Friday, January 27, 2006

لمن المستقبل؟

أزهرت المقاومة انتصاراً عام ألفين، وأثمرت في قلوب المحبّين نضوجاً ووعياً، ربما هي لم تقلب الموازين عندما انتصرت في الموقع الذي لم ينتصر فيه أحد قبلها، إنما بلورت حقيقة لم يستطع أحد قبلها الوصول إليها، وسطّرت بدماء الشهداء وآلام الجرحى وصبر الأهلين على كلّ ذلك معادلة جديدة ليس من السهل قلبها بكثرة الكلام واحتدام المواقف أياً تكن، محلّية كانت أم إقليمية، أم دولية... ما كتب بالدماء والآلام لا يبدّله أي مستجدّ من الأحداث مهما ظنّ البعض أنه يملك نهاياتها، باعتبار أنه طوى تحت جناحه قراراً أممياً ترأسه أميركا! ومن يقف تحت جناحها من الدول، أو من يقف على الحياد خوفاً على مصالحه. معادلة تقول "إن الحق منتصر، وإن الباطل كان زهوقا" مهما طالت الأيام، ومهما استكبر من استكبر وطغى من طغى، فقد طغى فرعون من قبل، وطغى الأباطرة والقياصرة، وكل العهود الغابرة والأمم السالفة تنبئنا بنهاية الظالم وظلمه وانتصار الحق عندما يجد هذا الحق من يعرفه ويصونه بالدماء.
نحن نعرف حقنا جيداً، ودفعنا مقابله الكثير من المعاناة، من الدماء الزكية التي لم ولن تكون رخيصة يوماً، لنضيّع ما حقّقت من إنجاز عظيم، ومن يستنير بضياء الشمس ونورها ودفئها، لن يتركه ليعود إلى الظلمات، حتى لو كلّفه ذلك الحياة!
يقولون الخروج عن الشرعية الدولية وأنا أقول من الذي صاغ الشرعية الدولية ومن الذي وضع حدودها، لقد استوقفني مقطع صغير في كتاب القانون العام الدولي للدكتور عبد الباقي نعمة عبد الله وهززت رأسي عنده طويلاً وهو يقول "الدول تلتزم بقواعد القانون العام الدولي بإرادتها وتخضع لأحكامه خضوعاً ذاتياً مع ملاحظة التطور الحديث الذي أدى إلىسيادة هيئات دولية تمارس دور الرقيب على الدول وتقوم بدور السلطة العليا أو الدولة التي هي فوق الدول، خصوصاً مجلس الأمن الدولي الذي لو قُدّر له أن يمارس وظائفه بموضوعية وعدم تحيّز وعدالة، استناداً إلى ميثاق الأمم المتّحدة، ولو ابتعد عن المحاباة والضغوط على الدول الصغيرة ولو تخلّى عن حق الفيتو المقرّر للخمسة الكبار، لأمكن القول إنه يمثّل الحكومة العالمية التي تخضع الدول لإرادتها وتؤدّي إلىاستقرار التعامل الدولي."
إذاً عن أي شرعية دولية يتحدّثون مع كلّ هذه المعوّقات التي تحول الشرعية الدولية ومجلس الأمن بالتحديد إلى شريعة الغاب حيث القوي يقتل الضعيف، ويذله، ويفعل ما يحلو له بحجة الشرعية الدولية؟ وهل مجلس الأمن أنشئ للحفاظ على الدول الكبرى ومصالحها؟ أم لحماية المظلوم وإعانته؟!! وأي استقرار سيصل إليه العالم مع حرّاس الأمن وعلى رأسهم أميركا؟ وأي شرعية هذه التي يفرضونها؟
هل الشرعية التي تجاوزتها أميركا ذاتها ضاربة بها عرض الحائط، مستبيحة كل الأعراف عندما اجتاحت بجحافلها العراق؟ وهل ننسى صور الأطفال والنساء والشيوخ والدمار.. والتي ما زالت تتوارد حتى الآن؟!
أم هي الشرعية الدولية التي تبقي كل القرارات المتعلّقة بإسرائيل في أدراج مغلقة لا يتذكّرها أحد؟!
أم ربما هي الشرعية الدولية التي تبيح لفرنسا التلويح باستخدام السلاح النووي من أجل تأديب الآخرين؟!!!!
الطاقة النووية ممنوعة للأغراض السلمية؟!! مسموح أن تستخدمها أميركا العاقلة والمهذّبة سلاحاً في هيروشيما؟! وأن تلوّح باستخدامها مجدداً فرنسا؟!
نعم... هذه هي الشرعية الدولية التي على البشر الإقتناع بها، ومن لم يقتنع تستطيع أميركا وفرنسا إقناعه بما تملك من قوة وأدوات... ولا من رادع أو وازع!
الشرعية الدولية هي حكم الدول الكبار المتسلطة من أجل تحقيق مصالحها، ونشر أفكارها من خلال نموذج الديمقراطية الذي رأيناه في أفغانستان والعراق... والسيف المسلط على رقاب العباد بما يملكون من كل وسائل التدمير والعنف والإرهاب!...
ولكن من قال إن هذه الشرعية هي شرعية أصلاً؟ ومن قال إن الموت والدمار والإعتداء يرهبنا؟ أو ينسينا مبادئنا وحقّنا؟ ومن قال إنهم الأقوى بكل ما يملكون؟
الله جلّ وعلا علّمنا، والتاريخ أكّد لنا أن الحق هو السلاح الأقوى والأمضى، ، أما الشر.. فله أن يأكل نفسه، وأن يرتدّ على صاحبه، وإذا كانت أميركا تظن بأننا لا نسمع صراخها مما أورثت لشعبها بفضل حكومتها المتهوّرة، فإننا نقول لها إننا نسمع ونرى، وقد خرجت سابقاً مرغمة من فيتنام، وها هي تود لو تخرج اليوم قبل الغد من العراق وما يؤخرها هو البحث عن طريقة تسمح لها بحفظ ماء وجهها، وإسرائيل خرجت مكرهة من جنوب لبنان...
لن يقنعونا أن القوة المتسلطة هي التي تصنع المستقبل، وإن كان بعض الأشخاص قد درجوا على الوقوف مع الأقوى على أنه رابح مؤكّد، دونما الأخذ بعين الإعتبار هوية أو مبدأ، فينقلب من جانب إلى جانب، دون اكتراث لثوابت أو وقوف عند مبادئ.
الأساس هو أن يملك الإنسان مبدأ، ويحمل فكراً، إما يحيا به أو يموت دونه، ويستمرّ من بعده، أمّا القوة فعندما تتمثّل بالشر فإنها وإن استطاعت أن تؤذي فإنها قاتلة لنفسها، وسبب هلاك من يتّبعها، والمستقبل يبقى لأصحاب الحق حتماً، لأن الله سبحانه وتعالى مع الحق.
ماجدة ريا.

No comments: