألة غاية في الأهمية، وهي أن لا يُقال عن الطفل في حضوره: "انه خجول"، كما يجب محو هذا الاعتقاد من رأسه اذا وُجد، وتعويد الطفل أنه يمكن أن يقوم بأي شيء يريد القيام به كما كل الأطفال، وأنه يمكنه أن يفعل ذلك، وإنّ فشله في ذلك ليس عيباً، وأنه يمكن أن ينجح اذا استمرّ في المحاولة، إذ يجب أن لا يعتقد الأهل أو الطفل أن الخجل مسألة طبيعية أبداً، وإنما هي حالة طارئة لا بد من التخلص منها.
وبقي أن نقول: إن التربية السليمة هي التي تؤدّي في النهاية بناء شخصية متوازنة، تعرف كيف تعبّر عن الملكات المخزونة في داخلها بشكل ايجابي يحفظ نضارة أزهارنا وسلامتهم.
ماجدة ريا