Sunday, February 12, 2006

التعنّت المتهوّر


نعيش وسط معمعة حادة، وخلافات محتدمة، وبلد يخوض في المجهول، وإنقسامات لا عدّ لها ولا حصر، وإن بدا المشهد على أنه اصطفاف بين معسكرين أساسيين شرقي وغربي... لكنه لبنان، ويبقى لبنان قبل أن يكون أي شيء آخر، فهل هذا هو رأي الجميع؟!!!! وهل مصلحة لبنان هي صاحبة الإعتبار؟
صدر مؤخراً وثيقة تعاون بين تيارين كبيرين، أثارت الحساسية لدى بعض المسؤولين، لحسابات ما! رغم أن هذه الوثيقة قد وجّهت دعوة إلى الجميع للإجتماع حول طاولة حوار، وتقريب المسافات على أساس مصلحة لبنان، ومع ذلك فإن الخطابات النارية لم يخمد أوارها، وخرجت لاسعة أكثر من أي وقت مضى، فلم يتوانَ أحد قادة الميليشيات سابقاً عن وصف المقاومة على أنها ميليشيا دون حياء، طبعاً ولهكذا جرأة ثمن!!!!
فكلما رأى المسؤول الأميركي أن ثمة تقارباً حصل بين الأطراف اللبنانيين، أرسل من يعكر صفوه ويضرم النار! ولكن حبذا لو أن من يستجيبون ويلعبون بالنار يلتفتون إلى أن أول شيء تحرقه النار هو أصابع من يلعب بها.
ولكن غريب هو منطقه! بل كيف يكون غريباً، فقد اعتدنا على النفس الأميريكي وعلى أمر يشبه أي شيء إلاّ المنطق!
عندما التقى هذان التياران على طاولة الحوار وبعد أشهر توصلا إلى هذه الوثيقة المعلنة، لنقل إلى تقريب وجهات النظر، والإلتقاء، والمعلوم أنه لم يجلس معهم أي شخص من أي جنسية أخرى.. هو كلام لبناني ـ لبناني... وعلى مرأى من الجميع، وكل النقاط التي عالجها تخص لبنان، ولم يقفل الطرفان الباب بل فتحاه لمن يرغب أن يكون لبنانياً ويحل مشاكله على الطريقة اللبنانية، فنحن لسنا بحجم العالم كي يأتي العالم كله من خلال أمريكا والأمم المتحدة ليحلّ مشاكلنا، لقد بلغنا سن الرشد.
ويخرج الزعيم بعد لقائه مباشرة لمبعوث الأمم المتّحدة، ليشكك بوطنية اللبنانيين عندما يجلسون مع بعضهم، أما أن نلتقي المبعوثين الأجانب ونخرج لننفذ رغباتهم، ربما عندها نصبح منتمين إلى جوقة السيادة والحرية والإستقلال!!!!! يا للسخافة! والأغرب أنه يعترف بأن المقاومة هي حالة شعبية واسعة، تملك كل شيء من شعبية وفكر وخطابة وقوة.. لكن هو ومن معه يملكون الكلمة الحرّة!!!!! أي حرية هي التي لا تحمى إلا بعد كل مقابلة لمبعوث غربي يملي عليه ما يجب أن يقول!
أما مركز الجدال فهو أن الدولة يجب أن تبسط كامل سيادتها على أرض لبنان؟ لأن ما تفعله المقاومة هو انتقاص للسيادة؟!! ويا للعجب؟! أين كانت الدولة عند الإجتياحات الصهيونية المتكررة؟ وللذين يطالبون بعودة العمل باتفاق الهدنة لعام ال 48 أين كان هذا الإتفاق عند كل ما سببته إسرائيل لشعب لبنان من دمار وويلات؟
لقد عانى لبنان ما عانى، والقرى الجنوبية تشهد الهمجية والرعونة الإسرائيلية... كيف تطالبون أن نلقي السلاح والعدو يحاصرنا كل يوم ولم نلقِ هذا السلاح؟ أي منطق يقول للمعتدى عليه تجرّد من سلاحك وضع رأسك على المقصلة؟ المنطق الأميريكي مرفوض مرفوض لأنه ليس بمنطق!
حبذا لو يكف المتعنّتون عن تعنّتهم، ويلتفتون إلى مصلحة بلدهم بعيداً عن أي مصالح ذاتية..
حبذا لو يغلّبون حب الوطن بعيداً عن التستّر بهذه الكلمة مراوغة ورياء..
فلنجتمع بقلب مفتوح، محب للوطن ومصالحه، ولنعمل على حمايته بوحدتنا، بمحبّتنا الصادقة، ورؤويتنا الواضحة بعيداً عن العنصريات والعنجهيات..
لمَ يصمّون آذانهم ولا يريدون أن يسمعوا؟
عندما انتصرت المقاومة ـ وإن كانت من لون واحد ـ قالت "هذا انتصار للبنان، لكل اللبنانيين بكل أطيافهم" وتعالت على كل الجراحات، ولم تقتصّ من الذين تسببوا لها بكثير من الأذى..
لقد أثبتت بالفعل لا بالقول أنها منكم ولكم أيها اللبنانيون، وأنها السبب في طمأنينتنا جميعاً.. لمَ تريدون سلبنا هذه الطمأنينة!
طائرات العدو التي تجتاح سماءنا كل يوم.. كنا نرتعب منها سابقاً، لكن بعد معادلات القوة التي أرستها المقاومة بتنا نشعر بالأمان على كل شبر من أرضنا..
ما الذي يردع إسرائيل عنا وهي التي لها علينا ثأر؟ الفيتو الأميريكي على إدانة إسرائيل في مجلس الأمن بعد مجزرة قانا؟!
أنا لا أفهم ما الذي يدعوكم إلى هذا التعنّت المتهوّر!.
ماجدة ريا

No comments: