Monday, January 05, 2009

شهر محرّم وبداية العام الجديد

تدور عقارب الزّمان وتطحن رحاها الأيّام، فتتقارب الساعات وتجتمع بين المناسبات
ولكل مناسبة لون وعنوان، قد تبدو غير متشابهة أبداً إلى حد التضاد والتنافر، لكن الزّمن يجمعها بعد أعوام طويلة في وقت واحد، ليكون لها في قلوب الوالهين الصادقين لون واحد، هو لون الدم المنتصر على السيف، ولون حداد يوقظنا من السبات، وينقلنا إلى أجواء المحرّم المجبولة بالعطاء والفداء، والمرصّعة بأفضل العبر وأروع الدروس.
من هناك، من أرض الطفّ البعيدة، استصرخنا النداء ليخترق مئات الأعوام ويصل إلى آذاننا حياً، ويرتفع.. فتقترب المسافات وتهفو القلوب لعشق الشهادة ونهج الحسين عليه السلام.
نودّع عاماً من أعمارنا، لتُولد فيه براعم عام جديد، وكل منا يرمقها بوجل واستطلاع عمّا تحمل لنا أيامه القادمة من صلب الزمان.
ولطالما حرص الناس على توديع العام السابق بابتسامة، وتداعوا إلى استقبال العام الجديد بفرحة كبيرة، وكأنّهم يستطيعون توزيع هذه الفرحة على بقية أيّام العام.
لكن ربما كان من الأجدى مفارقة عام من عمرنا بوقفة تأمّل في ما أمضينا هذا العام، وفي ما أنفقنا أيام عمرنا التي تسير بنا مسرعة لانقضائه. وربما من الأجدى أن يكون لنا في مثل هذه الليلة "جردة حساب" لأعمالنا.
أما عن إطلالة العام الجديد، فهي بالتأكيد ليست ككل عام، لأنها تعانق بداية السنة الهجرية، وتتجلّى أمامنا هيبة شهر محرّم الحرام، فيقف منتصباً من بين الشهور متجلبباً براياته السوداء، معتصماً بنداء الحسين: "هل من ناصر ينصرنا"؟!
ها هو العام الجديد يُقبل علينا، وعلى أبوابه حفر جرح الزمان الذي لا يبرد أبداً، جرح الزمان الذي تحيا به آلامنا في كل عام، فندخل فيه خاشعين بقلوب أدماها عشق الحسين عليه السلام، وأحرقها حنين الشوق لنصرته، وقد تمادى الظلم والطغيان، واستبدّ العدو وبطش.. ويرتفع النداء ويعلو: يا أنصار الحسين هلمّوا لنصرة الحق، لنصرة المظلوم على الظالم.. فيخرّ القلب خاشعاً، ويفور حب الحسين عليه السلام في القلب دامعاً، وتضجّ المشاعر بالحنين إلى كربلاء.. فهلمّوا أحبّائي لنلبّي النداء، هلمّوا بنا إلى ملابسنا السوداء، وإلى راياتنا نرفعها عالياً، تلك الرايات التي طالما صفعت الأعداء ولقّنتهم ما معنى انتصار الدم على السيف.. إنّها رايات الحق في وجه الباطل، التي ما زلنا نرفعها بثبات أكبر، وعزيمة لا تلين.
ها هي بوابة العام الجديد تتجلبب بنداءات عاشوراء، ومن هذه البوابة تنطلق صرخة الثورة على الظلم والطغيان، وثبات شعار "هيهات منّا الذلة" الذي أطلقه الإمام الحسين عليه السلام في ثورته، فيتمدّد صداها لباقي أيام السنة وتكون الدافع لقطار العام بأكمله.
إنّها البداية مع الدمعة المجبولة بحزن الزمان المتجدّد مع رواية كل مظلوم، ومع مواجهة كل إجرام.
إنّها الدمعة التي تروي عطش القلوب فتغسلها من صدأ الدنيا، وتُنبت فيها حبّ الشهادة والعطاء، لأنها تكشف لها عن مراتب الشهداء.
إنّها الدمعة التي تسيل خاشعة من دون استئذان لتمدّنا بالقوة والعزيمة، وتكشف لنا عن منبت الحرّية وعن معنى الإرادة.
إنّها الدمعة التي تصوغ كيان الإنسان فينا، فتربينا على العزة والشرف والإباء.
إنها أيام السيرة التي ترسم لنا خط المسير، فالإمام الخميني قدس سره الشريف يقول: "كل ما عندنا من عاشوراء".
فها نحن نعيش أيامها المباركة صغاراً وكباراً، رجالاً وأطفالاً ونساءً،
نخطو فيها بثبات المقاومين المنتصرين بقبضات مرفوعة نحو عنان السماء: لبّيك يا حسين، يا مظلوم كربلاء.
لبّيك يا صرخة المظلوم على الظالم، لبّيك يا غزّة الإباء.
فمظلوميتك هي الملح الذي وضع على الجرح ليفور.. هكذا أراد العدو الصهيوني المجرم المتوحش أن نبدأ العام، لكنه لم ينتبه الى نبضات شهر محرّم الحرام، ولم يدرِِ أننا في أيّام هي ثورة بحد ذاتها، تحلّق فيها أرواحنا مع الإمام الحسين عليه السلام، وأننا في قلب أيام الشهادة.
فلبّيك يا صرخة الحسين، ولبيك يا غزة المقاومة والشرف والإباء.
الانتقاد/ العدد 1327 ـ 2 كانون الثاني/ يناير 2009
ماجدة ريا

No comments: