Thursday, January 19, 2006

شرطي الإمبراطور!


تعليق على الأحداث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قد يستطيع مجلس الأمن الدولي أن يقنع شخصاً يعيش في أوروبا أو أمريكا أو أفريقيا أو حتى شرق آسيا بمقولته وماهيته، أما أن يقنع شخصاً يعيش في منطقة الشرق الأوسط فهذا الأمر مثير للجدل والتساؤل.
يقرأ المرء عن كيفية نشوء هذا المجلس، عن اهتماماته، إنجازاته فيسترسل حتى يشعر بأنه يعيش حلماً جميلاً أو كأنه يقرأ رواية خيالية أو ربما هذا الأمر يعني كوكباً آخر غير كوكب الأرض.
سيصدّق هؤلاء الذين يعيشون في قارات بعيدة، لأن فاعلية هذا المجلس قد تكون صادقة معهم بعض الشيء، لأن المصالح فيها يمكن أن يُحصل عليها بالمداورة والمناورة والصبر...
أما في "الشرق الأوسط"، وفي قضية الصراع العربي الصهيوني، فقد أصبح اللعب "على المكشوف" تقريباً، وإن كان البعض يتخفّون وراء أصابعهم أو لديهم حساباتهم الخاصة التي لا يمكنها أن تطمس حقيقة أصبحت كالشمس.
ربما الإعلام العربي لم يرقَ بعد إلى مستوى الطرف الآخر، فاستطاع هذا الأخير أن يقنع الآخرين بما يشاء، لكن ليس في مركز الصراع، حيث نيران حقدهم تكوي القلوب، التي ولئن احترقت بنار الدنيا فلن تستسلم أمام الذل والعار.
يحلم الفرد بأن تتحد أمم العالم وشعوبه من أجل الخير، ومن أجل سلام يسود كوكب الأرض، فالإنسان قد فطر على حب السلام والعيش بطمأنينة، لكن كثيراً ما تشوّهت هذه الفطرة بأفكار من يحمل العنصرية ويَسِم غيره بها، فقط لأنه مقتدر!
نعم، العنصرية الصهيونية ورفض الآخر وقتله واضطهاده وتدمير إمكاناته. هذه العنصرية التي لا تسمح للآخرين بحق الوجود إلا إذا اعترفوا أنهم ما دون إنسانيتهم المدّعاة وأنهم أرقّاء وعبيد لهم. المقولة الصهيونية تطول إذا ما أراد الواحد منا تعريفها ولكن أصبح من الواضح عن أي معادلة نحن نتكلم.
ونعود إلى دور مجلس الأمن "الموقر"، والذي نصّب نفسه شرطياً لهذا العالم، والذي عندما تقرأ عنه تشعر أنه شرطي أمين مؤتمن، يحمي وجود الإنسان ويدافع عن الإنسانية تجاه الشرور التي تحيق بها. لكن في قضية الصراع العربي الصهيوني سرعان ما تكتشف أنها مجرد كلمات! أو ربما هو شرطي لا حول له ولا قوة!
فكم مرة اتخذ هذا الشرطي قرارات فيها بعض العدل بشأن هذه القضية وبقيت حبراً على ورق لأنها تمس بمصالح الصهاينة؟
وكم مرّة كمّ فم هذا الشرطي حتى عن اتخاذ القرار ورفض القرار من أصله فقط لأن الإمبراطور حامي الصهاينة استخدم حق النقض الفيتو؟
ولكن السؤال الأهم هو أنه كم مرة سعى مجلس الأمن إلى فرض الشرعية الدولية ليس بالقوة وحسب كما يتعامل مع الآخرين وإنما حتى بالتهديد أو التلويح بأي عقاب حتى لو كان بسيطاً. إذا كان التأنيب يتغاضى عنه فهل سنسأل عن الأكثر منه؟
وكل ذلك برعاية الإمبراطور الموقر!
هذا الإمبراطور أقنع نفسه بأنه يستطيع أن يُدخل إلى السجن من يشاء ويخرج منه من يشاء وأن يبرّئ من يشاء وهكذا... كل شيء يجب أن يسير بمشيئته، والشرطي الأمين تحوّل وبقدرة قادر إلى حام لهذا الإمبراطور وبأسلوب الشرعية الدولية التي انتقاها هذا الأخير.
باعتبار أن العالم تحول إلى قرية صغيرة ، ظن الإمبراطور أن بإمكانه صياغة القوانين المفصّلة على مقاسه، والتي تحفظ مصالحه، وبدءاً من حادثة 11أيلول ، تحوّل إلى وحش يصول ويجول، ويكيل الإتهامات، فكل ما يتنافى مع مصالحه الأنانية تحول إلى إرهاب يستحق العقاب، والشرطي الموقر مطأطئ الرأس ، تارة يناور وتارة يرضخ وفي كل الأحوال تبقى كلمة الإمبراطور هي الأمر المطلق التي لا يستطيع أن يقف بوجهها شيء! ومن تلك الحادثة ـ الحدث ينطلق ليحرر العالم ويفرض عليه "ديمقراطيته المعتبرة" ويؤدب كل آخر يتعارض معه وبلغة الدم دون وازع أو رادع.

وأكثر ما يثير العجب في مجلس الأمن الدولي هو مسألة "نزع السلاح" كي يصبح العالم أكثر أمناً وأماناً، إذ لا بد من حصر السلاح،و خاصة الخطير منه (السلاح النووي) بين الأيادي المؤتمنة على أرواح البشر باختلاف ألوانهم وأوطانهم... نعم ، أميركا وإسرائيل هم الأخبر بكيفية استخدام السلاح والأكفأ بتحويل حياة الأبرياء إلى جحيم.
فالسلاح يجب أن يبقى حكراً على هؤلاء العباقرة الذين يعرفون كيف يتفننون بإيذاء الآخر الذي لا يعجبهم... يتفننون في ابتكار أي سلاح، واختراع أي حرب من أجل تجريبه وليقتل من الأبرياء ما يشاء خاصة إذا كانوا ليسوا بصهاينة، وإذا لم تعجبهم جرائم الصهاينة، وليس إذا اعترضوا عليها وحسب!
ومجلس الأمن إزاء تسلسل أحداث هذا الصراع يتنقل من قرارات خجولة لا تطبق إلى صمت مطبق ومن ثم إلى بصمة موافقة لا يمكنه الهروب منها.
ومهمة نزع السلاح من منطقة الصراع مع العدو الصهيوني هي واجب مقدس لدى الإمبراطور، ومجلس الأمن هو الكلمة الجريئة التي تعلو وتصدح بهذا الطلب باتجاه أي من الدول، طبعاً باستثناء "إسرائيل" فهي تشرّع لنفسها ما يحلو لها ولا علاقة لها بتنفيذ أي قرار يفرضه مجلس الأمن، فقط هي تظن بأنها قادرة على أن تفرض على الآخرين تنفيذ قراراتها من خلال هذا المجلس.
يظنون أن العراق عبرة! ويحاولون أن يتناسوا، أو أن يفرضوا على الناس أن تنسى بأن جنوب لبنان هو العبرة الأكبر، وأن الإنسان يختار ما يشاء كي يعتبر!
يمكن أن يجبن فيستسلم! ويمكن أن يصمد فينتصر.
وليتذكر الجلاد الذي يقطع رؤوس الآخرين دائماً بأنه لكل جلاد أجل ، وما الخلود إلا لله العلي القدير.

No comments: